متفرقات سعودية

سوء استثمارات السعودية: ضخ جديد في “ماجيك ليب” الخاسرة رغم تراكم الديون

يواصل صندوق الاستثمارات العامة (PIF) الرهان على شركة الواقع المعزز الأميركية “ماجيك ليب” رغم سجل ممتد من الخسائر وعدم تحقيق أرباح منذ تأسيسها.

ففي الأسابيع الأخيرة ضخ الصندوق “205 ملايين دولار” إضافية في الشركة، ضمن تمويل جديد أُعلن عنه في تقارير مالية وإعلامية، ليرتفع إجمالي ما ضخه الصندوق منذ استحواذه على السيطرة في عام 2022 إلى “أكثر من مليار دولار”، وفق تتبع للجولات التمويلية المعلنة منذ 2023.

ودخلت ماجيك ليب سباق النظارات المدمجة بوعود طموحة لثورة في الحوسبة المكانية، لكن المنتجين التجاريين للشركة—ولا سيما “Magic Leap 2″—لم يحققا اختراقًا في السوق الاستهلاكية، ما دفعها إلى التحول نحو قطاعات متخصصة (الصحة، التصنيع، التدريب) دون أن تُثبت نموذج ربحية مستدام.

ومع بقاء الإيرادات محدودة وكلفة المكونات البصرية مرتفعة، ظلت الشركة تعتمد على تمويلات مساهميها لتغطية السيولة وخدمة الديون.

ويشير رصد للملفات النظامية والتقارير إلى سلاسل تمويل متعاقبة منذ 2023 بلغت مئات الملايين من الدولارات، كان أبرزها “590 مليون دولار” مطلع 2024، ثم تمويلات دين قابلة للتحويل في 2024، وصولًا إلى “205 ملايين دولار” في 2025.

لماذا يضاعف الصندوق رهانه؟

يرتبط الرهان برؤية «تنويع الاقتصاد» عبر امتلاك تقنيات أساسية في الواقع المعزز الذي يُتوقع نموه في البيئات الصناعية والطبية. كما يمنح الاستحواذ منذ 2022—بحصة أغلبية وتمثيل واسع في مجلس الإدارة—قدرةً على توجيه استراتيجية الشركة وتوطين القدرات على المدى البعيد.

لكن هذا التفسير الاستراتيجي يصطدم بمعضلتين: طول «المدة إلى الربحية»، واحتدام المنافسة من شركات عملاقة مثل “أبل” و”ميتا” التي تجمع بين المنصة والعتاد والنظام البيئي للمطورين.

ومشكلة ماجيك ليب ليست فقط ضعف الاختراق التجاري؛ بل أيضًا “اقتصاديات السلعة” نفسها: مكونات باهظة، سلاسل توريد حساسة، وحجم إنتاج محدود لا يسمح بخفض التكلفة للوصول إلى أسعار جاذبة.

في المقابل، تركز الشركات المنافسة على تكامل العتاد مع خدمات مربحة (متاجر تطبيقات، اشتراكات، سحابة)، ما يخفف ضغط الهوامش.

من هنا، يصبح الطريق الوحيد أمام الشركة هو عقود مؤسسية كبيرة وطويلة الأجل—وهي قليلة ومتقلبة بطبيعتها—مع استمرار الحاجة إلى ضخ رأسمال تشغيلي. تقارير السوق والتمويلات المعلنة تعكس هذه المعضلة بوضوح.

المخاطر على الصندوق: «مغالطة الكلفة الغارقة»

إعادة التمويل المتكرر تحمل خطر الوقوع في “مغالطة الكلفة الغارقة”: استمرار ضخ الأموال لتبرير إنفاق سابق بدل تقييم جدوى مستقبلية خالصة.

بالنسبة للصندوق، تتبدى المخاطرة في “إشغال رأس المال” في أصل عالي المخاطر ومنخفض الرؤية الربحية، بدلًا من فرص بديلة أقرب إلى التدفقات النقدية أو إلى نقل التقنية فعليًا إلى السوق المحلية.

كما أن تاريخ رهانات الصندوق على شركات تقنية وسيارات كهربائية بخسائر متراكمة يقدم إشارات إنذار إضافية حول إدارة المخاطر والحوكمة على الاستثمارات عالية الحرق النقدي. (معلومة عامة وليست حصرًا على ماجيك ليب).

شفافية الحوكمة والافصاح

امتلاك حصة أغلبية منذ 2022 يمنح الصندوق نفوذًا حقيقيًا على القرارات. لكن الطبيعة الخاصة للشركة في الولايات المتحدة تقلص شفافية الإفصاح مقارنةً بالشركات المدرجة، ما يحد من قدرة الجمهور وصناع القرار على تقييم الأداء الفعلي، وخطط خفض الحرق النقدي، ومؤشرات الوصول إلى “نقطة التعادل”.

وتذكر تقارير عدة بأن الشركة—رغم ضخ تمويلات تفوق “3.5 مليارات دولار” تاريخيًا من مستثمرين متنوعين—لا تزال “بحاجة إلى تمويلات دورية” للوفاء بالالتزامات.

وهذا يُحتم على المالك المسيطر إعلان “خارطة طريق قابلة للقياس” تتضمن: هوامش مستهدفة، حجم طلبيات مؤسسية، جداول خفض التكاليف، ومتى، وبأي شروط، يغدو الاستثمار قابلًا للاستمرار.

خيارات بديلة وتجسير الفجوة

بدل الانكفاء أو التمويل المفتوح بلا قيود، توجد خيارات وسيطة:

“شراكات تصنيع وتقاسم مخاطر” مع مصنعين كبار لتخفيض التكاليف.

“تركيز قطاعي محدد” (مثل الجراحة الملاحية أو التدريب الصناعي) مع عروض برمجية مدفوعة بالاشتراكات.

“تحويل جزء من الاستثمار” إلى منظومة مطورين ومحتوى محلية تمنح ميزة تنافسية وتخلق أثراً داخليًا ملموسًا.

وقد ضخ “205 ملايين دولار” جديدة في ماجيك ليب يرفع فاتورة الرهان السعودي على الشركة إلى “ما فوق المليار دولار” منذ 2022—من دون اتضاح طريق قصير للربحية.

وقد تكون لدى الصندوق مبررات إستراتيجية طويلة الأجل، لكن “الانضباط الاستثماري” يقتضي شفافية أكبر حول الأداء وخطط التحول التجاري، وجدولًا زمنيًا صارمًا لخفض الحرق النقدي.

بخلاف ذلك، يتحول الرهان إلى “مقامرة مكلفة” تُقزم العائد الاجتماعي والتقني المنتظر، وتُبقي المال العام أسيرًا لشركة لم تُثبت بعد أنها قادرة على الوقوف على قدميها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى