تسلط محمد بن سلمان يقرب نهايته
يهدد محمد بن سلمان بإعدام العلماء الثلاثة: سلمان العودة، وعوض القرني، وعلي العُمري، متسلحا في ذلك بنظام قمعي يقوم على التسلط والقمع.
إن الذي يفهم حركة التاريخ يدرك تماماً أننا نعيش في أوضاع مشابهة للحقبة التاريخية التي تسلّطت فيها الدولة الفاطمية، حيث قتلت رموز علماء السنة، أمثال العالم الفقيه ابن الأندلسي وقصته المشهورة في التاريخ، وما ناله من عذاب بسبب مقارعته للباطل، وما آلت إليه تلك الدولة من تَمزُق وانهيار بعدما حاربت الإسلام وعلماءه.
والتاريخ الإسلامي مليء بالشواهد والعِبر والدروس، منذ أن قُتل خليفة المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على يد المجوسي إلى عصرنا هذا، وما فعلته ميليشيات إيران في العراق من قتل علماء السنة وتعذيبهم، فالمشهور تاريخياً أن قتلهم كان على يد أعداء أهل السنة وليس بيد من يحكم بلاد الحرمين!.
ولا شك أن هؤلاء العلماء الثلاثة هم من رموز السنة في العالم الإسلامي، فالشيخ العودة هو قامةٌ علمية دعوية فكرية، ويكاد يكون أبرز العلماء حضورا ًويمتلك خطاباً وسطياً يبحث عن نقاط الاتفاق مع الآخر، والشيخ المفكر عوض القرني العميق في طرحه، والذي يجمع في خطابه التأصيل الشرعي و فقه العصر ولديه جمهور عريض من الطلاب والمحبين في العالم، أما الشيخ العُمري فهو الداعية صاحب المشاريع والمبادرات المؤسسية والشبابية المؤثرة في بلادنا والعالم العربي.
هؤلاء الثُلة يخدمون المشروع السني لكنهم مهددين بإصدار أحكام الإعدام بحقهم.
عندما أعلنها محمد بن سلمان بقوله “سوف ندمرهم فوراً” يقصد بذلك الصحوة السعودية ورجالها من العلماء والدعاة، الذين كانوا طوال سنين عديدة يقفون بصف الأسرة الحاكمة ولا يسعون إلى تغييرها خوفاً من الفوضى و من التهديد الإيراني الذي ينتهز أي فرصة للانقضاض على السعودية والخليج، واليوم جاء هذا الصبي الأرعن ونسف كل هذا التاريخ بسجنه جُل العلماء والدعاة والمثقفين والناشطين شيوخاً وشباباً ونساءاً، هو يمشي على خطى سيّده (محمد بن زايد حينما سجن العلماء والدعاة، وروج لـ “إسلام جديد” ، بل هو تفوق عليه بسجن كل الأطياف: إسلاميين ومثقفين وأكاديمين وقوميين وليبرالين وشيعة ونساء وفتيات…
هذا النهج يُعرف بسياسة “التمسُك بالكرسي” التي تزيّنها لهم ”اسرائيل”، وقد فَعلها من قبل طغاة العرب حسني مبارك والقذافي وغيره.
لكن هذا الصبي تجاوز العقل والمنطق والمروءة والعروبة والإنسانية حينما قطّع الإنسان الرقيق (جمال خاشقجي) رحمه الله.
وتعدى على شرف النساء، إنهم كفرة فجرة، قد شتموا الله جل جلاله في رمضان كما سرّبت ذلك عائلة الناشطة المعتقلة لجين الهذلول.
يظن هذا الأرعن حينما يُقدم على إعتقال العلماء والدعاة وإصدار أحكام بإعدامهم؛ أنه يُفلت من العدالة السماوية أو ينجو من دم خاشقجي.
وأن كوشنر وترامب يحميانه، و قُربان (إعدام العلماء) يشفع له عند آلهته (إسرائيل) لكي يبقى في الحُكم أبد الدهر !
لو فعلها هذا الصبي الأرعن، وأعدم العلماء لبقى طول عمره يئنّ ليلاً، كما حدث مع الحجاج بمقتل الإمام سعيد بن جبير.
إذا أقدم هذا الأرعن وأصدر حكم الإعدام، فهو حَكم على (المشايخ) بقوة على قوة في أفكارهم وإنتاجهم، وانتشاراً لكلماتهم، وتبني لآراءهم، فهم لن يموتوا فسوف تعيش رؤاهم بين الناس، وإن تلك القطرات الطاهرة من دماءهم العزيزة ستتحول إلى نار ونور، نارٌ تحرق الظالم، ونورٌ يُضيء ظلام الجور، وسوف تتقمص كلماتهم الناس ويؤدون معانيها أبلغ أداء، ألا يتعظ هذا الأحمق من فعلته الشنيعة بمقتل (خاشقجي) رحمه الله، وكيف أصبحت كلماته بعد مقتله حيّة في ضمائر الشعوب ومشاعر الإنسانية، فقد تعاطف معه كل الناس ومن كل الأديان!.
قد نقف هنا حيرى لا نعرف هل نشكر هذا الأهوج إذا فعلها أم نبكي على فراق هؤلاء العلماء الصادقين ؟!
فحينما قطّع الشهيد جمال خاشقجي انتفض العالم ضد سياسات ابن سلمان، وتبخّرت المليارات التي صرفها لتحسين صورته عند الغرب، وأصبح الآن منبوذاً لا يتجرأ أي رئيس أو مسؤول من الدول الغربية أن يقف بجواره خشية أن يُعزل هذا الرئيس أو لا يُجدد له في دورة الانتخابات بسبب كره الشعوب له ولمستشاريه الصبيان .
فلا تستطيع أي حركة نضالية أن تُقدم ما قدّمه دم الشهيد جمال رحمه الله
وقد صدق سيد قطب حينما قال “إن أفكارنا وكلماتنا تظل جثثاً هامدة حتى إذا متنا في سبيلها أو غذيناها بالدماء، انتفضت حية، وعاشت بين الأحياء” .
كُلما سعى بن سلمان على تجريم العلماء والمثقفين والناشطات في السجون ليكونوا متهمين أمام أعين الناس، أو يظهرهم أنهم خونة للوطن ويدندن بذلك ليل نهار عبر إعلامه و (ذبابه الالكتروني)، فهو في الحقيقة يزيد شعبيتهم فهذه الناشطة لجين الهذلول التي أبت أن تنصاع إلى طلب مستشار بن سلمان أن تتغلل داخل الناشطات والمعارضين وتكون عينهم، فسجنوها وعذبوها وتحرشوا بها، لكن اليوم أصبح أسمها رمزاً عالمياً للنضال، فقد تصدّر خبرها القنوات والصحف الغربية، و وكُرّمت ورشحت بالجوائز والتقدير من المؤسسات المدنية في العالم، ومُنحت شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة (لوفان) البلجيكية أعرق الجامعات في أوربا، ومنحت الجنسية الفرنسية الفخرية.
ويبقى الدور الأساسي على الكتلة الصامتة الشريفة في المجتمع أن تقول كلمتها، وعلى المواطنين الأحرار الذين يرفضون الظلم بأن يتحركوا بكل السبل المتاحة للحفاظ على الوطن من الضياع والفوضى.