بن سلمان يحاول إغراء السيسي بالملايين للتدخل في ليبيا
أثارت مبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لإنهاء الصراع القائم في ليبيا، تساؤلات دولية، حول دور بلاده التي لا تتزعم الدعم المالي ولا العسكري للانقلابي الجنرال خليفة حفتر في حربه ضد الحكومة الشرعية في ليبيا عدا عن جرائم السيسي الحقوقية في بلاده.
وجاء التدخل المصري، عقب سلسلة هزائم منيت بها قوات حفتر أمام الجيش الليبي التابعة لحكومة الوفاق المدعومة من الأمم المتحدة وتركيا، وسط خشية من فشل المملكة والإمارات بمخططاتها في الدولة الغنية بالنفط.
وأعلن السيسي، قبل أيام، مبادرة سياسية تهدف إنهاء الصراع في ليبيا. وقال إن “اتفاق القاهرة يهدف إلى ضمان تمثيل عادل لكافة أقاليم ليبيا الثلاثة في مجلس رئاسي ينتخبه الشعب تحت إشراف الأمم المتحدة، وإلزام كافة الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية، وتفكيك المليشيات وتسليم أسلحتها”.
وعلى الفور، سارعت المملكة والإمارات ترحيبهما بمبادرة السيسي، تلتها بقية الدول الداعمة لحفتر -وهي والبحرين وروسيا وفرنسا- كما أعلنت الولايات المتحدة ترحيبها بالمبادرة، فيما رفضتها المبادرة حكومة الوفاق.
ووقعت الأطراف الليبية في ديسمبر/كانون الأول 2015 اتفاقا سياسيا نتج عنه تشكيل مجلس رئاسي يقود حكومة الوفاق، وإنشاء مجلس أعلى للدولة، لكن حفتر سعى طوال سنوات إلى تعطيله وإسقاطه.
ورفضت حكومة الوفاق إعلان التي اعتبرها مراقبون محاولة إنقاذ فاشلة لحفتر.
ورأي مراقبون أن المبادرة لا قيمة لها، كون نظام السيسي وسيطا غير محايدا بين طرفي النزاع وليس بمقدوره التوسط في أزمة عميقة التي تشهده ليبيا.
وكشف موقع “ويكليكس السعودية” النقاب عن إغراءات مالية قدمها ولى العهد محمد بن سلمان، للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لطرح مبادرة سياسية في سبيل إنقاذ المملكة من الصحراء الليبية بعدما غرقت أيضا في الوحل اليمني.
ونقلت “ويكليكس السعودية” عن مصدر دبلوماسي غربي، أن ولى العهد السعودي قدم صفقة مالية للنظام السيسي من أجل التدخل العاجل لإنقاذ حفتر من خسائره المتتالية، وبالتالي إنقاذ “الثورة المضاد” التي تتزعمها المملكة والإمارات.
ولم يكشف المصدر – الذي فضل عدم الكشف عن هويته – عن قيمة الصفقة، لكنه أكد أنها تبلغ ملايين الدولارات التي ستقدمها المملكة للنظام السيسي في إطار دعم مواجهة أزمة كورونا العالمية.
واستدل الدبلوماسي الغربي بحديثه حول توتر العلاقات السعودية والإماراتية مع السودان، وبالتالي لم يكن بمقدور دولتي التحالف سوى الاستعانة بالنظام السيسي.
وكشف نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، “محمد حمدان دقلو” الشهير بـ”حميدتي”، مؤخرا، أن السودان لم يتلق، حتى الآن، مبلغ 2.5 مليار دولار تعهدت بها المملكة والإمارات لدعم البلاد في المرحلة الانتقالية. مشيرا إلى وجود خلافات سياسية قائمة.
ونقل موقع “ليبيا أوبزافر” عن مصدر موثوق رفض الكشف عن هويته قوله إن الإمارات طالبت “حميدتي” بإرسال 1200 مقاتل بشكل عاجل إلى الخطوط الأمامية الليبية لدعم قوات “خليفة حفتر” في جنوب طرابلس وغرب سرت، مهددة بقطع الدعم المالي عنه، إذا رفض.
وبدعم من دول عربية -في مقدمتها الإمارات ومصر ودول أوروبية – شنت مليشيات حفتر في 4 أبريل/نيسان 2019 هجوما تمكن من حصار العاصمة طرابلس (غرب) وإن لم يتمكن من دخولها، لكن بشكل مفاجئ وعلى مدى الأسبوعين الأخيرين، خسرت قواته كل مواقعها في غرب البلاد.
وزاد الحديث خلال اليومين الماضيين عن احتمالية وجود تحرك مصري لمساندة قوات خليفة حفتر، التي منيت بخسائر فادحة، وخسرت العاصمة طرابلس لصالح حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.
وتداول أنصار النظام المصري مقاطع فيديو تظهر تحرك أرتال عسكرية في مناطق صحراوية، مع تعليقات بأنها متجهة نحو ليبيا.
ونشر موالون لنظام السيسي، أبرزهم رجل الأعمال أشرف السعد، فيديوهات وصورا لتحرك أرتال من الجيش، قبل أن يتبين أنها مشاهد قديمة، يعود بعضها إلى مطلع كانون ثاني/ يناير الماضي.
