دائرة محمد بن سلمان المقربة في مرمى الملاحقة القضائية الدولية
باتت دائرة ولي العهد محمد بن سلمان المقربة في مرمى الملاحقة القضائية الدولية بعد أن أمهلت محكمة أميركية كل من بدر العساكر وسعود القحطاني حتى بداية الشهر المقبل لتسليم ما بحوزتهما من ادلة في قضية محاولة اغتيال مسئول سعودي سابق في المنفى.
ويقول خبراء قانونيون ومناصرون إن الأمر هو من بين سلسلة من الأحكام الأخيرة التي تشير إلى أن المحاكم الأمريكية أصبحت أكثر انفتاحًا على الدعاوى القضائية التي تسعى إلى محاسبة القوى الأجنبية على انتهاكات حقوق الإنسان وذلك بعد عقدين من الزمان كان القضاة الأمريكيون خلالهما يميلون إلى رفض هذه القضايا.
وتتهم الدعوى القضائية الطويلة الأمد التي رفعها مسؤول الاستخبارات السعودي السابق سعد الجبري السلطات بمحاولة اغتياله في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وتقول المملكة إن هذا الادعاء لا أساس له من الصحة.
وتاريخ المحاولة يصادف نفس التاريخ الذي تزعم فيه الولايات المتحدة والأمم المتحدة وآخرون أن مساعدي محمد بن سلمان ومسؤولين سعوديين آخرين قتلوا الصحفي المقيم في الولايات المتحدة جمال خاشقجي، الذي كانت أعمدته في صحيفة واشنطن بوست تنتقد ولي العهد.
وتزعم دعوى الجبري أن المؤامرة ضده شملت على الأقل انخراط أحد المسؤولين بنفسه، وهو مستشار الديوان الملكي السابق سعود القحطاني، الذي فرضت عليه إدارة بايدن عقوبات بسبب مزاعم تورطه في مقتل خاشقجي.
ويعتبر هذا الحكم واحد من ستة أحكام أخرى مؤخرا أعطت الأمل لجماعات حقوق الإنسان والمعارضين بأن المحاكم الأميركية قد تكون أكثر انفتاحا مرة أخرى على الدعاوى القضائية التي تتهم الحكومات الأجنبية والمسؤولين بالانتهاكات – حتى عندما تقع معظم المخالفات المزعومة في الخارج.
وقالت يانا جوروخوفسكايا، مديرة الأبحاث في فريدوم هاوس، وهي منظمة حقوقية مقرها الولايات المتحدة تدافع عن الأشخاص الذين يواجهون الاضطهاد عبر الحدود من قبل الحكومات القمعية: “يبدو أن المحاكم الأميركية تمثل فرصة لمحاسبة الحكومات بشكل مباشر أكثر فأكثر”.
وأشارت جوروخوفسكايا إلى أن “المعركة شاقة”، وخاصة في الحالات التي لم يحدث فيها سوى القليل من المضايقات المزعومة على الأراضي الأميركية “لكن الأمر أكثر مما رأيناه، بالتأكيد، حتى قبل بضع سنوات”.
وقال خالد الجبري، وهو طبيب يعيش مثل والده في المنفى في الغرب خوفًا من انتقام الحكومة السعودية، إن الحكم الأخير الذي يسمح بمضي دعوى والده قدمًا سيفعل أكثر من مساعدة الضحايا الأخيرين.
وأضاف الجبري الابن: “نأمل أن يجعل هذا في الأمد البعيد … الأنظمة القمعية تفكر مرتين بشأن القمع العابر للحدود الوطنية على الأراضي الأمريكية”.
ووصفت طلبات المحكمة السابقة التي قدمها محامو ولي العهد الجابري بأنه كاذب مطلوب في السعودية لمواجهة مزاعم الفساد وقالت إنه لا يوجد دليل على وجود مؤامرة سعودية لقتله.
وقالت الحكومة السعودية إن مقتل خاشقجي على يد عملاء سعوديين داخل القنصلية السعودية في إسطنبول كان “عملية مارقة” نفذت دون علم ولي العهد.
وقد وقعت جريمة قتل خاشقجي والأحداث التي زعمها الجبري في إطار حملة قمع في السنوات الأولى بعد تولي الملك سلمان وابنه الأمير محمد السلطة في السعودية، بعد وفاة الملك عبد الله عام 2015.
واحتجزت السلطات المنتقدين والمدافعين عن حقوق الإنسان، والشخصيات البارزة السابقة في عهد الملك القديم، والأمراء الآخرين بسبب ما وصفته الحكومة غالبًا بتحقيقات في الفساد.
وهرب الجبري إلى كندا وتزعم الدعوى القضائية أن ولي العهد أرسل فريق اغتيال معروف باسم “فرقة النمر” لقتله هناك كما حدث مع خاشقجي، لكنها تزعم أن المؤامرة أحبطت عندما استجوب المسؤولون الكنديون الرجال وفحصوا أمتعتهم.
