أخبار

السعودية تراجع مشروع “ذا لاين” الوهمي وسط ضغوط مالية وتشكيك عالمي

يُجري صندوق الاستثمارات العامة السعودي مراجعة استراتيجية لمشروع “ذا لاين” الوهمي أحد أبرز مكونات مدينة نيوم المستقبلية، في ظل تصاعد الشكوك العالمية حول الجدوى الاقتصادية والتقنية للمشروع، إلى جانب تنامي الضغوط على مالية المملكة مع تراجع أسعار النفط.

وبحسب تقرير نشرته شبكة CNBC الأميركية استنادًا إلى تأكيدات من شركة نيوم، فإن مراجعة المشروع تُعد خطوة “معتادة” في سياق إدارة المشاريع العملاقة وطويلة الأمد، إلا أن توقيتها الحالي يسلّط الضوء على تحديات مالية وفنية عميقة تواجه خطة ولي العهد محمد بن سلمان لتحويل المنطقة إلى مركز حضري فائق التطور.

مراجعة استراتيجية في لحظة حاسمة

المشروع الذي تبلغ كلفته التقديرية نصف تريليون دولار، يقوم على إنشاء مدينة خطية بطول 170 كيلومترًا (105 أميال)، تضم 9 ملايين نسمة، وتمتد بين ناطحتي سحاب عملاقتين بطول أكثر من 1600 قدم، مع بنية تحتية متكاملة تشمل قطارًا فائق السرعة ومرافق بيئية وتقنية غير مسبوقة.

ورغم أن المشروع بدأ بالفعل بأعمال حفر وبناء واسعة، إلا أن وتيرة التنفيذ وتكاليف التشغيل أصبحت محل تساؤل داخلي وخارجي، ما دفع الصندوق السيادي السعودي إلى تكليف شركات استشارية عالمية بإجراء مراجعة شاملة للمشروع، تشمل الجوانب الفنية والتمويلية والتأثير الاقتصادي على المدى الطويل.

ميزانية مضغوطة وتراجع أسعار النفط

يرى تيم كالين، الزميل الزائر في معهد دول الخليج العربية، أن هذه المراجعة تُسلّط الضوء على “الهوة بين الطموح والواقع”، خصوصًا مع استمرار انخفاض أسعار النفط دون المستوى اللازم لتحقيق التوازن المالي في المملكة.

وقال كالين: “عندما تكون أسعار النفط عند 70 دولارًا للبرميل، فهذا سيناريو مختلف تمامًا عن عام 2022 عندما بلغ متوسط السعر 100 دولار”، مضيفًا أن هذا الانخفاض يؤثر بشكل مباشر على قدرة الحكومة على تمويل مشاريع عملاقة كهذه.

في الواقع، تُقدّر كلفة مشروع نيوم بالكامل بنحو 1.5 تريليون دولار، وهو رقم يتجاوز بكثير ما يمكن للمالية العامة السعودية تحمّله على المدى القريب، لا سيما مع اتساع العجز في الموازنة.

احتمالات التقليص لا الإلغاء

بينما تسود مخاوف من احتمال تجميد المشروع أو تقليصه، قال كالين إن نيوم “ستستمر بشكل أو بآخر”، لكنه رجّح أن يتم ذلك على “نطاق أصغر وبمدة زمنية أطول”، مع إعادة ترتيب الأولويات بناءً على المعطيات الاقتصادية.

هذا المنظور يؤيده أيضًا طارق سولومون، الرئيس الفخري لغرفة التجارة الأمريكية في السعودية، والذي أشار إلى وجود أخطاء في إدارة توقعات المشروع داخل القيادة، وقال: “النجاح يتطلب واقعية وتكيّفًا مع السوق، ولا يكفي الانبهار بالفكرة”.

ورغم انتقاداته، عبّر سولومون عن إعجابه بـ”ذا لاين”، واصفًا إياه بأنه “أحد أكثر الأفكار جرأة التي دخلت حيّز التنفيذ”، لكنه دعا إلى تحميل المستشارين والشركات الهندسية مسؤولية أكبر في إظهار الالتزام والكفاءة في التنفيذ.

“عقلية نعم سيدي”: أزمة داخلية صامتة

من بين أبرز الانتقادات التي طالت بيئة العمل في مشروع نيوم، الحديث المتزايد عن وجود “عقلية نعم سيدي”، حيث يُتهم بعض المستشارين بتضخيم الإنجازات والتوقعات في تقاريرهم لتجنّب الصدام مع أصحاب القرار، ما يُضعف من مصداقية الرؤية ويحول دون مراجعة واقعية للمخاطر.

هذه العقلية، بحسب سولومون، “لا تسمح ببناء الثقة ولا بتصحيح المسار”، خاصة حين يتعلق الأمر بمشروع غير مسبوق على المستوى العالمي ويتطلب شفافية في القرارات والاستجابة السريعة للمتغيرات المالية والتقنية.

تقليص النفقات وتسريحات متوقعة

إلى جانب المراجعة الجارية، كشف أحد المستشارين العاملين في نيوم – تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته – أن المشروع بدأ فعليًا بتقليص النفقات التشغيلية وتسريح عدد من الموظفين في بعض الأقسام.

وقال المصدر: “يبدو أنهم بدأوا أخيرًا في اتخاذ قرارات مالية أكثر عقلانية”، في إشارة إلى تحوّل ملحوظ في مقاربة الإدارة العليا للمشروع، من التوسّع السريع إلى التخطيط المحسوب.

رؤية 2030 على المحك؟

تشير هذه التطورات إلى أن رؤية 2030 السعودية – والتي يُعد مشروع “ذا لاين” أحد أعمدتها الأساسية – قد تكون بحاجة إلى إعادة تكييف مع المتغيرات المالية والاقتصادية الدولية، خصوصًا في ظل حالة عدم الاستقرار في أسواق الطاقة والتوترات الجيوسياسية الإقليمية.

ومع استمرار المراجعة، تبقى الأسئلة الكبرى بلا إجابة واضحة: هل ستعيد السعودية رسم مسار نيوم بما يتلاءم مع الواقع؟ أم أنها ستُصرّ على السير في مشروع بحجم الحلم، ولو على حساب استقرارها المالي؟

في كلتا الحالتين، سيكون مسار “ذا لاين” اختبارًا حاسمًا لقدرة السعودية على ترجمة رؤيتها إلى واقع، في عالم لم يعد يتحمّل التكاليف الباهظة دون عائد محسوب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى