حرب تحالف آل سعود وانهيار اليمن
سعى نظام آل سعود من وراء عملية “عاصفة الحزم” وإطلاق تحالف للحرب على اليمن إلى تأمين نفوذ المملكة في البلاد وذلك تحت ستار محاربة جماعة الحوثيين المدعومة من إيران. لكن حرب تحالف آل سعود حولت اليمن إلى ساحة حرب بالوكالة وأدت إلى انهيار البلاد.
ويبدو ولي العهد “محمد بن سلمان” مهندس حرب نظام آل سعود في اليمن، حريصا على إظهار النفوذ العسكري للبلاد، وهذا السلوك “العدواني” لا زال يستمر دون اعتبار لما يعانيه المدنيون في اليمن.
وجاء التدخل العسكري بقيادة آل سعود في اليمن تحت ستار إعادة تنصيب حكومة “عبد ربه منصور هادي”، الذي أجبره الحوثيون اليمنيون على الهروب إلى المنفى، لكنه لم يكن مثمرا، بل وأضر بالرياض في النهاية.
وأطلقت المملكة حملتها الجوية في اليمن في مارس/آذار 2015، بدعم من تحالف من الدول العربية والإفريقية، واعتقدت أنها ستنهي النزاع في غضون أسابيع؛ ولكن بعد شهور من الصراع، أدركت المملكة أنها تكافح متمردين محليين مجهزين ومدربين جيدا. لذا فقد مالت الرياض لاستهداف الإمدادات الغذائية والبنية التحتية لإجبار الحوثيين على الخضوع.
لكن هذا أدى إلى انهيار الدولة اليمنية، الأمر الذي لم يولد فقط أزمة إنسانية خطيرة، بل أعطى الحوثيين مساحة أكبر للمناورة وتأمين موقفهم مع تصاعد الرفض الشعبي للتدخل السعودي.
وعلى الرغم من أن الحوثيين قد نفذوا انقلابا عنيفا أدى إلى تعطيل عملية السلام في اليمن، وهدد استقرار البلاد، واستولوا على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، ثم توسعوا جنوبا، إلا أنهم لم يشكلوا (قبل حرب التحالف) أي تهديد للرياض في ذلك الوقت.
وبحسب تقرير “جوناثان فنتون هارفي”، عن موقع “إنسايد أرابيا” الأمريكي، فإن جهود الرياض آتت بعض الثمار في البداية، فقد واجه الحوثيون احتجاجات ضد تمردهم، وظهر أن هناك معارضة قوية لسلطتهم، لكن حملة الرياض العسكرية “الدموية” أسفرت في نهاية المطاف عن قيام الحوثيين بتعزيز سيطرتهم على الشمال.
وفي الوقت نفسه، سمح التركيز على محاربة الحوثيين في الشمال، للمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة، حليف الرياض المقرب وشريكها في التحالف، بالحصول على نفوذ كبير.
وقد شن المجلس انقلابا على الحكومة الشرعية في العاصمة المؤقتة عدن في 10 أغسطس/آب الماضي، واستولت قواته على القصر الرئاسي والمواقع العسكرية الرئيسية؛ ما أدى إلى فقدان الرياض لنفوذها في الجنوب.
ومما زاد الطين بلة، أن الحوثيون أطلقوا هجماتهم مرة أخرى باتجاه الرياض.
وبدأوا يطلقون القذائف على الأراضي السعودية في نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
وردت الرياض بحصار بري وجوي وبحري قاس في ذلك الشهر، دون أي نتائج سوى تفاقم الأزمة الإنسانية اليمنية الكارثية بالفعل، دون أن يتراجع الحوثيون.
وزاد الحوثيون من وتيرة إطلاق الصواريخ هذا العام، ما شكل تهديدا أمنيا للمناطق الجنوبية للمملكة، وهي نجران وجيزان وعسير على وجه الخصوص.
وتعرض مطار “أبها” المدني للضرب عدة مرات خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز، ما أسفر عن إصابة مدنيين. وفي الوقت نفسه، بدأ الحوثيون في توسيع نظاق عملياتهم إلى جنوب المملكة، حيث زعموا شن عمليات رئيسية أسروا فيها جنودا سعوديين في أواخر سبتمبر/أيلول.
وفي حين كان النجاح المعلن عن هذا الهجوم الأخير مبالغا فيه على الأرجح، فهناك بالفعل تهديد أمني متزايد للرياض.
وبينما قد يكون الضرر الناتج قصير الأجل ومحدود، إلا أنه يشير إلى حدوث تحول قد يكون له تداعيات أكبر على المملكة.
