انقلاب آل سعود على موروث المملكة بالترفيه المشين لأهداف مشبوهة
يدفع ولي عهد محمد بن سلمان بانقلاب على موروث المملكة الديني والاخلاقي عبر الانفتاح على الترفيه واستضافة فرق أجنبية بمبالغ مالية فلكية لتقديم صورة تغطي على انتهاكات النظام داخليا وخارجيا.
فضلا عن ذلك فإن آل سعود يحاولون تحقيق جملة أهداف بممارساتها المشبوهة أهمها إلهاء المواطنين السعوديين عن نظامهم القمعي وجرائمه وجمع المال من عائدات مالية كبيرة لحفلات وفعاليات بينها إباحي في أرض الحرمين.
ومؤخرا أصبحت أسماء لامعة في عالم الموسيقى فجأة تقيم حفلات في السعودية، وهو أمر غير مألوف في هذا البلد الذي لم يعرف استضافة مثل هذه المهرجانات. وكانت، ماريا كاري، سباقة إلى الغناء هناك في يناير/ كانون الثاني.
وبعدها وافقت نيكي ميناج على إقامة حفل في مدينة جدة، ثم غيرت رأيها “دعما لحقوق النساء والمثليين والمتحولين جنسيا”.
وجاء الآن دور فرقة “بي تي أس” الكورية الجنوبية، فأعلنت إقامة حفل في الرياض في أكتوبر/ تشرين الأول.
تندرج هذه الخطوات من الانفتاح غير المسبوق على الترفيه في السعودية ضمن خطة بن سلمان “رؤية 2030″، من أجل إبراز وجه السعودية العصري وهي خطة تقابل بكثير من الشكوك وتوقعات الفشل الذي بدأ فعليا منذ انطلاقها.
ومن بين الإصلاحات الاجتماعية التي أقرتها السعودية هو رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، والسماح لها بحضور مباريات كرة القدم في الملاعب.
وفي ديسمبر/ كانون الأول، أقام مغني الراب الأمريكي نيللي، حفلا في جدة، ولكنه أثار جدلا لأن الحضور كان محصورا على الرجال.
وعلى هامش جائزة سباق “فورمولا اي” للسيارات الكهربائية عام 2018، أقام العديد من الفنانين العالميين حفلات في السعودية من بينهم، جيسون ديرولو، وأنريكي إغليسياس، وديفيد غيتا، وغيرهم.
وفي يناير / كانون الثاني، أقامت ماريا كاري حفلا ظهرت فيه مع شون بول و”دي جي تييستو”. وعلى الرغم من الجدل الذي أثاره حضورها، فإنها قالت إن تلك فرصة للعمل من أجل تعزيز المساواة بين الجنسين في السعودية.
وتؤكد منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية أن حجم التغيير الحاصل في السعودية ضعيف جدا ومشوك فيه. وتقول “إن النساء على الرغم من الترخيص لهن بقيادة السياراة، فإن الكثير من العراقيل لا تزال في طريقهن”.
وتضيف المنظمة الدولية أن السلطات السعودية اعتقلت عددا من الناشطات البارزات في مجال حقوق المرأة قبيل رفع الحظر عن قيادة النساء للسيارات، واتهمتن بإقامة “اتصالات مشبوهة” مع جهات أجنبية.
ولا تزال المرأة بحاجة إلى إذن من ولي الأمر في أمور الحياة العادية مثل السفر أو استخراج جواز السفر أو الاستفادة من الرعاية الصحية أو حتى العمل.
وتتعرض السعودية لانتقادات غربية أيضا بخصوص حقوق المثليين والمتحولين جنسيا. فالسعودية ليس فيها قوانين مكتوبة بخصوص الهوية الجنسية.
وتقول هيومن رايتس ووتش إن “القضاة في السعودية يلجأون في قوانين الشريعة لمعاقبة المشتبه في إقامتهم علاقات جنسية خارج إطار الزواج، أو علاقات جنسية مثلية”.
وقد تباينت آراء الناس ومواقفهم من الحفل الذي أعلنت فرقة بي تي أس إقامته في الرياض. يرى البعض أن تبقى السياسة بعيدة عن قرار بي تي أس إقامة حفل في السعودية، ويقول آخرون إنه ينبغي أن تقاطع السعودية بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان.
ويعد الترفيه حق طبيعي للبشر، لكن تطبيق المبدأ ثمّة أخطاء وخطايا، يُحاسب من يقترفها، ولا يعاقب جمهور الأمة بجريرتهم.
لقد ضيق آل سعود على الإنسان السعودي منذ تأسيس الدولة السعودية الحديثة التي تحالفت مع أكثر اجتهادات الإسلام تشدّداً.
بعيداً عن كذبة عام 1979، منذ تأسيسها، زاودت المملكة على الهاشميين والعثمانيين بأنها هي من تطبق الإسلام الحق، حسب إفتاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأحفاده.
المفارقة أن أحد أسباب الرفض لهيئة الترفيه رئيسها حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، تركي آل الشيخ الذي يُسمّى في منصات التواصل تركي وناسة. يمكن اعتباره صهريجاً يشفط أسوأ ما في المجتمع السعودي من غرور وغطرسة وفجور وتحلّل، ولكن الموقف منه غير الموقف من الترفيه، وكما ظُلم المجتمع السعودي من آل الشيخ تشدداً يظلم منهم اليوم تحللاً.
ربما كشفت دعوة المغنية الإباحية، نيكي ميناج، بعض ما في الصهريج، وشجعت رافضي الهيئة، باعتبارها هيئة تروّج التحلل من الدين والقيم والأخلاق، بقدر ما كشفت قدرة على التمييز بين الترفيه المشروع وغير المشروع.
وكشف النقاش، في مجمله، أن القائمين على الهيئة إما جهلة لا يدرون من نيكي أو أنهم فعلاً متآمرون على قيم المجتمع، وإن كنت تدري فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم.
تمكّن الحكم السعودي، قبل محمد بن سلمان، من إيجاد معادلةٍ تتهرّب من التشدّد، من خلال الإعلام. لم تكن المعايير التي تطبق على الأرض السعودية تطبق على قنوات إم بي سي وروتانا، وقنوات صالح كامل، وصحيفتي الحياة والشرق الأوسط، وما تناسل منها. ما فعله محمد بن سلمان أنه وطَن تلك القنوات في الداخل السعودي.
بعيداً عن المعارك السياسية، علينا أن نفكر بحق مجتمعاتنا في الترفيه. أخطأت الدولة السعودية عندما تبنت تفسيراً متشدّداً للإسلام، تماماً كما أخطأت الحركة الإسلامية عندما تواطأت معها، وصار تحريم الموسيقى والغناء جزءاً من أدبياتها.
وقد تعرّض الشيوخ علي الطنطاوي ومحمد الغزالي ويوسف القرضاوي للتشنيع من شيوخ السعودية، لموقفهم المتساهل مع الموسيقى والغناء. ولكن مواقفهم ظلت استثناء مقابل تيار عامٍ معادٍ لمعظم أشكال الترفيه.
لا تتجزّأ الحرية، حق الشباب في الترفيه ليس بديلاً عن حقهم في التعبير، لا يحقّ لمن يقتل صحافياً بالمنشار ويعتقل أصحاب الرأي والناشطات أن يزعم تحرير المجتمع السعودي، هذا مجرّد تحايل ومقايضة غبية، وسيكتشف هو أن شباك الحرية الاجتماعية تدخل منه رياح الحريات السياسية أيضاً، وسيندم على اليوم الذي فتح فيه الشباك.
لا تخيّر المجتمعات أن تعيش بقيم متشددة أو بلا قيم، تستطيع أن تعيش بمرجعية قيمية عليا تعتمد على تفسير منفتحٍ للدين، في الوقت ذاته لا يجب أن تغطي فعاليات الترفيه على انتهاكات آل سعود الجسيمة داخل المملكة وخارجها.