وقال مراقبون إن هزائم حفتر الأخيرة وانسحابه المتوالي من الغرب الليبي جعل الرهان عليه خاسرا، ولا سيما أن الدول الداعمة له لا تعلن صراحة عن دعمها العسكري خشية اللوم الدولي، كما أن السيسي تحديدا لن يغامر بالدفع بالجيش المصري نحو ليبيا حيث سيواجه حتما رفض جنرالاته لهذه المغامرة.
وأشاروا إلى أن هناك ملفات أخطر تهدد صميم الأمن القومي لمصر ومنها سد النهضة وأعمال العنف المسلح في سيناء.
ويلاحق نظام آل سعود اتهامات متواترة بالضلوع مع حلفائه بتعمد تعطيل إمدادات النفط في ليبيا عبر تعليمات أصدرتها إلى خليفة حفتر.
وكشفت مصادر ليبية، مؤخرا، أن حفتر تلقى عرضاً مالياً من أبوظبي والرياض مقابل الاستمرار في وقف انتاج النفط المستمر.
وأعلن بيان يحمل توقيع “ملتقى القبائل والمدن الليبية”، العزم على “إيقاف تصدير النفط من جميع الموانئ الليبية بدءاً بميناء الزويتينة النفطي”، وطالب البيان الذي لم يرد فيه اسم قبيلة أو مدينة بعينها، جهات الاختصاص والمجتمع الدولي بـ”فتح حساب لإيداع إيرادات النفط حتى تشكل حكومة تمثل كل الشعب الليبي”.
غير أن رئيس حزب “العدالة والبناء”، محمد صوان، رجّح في تصريح لقناة ليبية، بأن وقف إنتاج النفط قد تكون وراءه دول داعمة للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، فيما كشف مصدر برلماني عن وقوف دولة الإمارات وراء قرار غلق الموانئ والحقول الليبية.
وقال صوان إنّ “العمل الغوغائي لوقف إنتاج وتصدير النفط، أشم وراءه رائحة الدول الداعمة لحفتر بعدما أحدثت الاتفاقية مع تركيا توازناً وأصبح الحسم العسكري بعيد المنال”.
واعتمدت بلدان مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا على ليبيا خلال عام 2010 بنسب 22 في المئة و16 في المئة و13 في المئة على التوالي من إجمالي استهلاك النفط. وهي واردات لن تستبدل بسهولة على المدى القصير بالنظر إلى أن أوروبا تستورد أكثر من 85 في المئة من صادرات النفط الليبية.
وسبق أن ضاعف نظام آل سعود دعمهم العسكري والمالي لحفتر في محاولته الانقلاب على حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في ليبيا.
وقال موقع ميدل إيست آي الإخباري البريطاني إن نظام آل سعود يكثف جهوده من أجل أن يكون له نفوذا في أي تسوية سياسية للصراع في ليبيا.
وأورد الموقع في مقال للصحفي صامويل رماني أن المملكة والإمارات قلقتان من تزايد نشاط تركيا في ليبيا لصالح حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، فيما يبدو انخراط المملكة المتعاظم في ليبيا واضحا في المجالين الدبلوماسي والعسكري.
وكانت صحيفة لوموند الفرنسية كشفت في 24 يناير/كانون الثاني 2020 عن أن نظام آل سعود قدم مساعدة مالية لمجموعة “فاغنر” (منظمة روسية شبه عسكرية تنشر مرتزقة في ليبيا دعما لقوات حفتر).
وقال صامويل رماني إن نشاط المملكة المتزايد في ليبيا يشير إلى تحول ملحوظ عن دعمها الحذر السابق لحفتر، وتخلٍ عن موقفها تجاه العملية الدبلوماسية.
ولفت الكاتب إلى أن الإمارات ظلت تزود حفتر بالعتاد العسكري منذ بدء حملته للسيطرة على العاصمة طرابلس، وتشارك بانتظام في المفاوضات الدبلوماسية الرامية إلى إنهاء الصراع الذي طال أمده في ليبيا.
ورغم أن المملكة اضطلعت بدور أقل وضوحا في ليبيا عن ذلك الذي ظلت تلعبه الإمارات، فإنها تكفلت –حسب تقارير- بتقديم مساعدات مالية بعشرات ملايين الدولارات قُبيل شن حفتر هجومه على طرابلس.
ويرى رماني في مقاله أن نشاط نظام آل سعود المتعاظم في ليبيا يمكن تبريره برغبتها في مواجهة تدخل تركيا العسكري لصالح حكومة الوفاق الوطني، وفي سعيه للاضطلاع بدور دبلوماسي طويل الأجل في الأزمة الليبية.
وينظر نظام آل سعود إلى مساعدات أنقرة العسكرية إلى طرابلس -التي تزامنت مع عمليات التنقيب المشتركة عن الغاز التي تقوم بها تركيا في شرقي البحر الأبيض المتوسط- على أنها تهديد للاستقرار الإقليمي.
وكنوع من إظهار تضامنها مع مصر –أحد أكبر حليفاتها في العالم العربي- وتأكيد معارضتها للسلوك التركي، وطدت المملكة تحالفها مع حفتر.