تكهنات بمحاولة تهيئة بن سلمان لتولى العرش في المملكة
يثير مراقبون تكهنات بالربط بين التحولات التي اتخذها نظام آل سعود مؤخرا على صعيد علاقاته وأزماته الإقليمية ومحاولات تهيئة الاجواء لتولي ولي العهد محمد بن سلمان عرض المملكة.
إذ قبل أيام وقع النظام مع الكويت مذكرة تفاهم تقضي باستئناف العمل في إنتاج النفط من حقلين مشتركين على المنطقة الحدودية بعد توقّف دام حوالي خمس سنوات نتيجة خلافات بين الطرفين.
وقد تم استتباع هذا التفاهم باتفاقية ملحقة باتفاقيتي تقسيم المنطقة المقسومة والمغمورة المحاذية لها. ومن المتوقع أن يتيح هذا التفاهم الجديد استعادة القدرة الإنتاجية من منطقة الخفجي والوفرة والتي كانت تبلغ حوالي 550 ألف برميل يوميا سابقا، على أن يبلغ مستوى إنتاج المرحلة الأولى نهاية عام 2020 حوالي 325 ألف برميل يوميا.
وجاء هذا الاتفاق في سياق تعامل الرياض مع عدّة ملفات شائكة على المستوى المحلي والإقليمي مؤخرا بما يوحي بوجود توجّه لدى المملكة ربما بالانخراط بشكل متسارع في مهمّة إقفال بعض الملفات العالقة لاسيما تلك التي برزت بشكل واضح بموازاة صعود محمد بن سلمان داخليا حتى وصوله إلى منصب ولي العهد.
فخلال الأشهر القليلة الماضية، عمد نظام آل سعود إلى حلحلة ملف اليمن الذي تحوّل إلى مستنقع آسن بعد أن نجحت أبو ظبي في تحقيق أهدافها هناك بشكل منفصل عن الجهد السعودي.
وبعد الجولة الأخيرة من التصعيد الأمريكي-الإيراني في الخليج واستهداف منشآت حسّاسة تابعة لشركة أرامكو السعودية بواسطة طائرات مسيرة وصواريخ كروز يُعتقد أنها إيرانية، توجهت المملكة إلى طلب الوساطة مع إيران من خلال باكستان.
وبدا أن هناك محاولة لتهدئة الأوضاع في الخليج ومنع التصعيد، ترافق ذلك مع مبادرة سعودية للتواصل مع قطر في محاولة أيضا للتوصّل إلى تفاهم ينهي الأزمة الخليجية التي افتعلتها الرياض بدعم من أبو ظبي والمنامة والقاهرة بحجّة وجود علاقات مميزة مع إيران قبل أن تعود أبو ظبي مؤخرا إلى استئناف علاقاتها الأكثر تميّزاً على المستوى الخليجي مع طهران.
من الصعب جدا فصل هذه المبادرات عن بعضها البعض ولذلك فهي توحي بالتوجه الذي كنّا قد أشرنا إليه سابقا حول وجود نيّة لإقفال الملفات العالقة لاسيما ذات الطابع الإشكالي على المستوى الإقليمي والدولي.
لا يعني ذلك أن الرياض ستنجح بالضرورة في إقفال كل هذه الملفات بالشكل الصحيح، والدليل على هذا الأمر طريقة التعامل مع ملف اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول العام الماضي والتي لا تزال أصداؤها السلبية تتفاعل مع محاولات القضاء السعودي تحصين المجرمين المقربين من ولي العهد محمد بن سلمان في المراكز العليا من عملية صنع القرار من خلال تجريم وإدانة مجهولين.
هناك عدة اتجاهات في تغيير طبيعة التحرّك السعودي في هذه الملفات، ففي حين قد يذهب البعض إلى أنّ الغرض منها تدارك الوضع السياسي والاقتصادي السعودي مع ازدياد النقمة الداخلية ضد مغامرات محمد بن سلمان، يربط آخرون هذه الجهود السعودية لحلحلة الملفات العالقة باستلامها رئاسة مجموعة العشرين باعتبارها فرصة ثمينة لإعادة تسويق ولي العهد السعودي وصناعة سمعة جيدة له بعد أن كان قد اشتهر مؤخراً بمغامراته فضلا عن مقامراته.
ومع أنّ مثل هذه الاجتهادات في تغيير التحرّك السعودي قد تكون صائبة ولا يمكن إغفالها، إلاّ أن طبيعة تحرّك الرياض وسرعة تحرّكها في هذه الملفات يتجاوز على ما يبدو الاجتهادين الأخيرين إلى ما هو أبعد من ذلك ربما، أي إلى تحضير محمد بن سلمان لتولي عرش المملكة.
لا يمكن استبعاد مثل هذا الاحتمال بطبيعة الحال، ففي العرف السائد في تلك المنطقة من العالم، فإن إقفال الملفات الخلافية أو احتواءها على الأقل هو مؤشر لتغييرات سياسية قادمة. لا يلغي ذلك بطبيعة الحال الدوافع السابقة التي تمّت الإشارة إليها، لكنه بالتاكيد يعطيها بُعداً أعمق.
المثير للاهتمام أن مسعى تنصيب محمد بن سلمان ملكا في المرحلة المقبلة سواء كان ذلك العام المقبل أو الذي يليه، سيترافق على الأرجح مع تحولات في البيئة السياسية أيضا لعدد من دول مجلس التعاون الخليجي وبالتحديد في سلطنة عُمان والكويت، حيث يجري ترقّب عملية الخلافة في النظام السياسي في البلدين بشكل حثيث من قبل أبو ظبي والرياض بل وربما محاولة التأثير عليها لضمان بروز أنظمة سياسية موالية أو على الأقل غير معادية لتوجهات محمد بن سلمان.