دفعت سياسات الرياض بالحوثيين إلى أحضان إيران، وعلى الرغم من وجود روابط نسبية بين طهران والحوثيين، إلا أن علاقتهما قبل الحرب لم تكن بالقوة التي صورتها السعودية، حيث كانوا يحصلون على دعم محدود فقط من طهران.
وبعبارة أخرى، فقد عززت سياسات الرياض جزئيا الترابط بين إيران والحوثيين، ومع تزايد الدعم الإيراني للحوثي، تعززن قدرات الجماعة المتمردة على تنفيذ هجمات أكبر وأوسع نطاقا على الأراضي السعودية، مع إلحاق المزيد من الضرر.
بخلاف ذلك، شجعت المملكة العقوبات على إيران، وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015، الذي كان قد رفع بعض العقوبات على إيران مقابل تخفيض برنامجها النووي، لكن هذا الموقف السعودي جاء بنتائج عكسية أيضا.
وأدى دفع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” لفرض عقوبات جديدة على إيران إلى انهيار التوازنات الدبلوماسية الهشة التي حاول الاتفاق النووي إنقاذها.
وفي مواجهة الضغوط الاقتصادية الإضافية، اتخذت إيران موقفا أكثر حزما على المستوى الإقليمي، وحاولت تعزيز نفوذها في العراق وسوريا واليمن كرد فعل.
وعلى الرغم من دوره في إقناع واشنطن باتخاذ موقف أكثر تشددا تجاه إيران، إلا أن نظام آل سعود لا يريد صراعا مفتوحا.
فبعد كل شيء، ستكون الرياض واحدة من أوائل المتضررين من تصاعد الأعمال العدائية، بسبب قربها الجغرافي من إيران. وبدلا من ذلك، سعت المملكة لمعاقبة وعزل منافستها الإقليمية.
وبغض النظر عن هوية مرتكبي الهجمات التي طالت منشآت “أرامكو” النفطية في سبتمبر/أيلول، فإنها تشكل بالفعل ردا على دعم المملكة وتورطها في عزل إيران والحوثيين. وإذا تم الضغط أكثر على أي من الجانبين، فقد يكون لذلك عواقب وخيمة على الرياض.
وفي الوقت الذي يضغط فيه “بن سلمان” لتنفيذ إصلاحات اقتصادية واجتماعية لتلبية مشروعه الطموح “رؤية 2030″، تؤثر سياساته الخارجية على هذه الرؤية بشكل كبير، ولا تؤدي إلى نتائج عكسية لأمن البلاد فحسب، بل تعرض الاستثمار والسياحة أيضا للخطر.
ومع ذلك، لا تزال الرياض تبذل جهودا كبيرة لإصلاح الأضرار الناجمة عن سياساتها.
ويتضح هذا في دفعها المفترض باتجاه إجراء محادثات سلام مع إيران بهدف الوصول لحل سلمي لصراعات الشرق الأوسط.
ومع ذلك، فإن الادعاءات بأن الرياض تتخذ موقفا إيجابيا، سابقة لأوانها، بالنظر إلى العداء الذي أعلنه “بن سلمان” تجاه إيران في مقابلة مع برنامج “60 دقيقة” على قناة “سي بي إس” مؤخرا.
وفي 27 سبتمبر/أيلول، على الرغم من غارة جوية غير مسبوقة على أهداف مدنية في نهاية الأسبوع، عرض السعوديون وقفا جزئيا لإطلاق النار في اليمن، استجابة لدعوة الحوثيين إلى هدنة في الأسبوع السابق.
وليس من المستغرب أن يقول الحوثيون إن ما تقدمه الرياض غير كاف، مع استمرار الحصار وشن الغارات الجوية في جميع أنحاء البلاد، ومع الحفاظ على الوجود الاستفزازي لسلاح الجو السعودي فوق العاصمة اليمنية.
ويمكن القول إن التنازلات الطفيفة التي تقدمها السعودية في السياسة الخارجية، مصممة فقط لإرضاء النقاد في الغرب؛ وبالتالي فإن خطر نشوب مزيد من الصراع في المنطقة، وداخل السعودية نفسها، لا يزال قائما، وقد يتصاعد أكثر، ويمنح الدعم الضمني الذي تتلقاه المملكة من الغرب النظام السعودي شعورا “زائفا” بالأمن.
ولكن، ما لم تتبن الرياض سياسة خارجية أكثر عقلانية، فينبغي عليها أن تتوقع دوامة مستمرة من العزلة والصعوبات الاقتصادية، بصرف النظر عن الدمار المستمر الواضح الذي أحدثته سياساتها في اليمن وخارجها.
لذا، يجب على الحلفاء الغربيين دفع “بن سلمان” لتبني دبلوماسية أكثر ليونة لتحسين موقف بلاده “المتردي” سياسيا واقتصاديا وأمنيا بحسب التقرير ذاته.