مجزرة الإعدام الثالثة في السعودية: خلط للتهم وانعدام للعدالة
حملت مجزرة الإعدام الثالثة في السعودية التي تم تنفيذها قبل أيام بحق 81 شخصا خلطا للتهم وانعدام للعدالة بحسب ما تؤكد أوساط حقوقية دولية.
وفي 12 مارس 2022 نشرت وزارة الداخلية السعودية بيانا أعلنت فيه إعدام جماعي طال 81 شخصا. في الشكل لم يتشابه البيان مع بيانات الإعدام السابقة التي دأبت وزارة الداخلية على نشرها للإعلان عن تنفيذ الأحكام، كما أنه أظهر انتهاكات جسيمة للقانون الدولي بعيدا عن توثيق القضايا.
والبيان لم يشر إلى نوع الأحكام التي نفذت، حيث لم يفصّل إذا كان المعدمون قد واجهوا أحكام بالقتل حدا أو قصاصا أو تعزيرا.
وكانت السعودية قد أطلقت عددا من الوعود مؤخرا أشارت فيها إلى نيتها وقف أحكام القتل التي لا تستند إلى الشريعة أو إلى نصوص قانونية، وتعني بذلك أحكام القتل التعزيرية. أبرز هذه الوعود التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان في مقابلته مع صحيفة ذا اتلنتيك.
وبحسب تتبع المنظمة الأوروبية السعودية عدد من الأفراد تأكد الحكم عليهم بالقتل تعزيرا، كما أن مسار القضايا والنهج الذي تتبعه الحكومة السعودية يؤكد قصور النظام القضائي وشوائبه.
وأظهر توثيق عشرات قضايا الإعدام، تعرض المتهمون للتعذيب وسوء المعاملة والحرمان من الحق في الدفاع الكافي عن النفس.
إضافة إلى ذلك، وبحسب البيان الرسمي، لم يواجه العديد من الأفراد الذين تم إعدامهم تهما جسيمة أو من الأشد خطورة في القانون الدولي، وبالتالي لم تتضمن تهم قتل.
وبحسب البيان، فإن 38 شخصا واجهوا تهما بينها استهداف مراكز أمنية وسطو وحيازة الأسلحة، فيما واجه سعودي ويمنيان تهما تتعلق بالتجسس، فيما واجه 3 محاولة القتل.
انعدام الشفافية في تعامل الحكومة السعودية مع ملف عقوبة الإعدام منع متابعة وتوثيق كافة القضايا، ولكن القضايا التي وثقتها المنظمة بينت انتهاكات جسيمة للحقوق:
محمد الشاخوري (20 يوليو 1984) تعرض للإخفاء القسري في 17 أبريل 2017، حيث اعتقل من أحد الحواجز المنتشرة في بلدته العوامية. بعد ثلاثة أيام اصطحبته القوى الأمنية إلى منزله وعمدت إلى مداهمة المنزل بالقوة.
فقدت الأسرة التواصل مع الشاخوري، ورفضت الحكومة تزويد الأسرة بأي معلومات أو السماح لها بتعيين محام للتواصل معه ومعرفة ملابسات وأسباب اعتقاله.
بقي الشاخوري في السجن الانفرادي لمدة تجاوزت الثلاثة أشهر، تعرض فيها لأنواع مختلفة من التعذيب وسوء المعاملة، من بين ذلك الحرمان من النوم والضرب والإجبار على الوقوف لمدة طويلة، والضرب والصفع.
أدى التعذيب إلى سقوط عدد من أسنانه ونقله عدة مرات إلى المستشفى إلا أنه لم يحصل على الرعاية الصحية التي كان يحتاجها.
وجهت النيابة العامة عدد من التهم إلى الشاخوري، بينها: الدعوة إلى الاعتصامات والتظاهرات ورفع الشعارات المناهضة للدولة، حيازة واستخدام الأسلحة، حيازة صور ومعلومات لأفراد تعتبرهم الدول إرهابيين.
من جهته اعتقل الشاب أسعد شبر علي ( 1 يوليو 1984) في 28 أبريل 2017، في منطقة عسير من دون إبراز مذكرة قبض، وذلك خلال قيامه بإيصال زوجته إلى المدرسة التي تعمل فيها. عُزِل أسعد في الحبس الإنفرادي لمدة أربعة أشهر، لم يتمكن خلالها من التواصل مع عائلته أو العالم الخارجي.
