سقوط متواصل لأوهام محمد بن سلمان بشأن شركة أرامكو

بعد سنوات من الترويج المفرط والوعود المبالغ فيها، يجد ولي العهد محمد بن سلمان نفسه أمام حقيقة مُرّة: شركة أرامكو، التي صُوّرت يومًا ما باعتبارها تاج الاقتصاد السعودي، فقدت بريقها في نظر المستثمرين العالميين.
هبوط سهم الشركة إلى أدنى مستوى في خمس سنوات، واضطرارها إلى الاقتراض لتمويل توزيعات أرباحها، يعكسان انهيار السردية التي حاول ولي العهد تسويقها منذ طرح الشركة للاكتتاب في 2019.
وهم التريليوني دولار
منذ عام 2016، أصرّ محمد بن سلمان على أن أرامكو تساوي تريليوني دولار، مُتحديًا المشككين. وعندما طُرحت للاكتتاب في 2019، صوّر الإعلام السعودي الصفقة باعتبارها “صفقة القرن”، مع تهديد مبطن من بعض الأمراء بأن من لا يشارك “سيعض أصابعه ندمًا”.
لكن وول ستريت رفضت الانجرار وراء الدعاية، ورأت أن التقييم غير واقعي، وأن اعتماد أرامكو على أسعار النفط المرتفعة يجعلها استثمارًا عالي المخاطر.
اليوم، وبعد خمس سنوات ونصف، يظهر أن المشككين كانوا على صواب. رغم وصول القيمة السوقية للشركة إلى ذروة 2.42 تريليون دولار بعد غزو روسيا لأوكرانيا، تراجعت الآن إلى حوالي 1.5 تريليون دولار — أي أقل بكثير من الرقم الذي أصرّ عليه بن سلمان.
أداء أسوأ من المنافسين
البيانات التي جمعتها بلومبيرغ تكشف أن سهم أرامكو حقق عائدًا إجماليًا لا يتجاوز 16% منذ الاكتتاب — الأسوأ بين كبريات شركات الطاقة العالمية. للمقارنة:
إكسون موبيل وشيفرون وشل حققت عوائد تتجاوز 50%.
حتى روس نفط الروسية، رغم العقوبات الغربية، أدت بشكل أفضل.
هذا الأداء المخيب جعل أرامكو تبدو في نظر المستثمرين أقل جاذبية من منافسيها، رغم كونها “المنتج الأقل تكلفة” على الورق.
أزمة أرباح: اقتراض لتغطية التوزيعات
أكثر ما يثير القلق أن أرامكو لم تعد قادرة على تمويل أرباحها من التدفقات النقدية. في النصف الأول من 2025:
التدفق النقدي الحر: 34.4 مليار دولار.
توزيعات الأرباح: 42.7 مليار دولار.
لتغطية الفجوة، لجأت الشركة إلى إصدار سندات، ما يعني أنها تدفع أرباحًا بالاستدانة. المستفيد الأكبر من هذه التوزيعات هي الدولة السعودية التي تملك 97% من الأسهم، وهو ما يجعل المستثمرين الأجانب يشعرون بأن الشركة تُدار لخدمة الموازنة السعودية أكثر مما تُدار لخدمة حملة الأسهم.
غياب خطة واضحة
رغم المؤشرات السلبية، تواصل إدارة أرامكو الحديث بلغة انتصارية. المدير المالي زياد المرشد وصف الشركة بأنها “فرصة استثمارية جذابة للغاية”، في وقت يتراجع فيه السهم إلى أدنى مستوى منذ انهيار أسعار النفط في 2020. هذه الفجوة بين الواقع والخطاب الرسمي تعمّق أزمة الثقة مع المستثمرين.
كما أن سياسات الشركة تزيد المخاطر:
توسّع في الإنفاق بدل تقليص التكاليف كما فعلت “شل” و”شيفرون”.
زيادة أعداد الموظفين إلى نحو 75 ألفًا بعد أن كانوا 65 ألفًا قبل عقد.
التخلي عن خطط لرفع الطاقة الإنتاجية القصوى، ما يتركها أكثر اعتمادًا على تقلبات السوق.
انعكاسات على “رؤية 2030”
محمد بن سلمان كان يراهن على أرامكو باعتبارها الرافعة التمويلية لـ”رؤية 2030″. الخطة كانت تقوم على بيع حصص صغيرة من الشركة كل بضع سنوات لتمويل مشاريع تنويع الاقتصاد.
لكن مع فقدان ثقة وول ستريت وتراجع جاذبية السهم، أصبح من شبه المستحيل تكرار تجربة الطرح العام بنجاح.
بدلًا من ذلك، يبدو أن المملكة ستضطر للاعتماد على الاقتراض عبر أدوات الدين، وهو ما قد يرفع مستويات المديونية العامة على المدى المتوسط ويقوّض طموحات ولي العهد في تقديم نفسه كمهندس لنهضة اقتصادية مستقلة عن النفط.
سقوط الوهم
سهم أرامكو اليوم ليس مجرد مؤشر مالي، بل رمز سياسي لانهيار الرواية التي بناها محمد بن سلمان حول قدرته على إعادة صياغة الاقتصاد السعودي.
فبينما يواصل الإعلام المحلي تصوير الشركة كـ”عملاق لا يُقهر”، تكشف الأسواق العالمية أن الثقة مفقودة، وأن المستثمرين لم يعودوا يبتلعون الدعاية الرسمية.
يمكن القول إن أرامكو منحت المملكة قيمة أفضل عبر سنداتها لا عبر أسهمها — وهذه الحقيقة وحدها كافية لإظهار أن أوهام التريليوني دولار قد تبخّرت.




