الفشل يسيطر على سياسات نظام آل سعود في اليمن
فشل نظام آل سعود عسكريا وسياسيا في اليمن الذي يعاني مواطنيه الأمرين منذ أن ترأست المملكة تحالفا على أمل تخليص البلاد من انقلاب جماعة أنصار الله “الحوثيين”.
غير أن ما جرى بعد ذلك لم يكن إلا مجرد تكريس لانقلاب وتوسع الحوثيون في مقابل سنوات من ويلات الحرب خلف عشرات آلاف القتلى ودفعت بالبلاد لأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وهذه الأيام تسير الحياة ثقيلة بمدينة عدن العاصمة المؤقتة الواقعة جنوبي اليمن، فيما يخشى معظم سكانها العاملون في القطاع الحكومي أن تتدهور الحياة بصورة أكبر، وأكثر ما باتوا يخشونه انقطاع الرواتب.
وتحولت الشوارع والساحات الأمامية للمقار الحكومية والسلطات المحلية في المدينة إلى ساحات يومية للاحتجاجات، إذ لا يكاد يمر يوم دون أن تتصدر وسائل الإعلام المحلية خبراً عن وقفة احتجاجية ينفذها موظفون حكوميون أو أهالي.
وعول سكان المدينة على اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والذي نص على التهدئة في عدن وجنوب اليمن، وعودة الحكومة إلى المدينة تفادياً لانهيار الوضعين الاقتصادي والإنساني.
لكن بعد مضي أكثر من شهر ونصف على الاتفاق، لا يزال الوضع في عدن يراوح مكانه، فحالة عدم الأمان هي المتحكمة بالمشهد، فيما تتبادل الحكومة والانتقالي الاتهامات حول المعرقل لتطبيق الاتفاق.
وقدمت الرياض التي رعت الاتفاق، نفسها كضامنة لتنفيذه، غير أن البنود الـ 29 في الاتفاق وملحقاته المتعلقة بالأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، ما لبثت أن تحولت إلى مادة خصبة للسجال بين طرفيه.
ورغم انقضاء المدة الزمنية لتنفيذ معظم بنود الاتفاق، إلا إن اتفاقاً واحداً تم تنفيذه، والمتعلق بعودة الحكومة إلى العاصمة المؤقتة عدن، وجرى ذلك بعد مرور أكثر من أسبوع ونصف عن المدة الزمنية التي حددها الاتفاق.
الأمر الآخر، كان وصول قوات سعودية إلى مدينة عدن، للإشراف على تنفيذ الملحقين العسكري والأمني، التي تنص بنودهما على عودة القوات الموالية للحكومة اليمنية والانتقالي إلى معسكراتها السابقة، وسحب سلاحها الثقيل إلى معسكرات تشرف عليها السعودية.
لكن قائد القوات السعودية في عدن العميد مجاهد العتيبي، أقر بأن هناك صعوبات كبيرة في تنفيذ الاتفاق على الأرض، وما لبث أن استدرك بأن ذلك ليس مستحيلاً، مشيراً إلى إن بلاده قادرة “وبكل حزم” على تذليل الصعوبات والعمل على تنفيذ جميع البنود.
حديث المسؤول العسكري السعودي كان في ندوة نظمتها جامعة عدن، في وقت سابق، إذ طرح المشاركون فيها استفسارات عدة حول فشل تطبيق بنود الاتفاق.
ورغم أن الاتفاق خوّل للرياض أن تكون الحاكم الفعلي في عدن، إلا إنها اصطدمت بواقع مختلف، فدورات الصراع في مدينة عدن، والقوات التي شكلتها الإمارات كانت حجر عثرة كبيرة لها.
وحين بدأت قوات الحماية الرئاسية بالعودة إلى مواقعها في قصر المعاشيق في عدن مقر الحكومة، ومعسكرات ألوية الحماية الرئاسية، استنفرت قوات الحزام الأمني التابعة للانتقالي الجنوبي قواتها، وأعلنت التعبئة العسكرية، ونصبت الحواجز على الطرق.
وكانت قوات الحماية تتجه من محافظة شبوة الخاضعة لسيطرة الحكومة، في طريقها باتجاه الغرب إلى محافظة أبين ثم إلى مدينة عدن، لكن الأحداث التي تلتها كانت إشارة إلى أن الاتفاق الرياض ما يزال حبراً على الورق.
وسرعان ما احتدم قتال محدود بين القوتين في مديريتي “المحفد” و”أحور” شرقي محافظة أبين، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، قبل أن تتدخل السعودية لتهدئة الوضع.
ووفق مصدر عسكري في القوات الحكومية، فإن قوات الحماية الرئاسية كانت تتحرك وفق اتفاق الرياض، الذي نص على عودة جميع القوات إلى مواقعها السابقة بكامل أفرادها وأسلحتها خلال 15 يوما من تاريخ التوقيع على الاتفاق.
وأوضح المصدر أن ردة فعل القوات الموالية للانتقالي كانت إشارة واضحة بأنها لم تلتزم باتفاق الرياض، وأن الانتقالي الجنوبي قَبِل دخول القوات الموالية للحكومة إلى عدن، في حافلات نقل، بعد أن يتم تجريدهم من السلاح بما في ذلك السلاح الشخصي، وهو أمر رفضته قوات الحماية الرئاسية تماماً.
وفي آخر تصريح لوزير الخارجية في الحكومة اليمنية محمد الحضرمي، قال إن اتفاق الرياض لم يأت لتغيير شكل الدولة بل للحفاظ عليها وعلى أمنها واستقرارها وسلامة ووحدة أراضيها.
وكان ذلك رداً على تصريح لرئيس الانتقالي، عيدروس الزُبيدي، في كلمته خلال الاجتماع الفصلي للقيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، والذي قال فيه إن اتفاق الرياض محطة تاريخية توجت بتحقيق الاعتراف بالمجلس والجنوب وقضيته.
وأضاف حينها: “لقد خرج الاتفاق بملفات سياسية وعسكرية على خطى استعادة دولتنا، فنحن أصحاب الأرض وسنشارك في كل المواقع والمواقف، ولن نكون طرفا لتجار يعملون باسم الجنوب وهم بعيدون عنه”.
وكان الزبيدي يعني أن الانتقالي أصبح نداً للحكومة، وأصبح في طريقه “للاستقلال واستعادة الدولة”، في إشارة إلى دولة الجنوب، قبل توحيد شطري اليمن في العام 1990.
ووفق مصدر حكومي يمني فإن الانتقالي لا يريد انسحاب قواته من عدن، وسماحه للحكومة بالعودة إلى عدن كان لإدارة الخدمات في المدينة، بعد أن وجد نفسه غير قادر على إدارة الوضع الخدماتي فيها.
وأضاف: “من حيث المبدأ فإن الاتفاق صعب التحقيق كما أن بنوده غير واضحة، بالإضافة إلى أن المدة الزمنية لتحقيقه مستحيلة”.
ويرى مراقبون أن اتفاق الرياض فشل حتى اللحظة إذ أن المعطيات على الأرض تشير إلى أن بنوده لم تُحقق، بحيث لا شيء تغير على أرض الواقع، في ظل حالة الصراع والنوايا المبطنة من قبل النظام الإماراتي، إضافة إلى أن الاتفاق لم ينجح في استيعاب الصراع القائم والجوانب الخلافية بين الحكومة والانتقالي.