خطر تقسيم اليمن.. كارثة تلوح بالأفق بفعل حرب آل سعود
تصاعد الحديث عن خطر تقسيم اليمن بفعل حرب التحالف بقيادة آل سعود وحلفائهم في الإمارات لا سيما بعد تقليص أبو ظبي قواتها من البلاد وانفضاح مؤامراتها لدفع تقسيمها.
وروجت أبوظبي أنها لم تعد قادرة على المضي قدما في هذه الحرب بعد أربع سنوات من الخسائر الضخمة ماديا وبشريا، وسياسيا، ومعنويا وبات الاستمرار في هذا المأزق يعطي نتائج عكسية، أبرزها نقل الخصم للمعركة إلى العمقين السعودي والإماراتي، وتفاقم المعارضة الداخلية والمجتمع الدولي لها في آن.
لكن في الوقت نفسه تصاعدات التحذيرات من خطر تقسيم اليمن بفعل ما تنشره الإمارات من ميلشيات مسلحة خصوصا في جنوب البلاد.
ولو حصل تقسيم اليمن فإن مصالح الإمارات ستبقى قائمة، لأنها تسيطر على الجنوب، والمتضرر الوحيد هي السعودية بسبب تهديد جماعة أنصار الله “الحوثي”.
انسحاب الإمارات من اليمن جعل المملكة في مأزق فلا هي تستطيع النصر بمفردها ولا تستطيع الانسحاب لأنها ستكون بمثابة هزيمة استراتيجية.
وقالت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية إن الإمارات فاقمت بقرارها سحب أجزاء من قواتها الموجودة في اليمن من متاعب حليفها نظام آل سعود بسبب حرصها أولا وأخيرا على رعاية مصالحها الخاصة.
ومن بين الأسباب التي دفعت أبوظبي للتخلي عن حليفتها الرياض في عز الأزمة باليمن، التباطؤ الاقتصادي الذي تعرفه الإمارات، الذي ربما يكون قد دفعها أخيراً إلى اتخاذ القرار بالانسحاب من مستنقع اليمن.
كما أن الإمارات تدرك جيداً أن المليشيات المتحالفة معها ستواصل السيطرة على الجزء الجنوبي من اليمن، وبأن المملكة، وبالرغم من مدى انزعاجها، لن تقدم على منع الإمارات من استخدام موانئ المنطقة، التي تعد محور استراتيجيتها الهادفة إلى التحكم بالقواعد البحرية من المحيط الهندي وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط.
ومهما بلغت درجة غضب صناع القرار السعوديين من الخطوة الإماراتية، إلا أنه من غير الوارد أن يقدموا على فرض حظر عليها من استخدام منشآت البنية التحتية اليمنية، بالنظر لحاجتهم لدعم أبوظبي في ما يخص التعامل مع إيران، وكذا الحصار المفتعل ضد دولة قطر.
كذلك أنه حتى في حال أدى الصراع إلى تقسيم اليمن، فإن المصالح الإماراتية ستتحقق في المجمل.
وفي حال نجحت جماعة أنصار الله (الحوثيين) في السيطرة على أجزاء من شمال اليمن، ما قد يوفر موطئ قدم لإيران، فإن التهديدات على الإمارات البعيدة جغرافيا، ستظل محدودة.
وتمكن جنوب اليمن من تنفيذ خطته بالاستقلال سيكون خاضعا للسياسيين والمليشيات المسلحة الموالين لأبوظبي، الذين سيعتمدون على الدعم الإماراتي، ولن يقدموا أبداً على منعها من الولوج للمنشآت والأراضي هناك.
من جانب آخر، فإن الإمارات ما زالت متخوفة كثيرا من التهديد الإيراني بمياه الخليج، وتتعرض لضغوط شديدة لحماية جبهتها الداخلية.
وأن أبوظبي كانت ترى في السابق أن بوسعها الاعتماد على الولايات المتحدة الأميركية لمساعدتها على احتواء التهديد الإيراني، لكن مع تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن توجيه ضربة عسكرية لإيران بعد إسقاطها طائرة تجسس مسيرة أميركية، تفضل الإمارات عدم نشر قواتها بعيداً عن حدودها.
أما السبب الآخر وراء سياسة أبوظبي الجديدة باليمن, فيتمثل في رغبة المسؤولين الإماراتيين في تقليص حدة الانتقادات الموجهة لهم وللمملكة بسبب الانتهاكات الجسيمة التي سببتها الحرب باليمن، لا سيما داخل أروقة الكونغرس الأميركي.
وذكر في هذا الصدد أن الكونغرس بغرفتيه مرر مشاريع قوانين تحظر تزويد البلدين بالأسلحة الأميركية، وهو القرار الذي التف عليه ترامب من خلال استخدام حق النقض “الفيتو”.
ومن هذه الأسباب تبدو معقولة لانسحاب أبوظبي من اليمن، لكن القرار يجعل الرياض في وضع محرج للغاية، فلا هي قادرة على مواصلة حرب بلا نهاية في اليمن بدون الاعتماد على حلفائها كالإمارات، ولا هي تستطيع جمع جنودها والانسحاب، لأن ذلك بمثابة هزيمة استراتيجية لها ستعزز قوة الحوثيين الموالين لإيران على حدودها الجنوبية.
ورغم انسحابها الجزئي لم تظهر الإمارات أي تراجع على صعيد استراتيجيتها بتقسيم اليمن، وعلى العكس من ذلك، فقد دعمت أخيراً، إنشاء قوات جديدة تابعة لذراعها السياسية الانفصالية في الجنوب اليمني، على نحوٍ يظهر التناقض بين التصريحات التي يدلي بها المسؤولون الإماراتيون عن خطة لدعم السلام وبين الواقع الذين لا يدخرون فيه جهداً بفرض مخطط التقسيم.
وفيما حاولت أبوظبي ومن خلال تصريحات مسؤوليها في الأسابيع الأخيرة، إيصال رسائل بأنها بدأت توجهاً جديداً يدعم السلام وعودة الاستقرار، إلا أنها تواصل دعمها المكثف للانفصاليين عبر ما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي، والتشكيلات العسكرية والأمنية المدعومة منه.
وبالإضافة إلى مجمل التشكيلات العسكرية الخارجة عن سلطة الحكومة اليمنية، والتابعة مباشرة لأبوظبي ولـ “المجلس الانتقالي” الانفصالي، شهدت عدن أخيراً، الإعلان عن قوة جديدة تحت مسمى “اللواء الأول صاعقة”، بالترافق مع الانسحابات الإماراتية المحدودة.
الأمر الذي بدا مؤشراً إضافياً على أن خطة “السلام أولاً”، التي أعلنت عنها أبوظبي، ليست أكثر من تراجع محدود لوجودها المباشر، يتيح لها مواصلة الاستراتيجية التي تعمل على تنفيذها بدعم تقسيم اليمن، بعد أن تكون قد اتخذت بعض الاحتياطات التي تحاول من خلالها على ما يبدو، تقليل تبعات هذه السياسة في ظل السخط اليمني المتزايد ضد الدور الإماراتي.
الجدير بالذكر أن الإمارات، ومنذ الأشهر الأولى لتصدرها واجهة التحالف في عدن، عملت على إنشاء “قوات الحزام الأمني” من خليط من الانفصاليين والسلفيين.
كما أسست على المنوال ذاته، قوات ما يعرف بـ”النخبة الحضرمية” و”النخبة الشبوانية” شرقاً، وجميعها تكوينات قامت على أسس مناطقية وجهوية لا تعترف بالوحدة اليمنية، بل إنها تمثل تهديداً حتى على مستوى وجود “جنوب” و”شمال”، إذ إن الواقع يقود إلى شرذمة اليمن إلى ما هو أكثر من ذلك.
وإلى جانب الأذرع العسكرية التي لا يعتبر رفع راية اليمن أحد المحظورات في معسكراتها، أسست أبوظبي الذراع السياسية للانفصال في اليمن، في مايو/أيار2017، وهي “المجلس الانتقالي الجنوبي”، الذي قدم نفسه في البداية على أنه السلطة البديلة لـ”دولة الجنوب”، ثم تراجع تحت ضغط الفضيحة التي وقعت فيها الإمارات بدعم انقلاب ضد الشرعية في مقابل اعتبار أن الهدف المعلن للتحالف هو دعم الشرعية ضد انقلاب الحوثيين.