زخم دولي للتوسط في ملف إنهاء حرب غزة وسط غياب سعودي بارز
يتصاعد الزخم الإقليمي والدولي للتوسط في ملف إنهاء حرب إسرائيل على قطاع غزة بما في ذلك الوساطة لإعلان اتفاق هدنة إنسانية وسط غياب سعودي بارز.
ويغيب الدور السعودي في ملف حرب غزة وتخفت الأضواء التي حاول ولي العهد محمد بن سلمان، اختطافها بعقد قمم لم تقدم سوى بيانات الشجب والتنديد.
وفي المقابل، يتعالى حديث الإعلام العالمي والمحلي وتسلط الأضواء على الدور القطري في إنجاز الهدنة وإتمام صفقة تبادل الأسرى، ليمارس الذباب الإلكتروني والأبواق الإعلامية والكتاب والمغردين المحسوبين على السلطات السعودية دورهم التضليلي المعهود بمهاجمة الاتفاق، والزعم بوجود دور محوري لولي العهد في تمرير الاتفاقية.
الهدنة الإنسانية بدأت صباح 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وتقرر استمرارها 4 أيام، وبدأت يومها الأول بتنفيذ المرحلة الأولى للهدنة، بوقف إطلاق النار في جميع أنحاء قطاع غزة الذي استمر 49 يوما وخلف قرابة الـ15 ألف شهيد، وتم تسليم الدفعة الأولى من الأسرى الإسرائيليين وضمت 13 أسيراً، وفي المقابل أطلق الاحتلال سراح 39 أسيراً فلسطينياً.
وبالتزامن مع إعلان التوصل لاتفاق الهدنة وتمرير بنودها، انشغلت السلطات السعودية بفعاليات موسم الرياض 2023، وأعلن رئيس هيئة الترفيه تركي آل الشيخ عن تنظيم مهرجان الكلاب العالمي في الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 حتى مطلع ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته، واكتفت بإصدار بيان ترحيب بالهدنة وإشادة بجهود قطر ومصر وأميركا.
وأجمع أعضاء حزب التجمع الوطني خلال حديثهم مع “صوت الناس” المعارضة، أن السعودية لا يمكنها أن تمارس دور الوساطة لإنهاء الحرب على غزة أو حتى الوصول إلى تهدئة مؤقتة لأنها لا تملك المقومات لذلك، مرجعين ذلك لانحيازها للاحتلال وسعيها للتطبيع، وانشغالها بالفعاليات الترفيهية وسعيها للقضاء على كل صوت حر.
وقالت المتحدثة باسم الحزب الدكتورة مضاوي الرشيد، إن بن سلمان لا يستطيع لعب دور ريادي في تهدئة الحرب على غزة، لأنه بلا مؤهلات، كما أنه مستفيد من الحرب العشوائية على القطاع خاصة وأنه يتهم المقاومة الفلسطينية بالعمالة لإيران، وأنها خربت الاتفاقيات التي كان يخطط لها ومنها اتفاقية السلام مع “إسرائيل”.
وأضافت: “لذلك لا يمكن لابن سلمان لعب دور قيادي أو التوسط بين إسرائيل وحماس، والأضواء اختطفت منه وهو الآن على هامش المنطقة والقضايا الإقليمية، وكل ما هنالك أنه بدأ يروج لنفسه وكأنه هو من سيغيث أهل غزة، وحتى إذا نظرنا إلى ما بعد انتهاء الحرب الجائرة على غزة فإن أكثر ما سيفعله هو التطبيع مع إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني”.
وأكدت الرشيد، أن السلطات السعودية تريد تدمير المقاومة الفلسطينية، وغيابها عن اتفاق التهدئة هو من باب التخلص من الإسلاميين وبسط نفوذ السلطة الفلسطينية على غزة، وهو الدور الذي تقوم به إسرائيل”.
وأشار الأمين العام لحزب التجمع عبدالله العودة، إلى أن الذباب الإلكتروني و”الوطنجية” حاولوا قطف نتاج الوساطة القطرية وفضحوا ارتباطهم بالكيان المحتل وتشبثهم بفكرة التطبيع والترويج لسرديات الصهاينة وما بعد حماس، مشيرا إلى أن هذه كانت الخطة “أ” لتمرير التطبيع، لكن أحداث 7 أكتوبر خلطت الأوراق.