كما تعرض لأصناف عديدة من التعذيب الجسدي والنفسي بغية إجباره على “التبصيم” على اعترافات كتبها المحقق بنفسه، ما أدى إلى إصابات بالغة في ظهره. طلب شبر من المحقق نقله إلى المستشفى للعلاج، إلا أنه لم يستجب لطلبه، وتُركه يعاني من آلام مستمرة.
من بين التهم التي وجهت له: المشاركة في المظاهرات، ترديد الشعارات السياسية، الدعوة للمظاهرات والاعتصامات، الانضمام لتنظيم إرهابي مسلح. لم يتم التحقيق في مزاعم التعذيب التي وجهت له وحكم عليه بالإعدام.
بدوره مرتضى آل موسى (7 نوفمبر 1987) اعتقل في 17 ديسمبر 2013. تعرض للتعذيب الشديد ومنع من التواصل مع العالم الخارجي لأشهر.
وجهت له عدة تهم بينها: الاشتراك المظاهرات والتجمعات التي حصلت في القطيف والمشاركة في تكوين خلية إرهابية، وإطلاق النار.
أكد أمام القاضي انتزاع اعترافات منه تحت التعذيب، على الرغم من ذلك حكم عليه بالقتل تعزيرا في 4 ديسمبر 2020 بعد سبع سنوات من اعتقاله.
أما عقيل الفرج وهو من مواليد 1991، فقد اعتقل في 25 ديسمبر 2013 خلال مروره بنقطة تفتيش في حي الناصرة في القطيف، ولم يتم تقديم أي مذكرة توقيف بحقه.
أوقف في سجن المباحث العامة في الدمام، ووضع في زنزانة انفرادية حيث تعرض للتعذيب وسوء المعاملة طوال شهرين ونصف.
تعرض للضرب والصعق بالكهرباء وإطفاء السجائر في جسده، ووضعه في غرف باردة جدا. أدى التعذيب الذي تعرض له إلى ضعف في النظر وألم دائم في الظهر والمفاصل إلى جانب معاناة نفسية مزمنة.
بعد خمس سنوات تقريبا على الاعتقال بدأت محاكمة الفرج أمام المحكمة الجزائية المتخصصة حيث وجهت له عدة اتهامات بينها الاشتراك في تكوين خلية إرهابية بهدف الخروج على ولي الأمر والتحريض على مظاهرات والمتاجرة بالأسلحة والترويج وتعاطي المواد المخدرة والتستر على مطلوبين.
أصيب الفرج بانهيار عصبي عند سماعه التهم التي وجهت له وطلب النيابة العامة بقتله. أكد الفرج أمام القاضي أنه أجبر على التوقيع على الاعترافات تحت التعذيب الشديد، ولكن لم يعر القاضي ذلك أي اهتمام ولم يتم التحقيق فيه.
فيما ياسين إبراهيم (21/07/1987)، اعتقل في 8 نوفمبر 2016. تعرض للإخفاء القسري عند الاعتقال ووضع في السجن الانفرادي حيث تعرض للتعذيب والترهيب وأجبر على التوقيع على اعترافات.
لم يقدم إلى المحكمة إلا بعد مرور عامين على اعتقاله. وجهت له تهم تتضمن التجسس والتواصل مع عناصر استخباراتية وتخزين ما من شأنه المساس بالآداب العامة.
أكد أمام القاضي تعرضه للتعذيب وسوء المعاملة وأنكر التهم التي وجهت له وأوضح أنها لا ترقى لان تكون تهما يحكم عليه فيها بالقتل. حكم عليه بالإعدام تعزيرا في 21 فبراير 2020.
وأكدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن مجزرة الإعدام الجماعي الثالثة انتهكت القوانين الدولية والوعود الرسمية السعودية التي رددتها الحكومة خلال الفترة السابقة.
وشددت المنظمة على أن انعدام استقلالية القضاء، وغياب أي دور للمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية يمنع تتبع المحاكمات ورصد عدالتها، فيما تشير القضايا التي تم توثيقها إلى ممارسة التعذيب وانتزاع اعترافات وحرمان من الحق في الدفاع عن النفس إلى جانب توجيه تهم فضفاضة انتقامية.
وخلصت المنظمة الحقوقية إلى أن عمليات الإعدام في السعودية وعودة ارتفاع أرقام الأحكام المنفذة يشير إلى التدهور والدموية في تعامل الحكومة السعودية في ملف حقوق الإنسان.