ولم تقل كندا الكثير عن القضية، على الرغم من أن محققًا من شرطة الخيالة الملكية الكندية شهد بأن المسؤولين وجدوا الادعاءات ذات مصداقية وقال إنها لا تزال قيد التحقيق.
واحتجزت السعودية الابن الأصغر وابنة الجبري فيما تزعم الأسرة أنه محاولة للضغط على الأب للعودة إلى المملكة.
وفشلت الجهود الرامية إلى مقاضاة المسؤولين السعوديين والمملكة بشأن قضيتي خاشقجي والجبري حتى الآن، وقالت المحاكم الأميركية إن الأمير محمد نفسه يتمتع بحصانة سيادية بموجب القانون الدولي.
وقد لا يكون للأحكام الصادرة في القضايا المدنية ضد الحكومات والمسؤولين الأجانب تأثير يذكر يتجاوز الضرر الذي يلحق بسمعة الضحية، وفي بعض الأحيان تحكم المحاكم لصالح الضحية المزعومة بشكل افتراضي عندما يفشل النظام أو المسؤول في الاستجابة.
وأشارت المحاكم الأمريكية إلى أن المؤامرة المزعومة ضد الجبري استهدفته في منزله في كندا، وليس في الولايات المتحدة، على الرغم من أن الجبري يزعم أن مساعدي ولي العهد استخدموا شبكة من المخبرين السعوديين في الولايات المتحدة لمعرفة مكان وجوده.
وألغت محكمة استئناف فيدرالية في واشنطن في أواخر هذا الصيف، قرارا من قبل محكمة أدنى برفض ادعاءات الجبري.
وقالت محكمة الاستئناف إنه يحق له قانونًا جمع أي دليل لمعرفة ما إذا كان هناك ما يكفي لتبرير محاكمة القضية في الولايات المتحدة.
وأمرت المحاكم الفيدرالية القحطاني والعساكر الشهر الماضي بتسليم جميع النصوص والرسائل ذات الصلة على التطبيقات وغيرها من الاتصالات في القضية بحلول الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني.
وقالت إنغريد برونك، أستاذة القانون الدولي في جامعة فاندربيلت وخبيرة في التقاضي الدولي، إن هذا “تطور مثير”.
وكانت المحاكم في الولايات المتحدة وغيرها من الديمقراطيات أماكن مفضلة لرفع قضايا حقوق الإنسان ضد الحكومات القمعية، لكن الأحكام التي أصدرتها المحكمة العليا الأمريكية منذ عام 2004 خنقت مثل هذه الدعاوى القضائية في القضايا التي تنطوي على أطراف أجنبية، والتي غالبًا ما تكون لها صلة ضئيلة بالولايات المتحدة، كما قالت برونك.
وقالت إن الدعاوى القضائية القوية بشكل خاص ضد المسؤولين والحكومات الأجنبية اكتسبت موطئ قدم في المحاكم الأمريكية مرة أخرى مؤخرًا.
وذكرت برونك عن قضية الجبري التي طال أمدها: “كانت هناك بعض جهود المحامين الجيدة جدًا التي وضعت في هذه القضية”.
كما تم دفع دعاوى قضائية أخرى إلى الأمام فقد سمحت محكمة استئناف أمريكية في سان فرانسيسكو الشهر الماضي بإعادة إحياء قضية رفعها معارضون صينيون يتهمون الحكومة الصينية بالتجسس عليهم.
واستهدف المعارضون شركة سيسكو سيستمز، وهي شركة تكنولوجيا في وادي السليكون اتهموها بتطوير نظام الأمن الذي سمح بالتجسس بدلاً من مقاضاة الصين.
وأصدرت هيئة محلفين اتحادية في فلوريدا هذا الصيف حكماً قضائياً يدين شركة تشيكيتا براندز بمسؤوليتها عن قتل المدنيين الكولومبيين على يد مجموعة شبه عسكرية يمينية اعترفت شركة الموز بدفعها.
ووصف المحامون هذه القضية بأنها الأولى من نوعها ضد شركة أمريكية كبرى. كما سمحت المحاكم الأمريكية مؤخراً برفع دعاوى قضائية تتعلق بحقوق الإنسان ضد تركيا والهند.
وقال برونك إن بعض الارتفاع في عدد قضايا حقوق الإنسان ــ تلك التي توجه إلى مسؤولين وحكومات أجنبية أو تستهدف شركات أمريكية ــ في المحاكم الأمريكية ينبع مرة أخرى من “ملاحقة المدعين لأساليب قانونية واعدة ومبدعة حقاً”.
فيما قال خالد الجبري إن أسرته لا تسعى للحصول على أموال في دعواها القضائية، بل تريد العدالة لوالده، والحرية لأخته وشقيقه المعتقلين بأوامر من محمد بن سلمان.