وأوضح أن المرتبطين بالكيان المحتل بدأوا بالخطة البديلة وهي الترويج لفكرة ما بعد حماس والضغط نحو هذا الاتجاه، لكن هذه الخطة أيضا فشلت، فاتجهوا للزعم أن السعودية كانت داعمة لفلسطين منذ البداية، مستنكرا محاولتهم قطف الثمرة بالزعم أن بن سلمان وخطابه الذي حاول من خلاله التشبه بالملك فيصل هو سبب هذه الهدنة وهو ما دفع بهذا الاتجاه.
وأكد العودة، أن الحكومة السعودية رفضت أن تعمل حتى الحد الأدنى من الذي فعله الملك فيصل بن عبدالعزيز، قائلا إن ما حدث مجرد خطاب ألقاه بن سلمان من ذات المكان الذي ألقى الملك فيصل فيه خطابه إيصال رسالته، وغالبا أن ذلك حدث بعدما وصلته معلومات بالتوصل إلى اتفاق هدنة فألقى خطابه ليربط أن الهدنة تمت عقب خطابه”.
وأضاف: “بن سلمان ليس له وزن في المسرح الدولي ولا أحدا يلقي له بالا ولا أحد يهتم به فعليا”، مستنكرا تعاطي الحكومة السعودية مع الهدنة بتبني السرديات الإسرائيلية والترويج لها من خلال “الوطنجية” وأشهرها التقليل من اتفاق الهدنة بالحديث عن أن الغزاويين لم يجلبوا من وراء هذه المعركة غير الدمار لغزة وأوقعوا ضحايا.
ولفت الأمين العام لحزب التجمع، إلى أن “الوطنجية” روجوا لسرديات مختلفة في ذات الإطار، وهي تتناقض مع السردية الأولى “ففي نفس الوقت الذي يزعمون فيه أن حماس جلبت الدمار لغزة وأوقعت ضحايا يدعون أن بن سلمان هو الذي أنقذ الموقف وأوصل الوضع إلى اتفاق هدنة”.
وقال عضو الحزب ناصر العربي، إن السعودية، صحيح أنها دولة كبيرة، لكنها خارج المعادلة الحقيقة في تغيير كفة الموازين في المنطقة، لأن استثمارات بن سلمان لا تلتقي مع تطلعات الشعوب، ولا مع تطلعات الداخل المحلي، ولهذا يبحث عن حليف إسرائيلي يمكنه من بناء علاقات قوية مع أميركا، مضيفا أن “بن سلمان يجني الآن نتائج سياسته الفاشلة والمراهقة”.
وأضاف أن بن سلمان يطوف في فلكه الخاص، معزول عن الواقع وعن تطلعات الشعب السعودي، مشيرا إلى أن الحكومة السعودية بقيادة بن سلمان كانت خلال السنوات الماضية منذ قدوم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للسلطة وصهره ومستشاره جاريد كوشنر، منشغلة في زيارات مستمرة بين الرياض وتل أبيب لأجل مشروع التطبيع.
وتابع العربي: “لأن التطبيع مع المحتل يواجه برأي محلي رافض، فقد سن بن سلمان عدد من الخطوات طوال السنوات الماضية تمهيداً للتطبيع، وجاء يوم ٧ أكتوبر صاعقاً له وللصهاينة، لأن التطبيع كان قاب قوسين أو أدنى، ولهذا كانت الحكومة السعودية غاضبة ومصدومة من التطورات التي حدثت في فلسطين”.
وأشار إلى أن الكثير من المقربين من بلاط بن سلمان كانوا ينددون بخطوة حماس، قائلا: “صحيح أن الخارجية السعودية تعمل مع عدد من وزراء الخارجية كقطر ومصر لمحاولة الوصول لوقف العدوان، لكن كانت المحاولات هزيلة ولا ترقى أن تكون مبادرات جادة”.
وأكد أن الحكومة السعودية كان لها وجهين في التعامل مع القضية الفلسطينية والحرب على غزة، الأول غير معلن لكن يمكن استشفافه من خلال الإعلام المحسوب على السلطة ويهدف إلى تصفية القضية وبناء علاقات مع المحتل الإسرائيلي، على افتراض أن هذه العلاقات سوف تجلب العديد من المشاريع الاستراتيجية والاقتصادية”.
وأوضح عضو الحزب، أن الوجه الآخر للسلطة السعودية هو المعلن رسميا وهو “متذبذب” لكنها تساير به المزاج العام المحلي والعربي في المطالبة بإدانة الاحتلال الإسرائيلي دون أي فعل يمكن أن يعكر صفو الاقتراب من التطبيع الرسمي، مؤكدا أن بن سلمان مهووس بصورته وأيضا علاقاته مع المحتل.
واستدل العربي، على ذلك بحديث بن سلمان خلال قمة دول بريكس الافتراضية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بكلمة عادية، لكن الإعلام المحلي روج لأن الكلمة من مكتب الملك فيصل، واستخدموا ذلك كإشارة لعداوة فيصل للمحتل الإسرائيلي، واصفا ذلك بأنه “مسرحية هزيلة وسخيفة” تدل على غباء بن سلمان في فهم الواقع ومجريات الحرب.
وفي السياق أكد عضو الحزب الدكتور أبو الجوائز المطاميري، أن السلطات السعودية لم تغيب عن التهدئة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، بل كانت في صف الاحتلال منذ أن تولى بن سلمان ولاية العهد في يونيو/حزيران 2017، ضاربا أمثلة عدة على اصطفاف السلطة مع الكيان.
وذكر على رأس هذه الأمثلة استخدام بن سلمان أهل غزة في عام ٢٠١٨ “كبش فداء”، بمحاولة إقناع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بشن حرب على حركة حماس في غزة لصرف الانتباه عن قضية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بحسب ما أكده موقع “ميدل إيست آي” نقلا عن مصادر داخل السعودية.
وتطرق المطاميري، إلى تأكيد بن سلمان في مقابلة أجراها معه رئيس تحرير مجلة “ذي أتلانتيك” الأميركية، عام ٢٠١٨، عدم وجود “اعتراض ديني” على وجود “دولة إسرائيل”، وإعلانه استعداده تقاسم الكثير من المصالح مع “إسرائيل”، بقوله “إذا كان هناك سلام فستكون هناك الكثير من المصالح بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي ودول أخرى”.
وأشار إلى نشر مجلة فورين بوليسي تقريرا بعنوان “محمد بن سلمان رمى الفلسطينيين تحت الحافلة” قالت فيه إن الدول العربية والولايات المتحدة تخلت عن القضية الفلسطينية وتعتقد أنها تستطيع إخضاع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لافتا إلى سماح السعودية في ٢٠١٨ للطيران الهندي عبور أجواء المملكة في اتجاهه إلى إسرائيل”.
ولفت المطاميري، إلى قول بن سلمان في ٢٠١٨ إن الفلسطينيين لم يعودوا محل اهتمام أو تركيز في الأجندة الإقليمية وليس في أولويات الحكومة السعودية ولا الرأي العام، مذكرا بالكشف عن نوايا دفينة لدى السعودية في العام ذاته لنزع الوصاية الهاشمية عن المسجد الأقصى لتحقيق مكاسب سياسية في استراتيجيتها بتوثيق العلاقات مع “إسرائيل”.
وذكر بظهور وسوم عدة في عام ٢٠٢٠ مناهضة لفلسطين، أبرزها وسم #فلسطين_ليست_قضيتي -وشارك فيها شخصيات سعودية بارزة محسوبة على السلطة السعودية-، مشيرا إلى طمأنة السلطات السعودية بعد هجوم الاحتلال الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر /تشرين الأول ٢٠٢٣، البيت الأبيض أنه ماض في التطبيع.
