جدة: المدينة التي تحاربها الدولة بالهدم والمشاريع الفاسدة
لدى أهل جدة ذاكرة تحتفظ بالعديد من المآسي التي تعرضت لها مدينتهم من سيول، وهدم، وتسلط، وفساد عظيم، في وقت يتكرس واقع محاربة الدولة للمدينة بالهدم والمشاريع الفاسدة.
وعلى مر العقود الماضية لم يكن لجدة أولوية تطويرية لدى الحكومة السعودية، وعمليات التطوير لم تكن إلا غطاءاً للسلب والسرقة في وضح النهار، لا في جوف الليل.
وعمليات هدد جدة هي مثال واضح على هذه السرقة بحسب صحيفة “صوت الناس” التابعة لحزب التجمع الوطني المعارض.
والمثل الشعبي حاميها حراميها ينطبق على ما حدث ولازال يحدث في مدينة جدة.
فعندما تولى خالد الفيصل أمارة منطقة مكة المكرمة، جاء إلى جدة متعطشاً لإجراء عمليات تغيير كبرى في البنية التحتية لكن بواسطة البلطجة وليس عن طريق خطط مدروسة من قبل أهل الاختصاص.
أقام خالد الفيصل مع مجموعة من التجار اللصوص شركة جدة القابضة لاقتلاع السكان المحليين من جذورهم، وكانت الخطوة الأولى هي حي الرويس في وسط جدة.
تم التعامل مع أهل الحي بطريقة العصابات وليس بنمط الدولة المسؤولة. فقد تم غصب السكان على الأمر الواقع عبر قطع الماء والكهرباء عن الحي دون حتى التفكير في الخطوة القادمة لإعادة إسكانهم، فهذا هو منطق الحكومة المتبع منذ الأزل مع سكان جدة.
ذهب حينها عدد من وجهاء حي الرويس للملك عبدالله وعرضوا له صكوكهم وقالوا له أنهم لن يخرجوا من حيهم، و أخبروه إن كان هناك تطوير فليتم في المناطق الشاغرة شمال أو جنوب جدة وليس في قلب جدة. تم الموافقة على إيقاف هذا المشروع، لكن أحلام خالد الفيصل لم تتوقف عندها.
في عام ٢٠٠٩، اجتاحت جدة السيول وقتلت أكثر من ٥٠٠ شخص ودمرت العديد من البيوت والممتلكات الخاصة.
أعلنت السلطات السعودية، تشكيل لجنة تقصي الحقائق، كانت هذه الكلمة السحرية التي أريد بها امتصاص الغضب الشعبي.
تم تشكيل هذه الهيئة بأمر ملكي. تقول بعض المصادر المطلعة أن التقرير الأول توصل بتورط أمراء نافذين في استخراج صكوك على أراضي غير مخصصة للسكن تقع في مجرى السيل. تم بعد ذلك تعديل تركيبة هيئة تقصي الحقائق لإعادة تخفيف حدة التهم.
تشكلت اللجنة الجديدة حينها من عدد من الجهات منها أمارة جدة، ووزارة الداخلية، وأمانة جدة، وبعد ثلاثة سنوات تم تسليم تقرير اللجنة في مشهد بائس تم بثه على التلفزيون الرسمي.
لم تصل النتائج إلى المفسدين الحقيقيين بالطبع، إنما وضع بعض التجار وأمناء جدة السابقين في الواجهة ليبدأ مسلسل التصفية البيروقراطية للكارثة.
لا يرجوا أحد من أهل جدة شيء من الحكومة، هذا هو صوت الناس المحلي، حيث تعلمنا من التجارب السابقة أن المواطن/ة في هذا الوطن ليس ذا قيمة، وأن كل التصريحات الرسمية التي تتفاعل مع كارثية السيول هي فقط استراتيجيات لامتصاص الغضب الشعبي واحتواء الأزمة. فعلى أرض الواقع، لم يتغير أي شيء منذ كارثة سيول ٢٠٠٩.
لقد كتب وتحدث العديد من أهالي جدة والوطن عن حلول أبجدية وبسيطة في معالجة الكارثة وهي لا تحتاج إلى عبقرية تنفيذية.
لكن الحكومات السعودية لم يكن لديها أدنى رغبة في معالجة جذور الأزمة، كما هو الحال مع جميع الملفات الشائكة. هذه هي طبيعة الأنظمة التسلطية فهي لا تأبه لظروف المواطنين والمواطنات، فكل ما تسعى إليه هو إحكام سيطرتها على الناس حتى في معاناتهم من كوارث طبيعية كنتيجة حتمية لفساد مستشري في البنية التحتية.
لدى الدولة اليوم أجهزة أمن ورقابة قمعية تحكم من خلالهما سيطرتها على المحتوى المتداول بين الناس. التعميمات الأمنية الحالية للجهات الحكومية والخاصة التي أصابها الضرر لا تتوقف بالتشديد عليهم بعدم السماح للناس بتصوير آثار كارثة السيول.
فالمهمة الجسيمة التي تضطلع بها الدولة في هذه اللحظة ليس إغاثة المتضررين، وإيجاد حل عاجل للكارثة الإنسانية التي يعانون منها في توفير مسكن، وسيارة مؤقتة، بل جل هدف السلطة الحالي هو إخفاء حجم الكارثة، ومنع سكان جدة من التطوع لإغاثة ومساعدة الأهالي.
في العقود الماضية كانت الحكومة السعودية الريعية تعطي هامشا لتنمية وتطوير مدينة جدة، لكن ذلك لم يكن مبني أبدا على حل جذري.
لم تكن هناك خطط لإيقاف البناء في مجرى السيل، لم تبن سدود كافية، وليس هناك حتى نظام تصريف للأمطار. اليوم أجهزة الدولة مشغولة باقتلاع المواطنين من جذورهم، وإغلاق أي مساحة للنقد.
من آخر اهتمامات الحكومة التي تطرد الناس من بيوتها، وتهدم أحيائهم، إيجاد حل لأزمة بنيوية تسببت في سيول جدة. وإن خرج شيئا من التصريحات فهي لذر الرماد على العيون، كان الله في عون أهالي جدة وعوض المتضررين والمتضررات خيراً.