إسقاط طائرات آل سعود يدشن مرحلة جديدة في اليمن
دشّنت جماعة أنصار الله “الحوثيون” في اليمن مرحلة جديدة لمواجهة الأهداف الجوية، بإسقاط طائرة مقاتلة تابعة لسلاح الجو لنظام آل سعود من نوع تورنادو، متعدّدة المهمات، في مديرية المصلوب في محافظة الجوف (90 كلم، شمال شرقي العاصمة صنعاء).
وجاءت العملية ضمن معركةٍ برّية مفتوحة، يخوضها الحوثيون أمام الجيش الوطني اليمني في مديريات محافظة الجوف، للسيطرة على مركزها الإداري، وتطوير الهجوم للالتفاف على محافظة مأرب المجاورة، بعد الإخفاق في الاقتراب منها عبر جبهتي نهم وصرواح، مطلع فبراير/ شباط الحالي.
وأثار إسقاط هذه الطائرة استفهامات كثيرة، بشأن مدى تطور قدرات الحوثيين في وسائل الدفاع الجوي، إلى الحد الذي مكّنهم من إسقاط هذه الطائرة بسهولة، على الرغم من عملية الاستنزاف التي يعانون منها، تقنياً ومادياً وبشرياً، طوال خمسة أعوام من الحرب، وهل هنالك أطراف خارجية أو داخلية، تقف خلف هذا التطور؛ وإن كان، في العادة، أن يشار إلى إيران التي لم تعترف، رسمياً، بدعمها العسكري للحوثيين، عدا بعض قادة حرسها الثوري الذين يحصرون هذا الدعم في مجالات التدريب والاستشارات العسكرية.
وليس هنالك من إحصاءات دقيقة لما يشير إلى كثرة عدد طائرات التحالف التي أسقطت، فهي لا تتجاوز أصابع اليدين، ما لا يدل على تطوّر قدرات الحوثيين في مجال الدفاع الصاروخي (أرض/ جو)، أو أنها تضاهي قدراتهم في مجال الصواريخ الباليستية (أرض/ أرض)، أو الطائرات المسيَّرة التي استهدفت بها مدن المملكة والمعامل النفطية، والمنشآت الاستراتيجية الأخرى، مُحدِثةً ارتباكاً كبيراً لدى معسكر التحالف، وإنْ كان الحوثيون خلال ذلك قد طوّروا صواريخ “سام” المخصصة للأهداف الجوية، إلى صواريخ أرض/ أرض.
لم يشر تقرير فريق الخبراء المعني باليمن لعام 2019، والذي قُدم إلى مجلس الأمن في فبراير/ شباط الحالي، إلى أيّ نوع من الدفاعات الجوية الصاروخية (أرض/ جو) التي في حوزة الحوثيين؛ لأن عام 2019 لم يكن من القوة كسابقه، بقدر ما كان عام طائرات مسيّرة، كالتي استهدف بها حقل الشيبة، ومعملا بقيق وخريص شرقي السعودية، وأهداف أخرى في مأرب، ولحج، وعدن، والضالع، والساحل الغربي، خلال العام الماضي 2019.
وقد أشار التقرير إلى واحدة من الفرضيات التي يمكن أن تُطرح لمعرفة مصادر (ودروب) تهريب صواريخ أرض/ جو التي بدأ الحوثيون في استخدامها؛ ويضع هذا المقال ثلاثا أخرى، بناء على دلائل داعمة لها.
في الفرضية الأولى، جاء في التقرير أن إيران هي مصدر الأسلحة التي تهرّب إلى الحوثيين، وتمُر عبر قنوات تهريب، تبدأ من بحر العرب إلى عُمان، مروراً بالمُهرة، إلى شبكة تهريب تنتشر في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية إلى صنعاء، وذلك بطريقةٍ أشار إليها تقرير سابق لفريق الخبراء، أنها تجري بـ”طريقة النملة”، وهي كناية عن النقل الجزئي والمرحلي للأسلحة المهرّبة، سواء كانت صواريخ، أو طائرات مسيرة، أو أسلحة خفيفة أو متوسطة، ولكن هذه الفرضية تدفع كثيراً، وعلى نحوٍ لافت، في اتجاه تعزيز الوجود العسكري السعودي في المُهرة الذي يواجه معارضة شعبية شديدة، وتحسّساً عُمانياً مما قد يشكله ذلك من تهديد تقليدي مستقبلي لأمنها الوطني.
وفي الفرضية الثانية، يشكّل الشريط الساحلي، من بداية حدود حضرموت مع المهرة، مروراً بعدن، حتى باب المندب، مناطق انتشار قوات النخبة الحضرمية، وقوات الحزام الأمني، اللتين تتبعان، بطريقةٍ أو بأخرى، المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، والذي من مصلحته ومصلحة داعمه، التغاضي، إن لم يكن التواطؤ، في عمليات تهريب الصواريخ ومختلف الأسلحة؛ بقصد مشاغلة السعودية عن المضي في تنفيذ اتفاق الرياض، بين المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
وتنسجم هذه الفرضية مع تحوّل التدخل الإماراتي في الحرب اليمنية من “استراتيجية الاقتراب المباشر” إلى “الاستراتيجية غير المباشرة” التي كشفت عنها الإمارات، بعد خروج معظم قواتها مطلع فبراير/ شباط الجاري.
الفرضية الثالثة، تتمركز في قطاع الساحل الغربي الممتد من الحواف الشرقية لباب المندب، حتى مدينة (ميناء) الحديدة، “القوات المشتركة” التي تتعرّض لاختراقات مستمرة من الحوثيين، ولا يشكل قوامها كياناً متماسكاً؛ ما يضعف جهود مكافحة تهريب الأسلحة إلى الحوثيين، فضلاً عن أن هذه المنطقة نقطة عبور تاريخية لموارد كل أشكال التهريب، القادمة والذاهبة إلى القرن الإفريقي، فضلاً عمّا تمليه إرادة المصالح والمعتقدات التي تجعل من هذه القوات متعارضةً أشدّ التعارض مع مختلف القوات في ساحة الصراع اليمني.
وتنطلق الفرضية الرابعة من سيطرة الحوثيين على القطاع الساحلي الممتد من مدينة (ميناء) الحديدة إلى مناطق قريبة من ميناء ميدي شمالاً. ويضم هذا القطاع موانئ وجزرا، توفر ظلاً آمناً لتهريب الأسلحة، بواسطة الموانئ أو بواسطة سفن وزوارق صغيرة تتخذ من نشاط الصيد غطاء لعمليات التهريب.
وفي كل الأحوال، تهريب الأسلحة من أنماط الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، ولديها من القوة الناعمة ما يمكّنها من اختراق أي القطاعات السابقة، وإيصال الصواريخ والأسلحة مجزأة أو مكتملة إلى أي طرف، وليس الحوثيين فقط، وتزداد إمكانية ذلك لكون منطقة القرن الأفريقي ساحة صراع مزمن، وسوقاً ومعبراً للأسلحة.