ورصد المطاميري من بين أمثلة اصطفاف السعودية بصف الاحتلال، تخوين الإعلام السعودي المرئي والمكتوب والمسموع لحماس وغزة ووصمهم بالإرهاب، ولا يزال يفعل ذلك، والسماح لطائرات الاحتلال التي تحمل الجنود والأسلحة بالمرور عبر أجواء السعودية، مختتما بالقول إن “تلك عشرة كاملة تبيّن أن النظام لم يغب، بل كان في صف الاحتلال”.
واتفق معه في الرأي عضو الحزب عبدالله عمر، حيث أكد أن هناك تقزيم واضح للدور السعودي في المنطقة، وارتباك في السياسة الخارجية واضطراب في المواقف من الصعب فهمه، منذ وصول النظام الحالي للسلطة، قائلا: “ذلك لأن الأمر للأسف بيد رجل واحد هو المتحكم في كل شيء ولا وجود لأي مؤسسات تصنع السياسات وفق المصالح العليا للبلاد”.
وأضاف أن القرار لرأس النظام ووفق أهوائه ومصالحه بالدرجة الأولى، وهذا بالطبع لا يتوافق مع شعار “السعودية العظمى” الذي رفعه بن سلمان كشعار لعهده ويردده أنصاره، فالدور السعودي في ملفات المنطقة وعلى رأسها الحرب على غزة يكاد يكون غائب تماما.
وأعرب عمر، عن أسفه على امتناع السلطة عن استخدام أي أداة من أدوات وآليات التأثير التي تملكها السعودية للضغط عالميا لحل هذه الحرب، بل وشبه انحياز للاحتلال، ووصف هذا المشهد بالمخجل، متسائلا: “كيف لسلطة تدعي السيادة وتقوية دور بلادها أن تتراجع إلى هذا الحد الذي جعل قطر تلعب دوراً هاماً جعلها الأكثر تأثيراً في اتفاق الهدنة الأخير”.
وأكد أن هذا محرج للسعودية، وللمدافعين عن سياسات السلطة الحالية، خاصة أنها كانت تستطيع لعب دور أكبر بكثير لوقف الحرب والخروج بخطوات عملية لسلام عادل وحقيقي باستخدام مواردها وعلاقاتها ومركزيتها بالنسبة للمنطقة، مرجعا امتناع السعودية عن أي محاولة للتأثير الإيجابي إلى السعي المستمر لبقاء مشروع التطبيع على الطاولة ولو مستقبلا.
واستنكر عضو الحزب، تمسكها بهذا المسعى مما أدى بها إلى هذا التراجع الحاد وغير المسبوق، حتى بالنظر للعهود السابقة، ساخرا مما نشرته حسابات مقربة من السلطة بعد إعلان قطر عن الاتفاق، بالزعم إنه نتيجة للجهود السعودية وخطاب بن سلمان، وعده مشهد سخيف يعبر عن العقلية الطفولية التي تحكم السعودية.
واستنكرت عضو الحزب ترف عبدالكريم، عدم وجود دور للمملكة في الوساطة لدى الاحتلال للوصول لهدنة رغم وجود مساع للتطبيع، وأرجعت قيام قطر بدور الوساطة بين الاحتلال وحماس رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية مع الكيان ولا نية للتطبيع إلى إقامة بعض قادة حماس في قطر، مذكرة بممارستها مع تركيا وأميركا الدور ذاته إبان الحرب على غزة في 2014.
ورجحت غياب الدور السعودي عن الهدنة بين الاحتلال والفصائل الفلسطينية إلى انشغال السلطات السعودية بالإدانات والفعاليات الترفيهية وغيرها وعدم اتخاذ مواقف جادة في إيقاف الحرب في غزة، رغم أنها قادرة على فعل الكثير.
ورأت أن حتى تصنيف حماس كإرهابية، ليس مبرراً للتراجع والامتناع عن لعب دور جاد في تهدئة الحرب المستعرة على غزة منذ 7 أكتوبر، مؤكدة أن السلطات السعودية تخلت عن دورها الريادي في المنطقة منذ أن باتت تهرول نحو التطبيع، واقتربت منه على لسان بن سلمان، إلى جانب الإصغاء للصوت والرأي الواحد.