بن سلمان وخطر الثورة الشاملة ضد حكمه
يواجه محمد بن سلمان في سعيه للانفراد بعرش حكم المملكة خطر اندلاع ثورة شاملة ضد حكمه في ظل فرضه تغييرات واسعة في المملكة وقيام سلطته على القمع والبطش.
تاريخيا يعد التنافس على السلطة والثروة جزء من الاجتماع الإنساني ومحرّك تطوره وجوهر وجوده. وقد يأخذ هذا التنافس شكلًا عنيفًا أحيانًا، فيما تجري إدارته عن طريق المشاركة في المناصب والمنافع، في أحيان أخرى.
في المملكة بدت القسمة مختلفةً بعض الشيء، منذ بدايتها، ذلك أن التحالف بين أمير الدرعية محمد بن سعود والإمام محمد بن عبد الوهاب قام على أساس معادلة “منا الأمراء ومنكم العلماء”، لنا الدولة ولكم المجتمع، نحن نرسم السياسات وأنتم تتحكّمون بالسلوك.
وفيما أنشأ الأمراء جيشًا، وحرسًا وطنيًا وقوات أمن، صار للعلماء شرطة دينية تفرض القيم والشرائع والأحكام في المجتمع، وتؤكد على تطبيقها والالتزام بها.
على أساس هذه القسمة، قامت المملكة لعقود، لكن ميزان القوى أخذ يميل لصالح الأمراء منذ مذبحة الإخوان (إخوان من طاع الله) عام 1929. والإخوان هم مجاميع من قبائل شمر، عتيبة، العجمان، مطير، والدواسر، ممن هجروا حياة البادية، واستقرّوا في بيوتٍ من الطين تسمّى “الهجر” (جمع هجرة). وقد شكل منهم عبد العزيز جيشًا بلغ عديده عام 1926، بحسب مصادر مختلفة، ما يقرب من 75 ألف مقاتل، أعانه في توحيد المملكة.
لكن الخلاف دبّ بين الطرفين بعد أن استولى عبد العزيز على الحجاز، وطرد الهاشميين منها، اذ اتهمه زعماء الإخوان، وأبرزهم سلطان بن بجاد (شيخ عتيبة) وفيصل الدويش (شيخ مطير) وراكان بن حثلين (شيخ العجمان)، بإدخال البدع والاختراعات الحديثة، ومنع الفتوح والجهاد.
التحول المهم الآخر في العلاقة بين الطرفين جاء مع اكتشاف النفط، إذ سمحت الثروات الهائلة التي تركزت بيد السلطة السياسية في حصول تحول كبير في ميزان القوى لصالح الأمراء، رغم أن العلماء استمروا في ممارسة رقابتهم على المجتمع، وإن بشكل أضعف، وغالبًا ما اصطدموا بالإصلاحات والتحديثات التي كان يحاول الأمراء إدخالها بفعل التغييرات الكبيرة التي كانت تحصل داخل المجتمع، نتيجة الانتقال به من البداوة والتقشف إلى مجتمع الرفاه والثراء وتراجع قوة العصبية (حادثة اقتحام مبنى التلفزيون السعودي في الرياض عام 1965 مثلًا، لأن بثه يتعارض مع تعاليم الإسلام).
ولكن اتفاق تقاسم السلطة أخذ ينهار مع وصول الملك سلمان إلى الحكم عام 2015، وانتهى كليًا مع تولي ابنه محمد ولاية العهد عام 2017، إذ تم حل هيئة الأمر بالمعروف (المطاوعة أو الشرطة الدينية)، وغدت “هيئة كبار العلماء” مجرد جهاز تابع للسلطة السياسية.
والتحدي الأكبر الذي واجه ابن سلمان تمثل في دفع “تيار الصحوة” إلى تأييده، بدلًا من الاكتفاء بصمته وتحييده، ما دفع إلى اعتقال أبرز رموزه والتضييق عليهم (ناصر العمر، سلمان العودة، سفر الحولي، عوض القرني وغيرهم).
نتيجة التغيرات الاجتماعية الكبرى التي شهدتها المملكة خلال العقود الثلاثة الماضية، لم يعد تيار الصحوة بالقوة التي كان عليها في تسعينيات القرن الماضي، بدليل ضعف ردة الفعل على اعتقال رموزه، كما أن الشباب ظهروا أقل تأثرًا بأفكاره.
ويراهن بن سلمان على دعم فئة الشباب من المجتمع، وعلى الثورة الجيلية لتمرير “إصلاحاته” (إنشاء هيئة للترفيه، السماح للمرأة بقيادة السيارة، وحضور مباريات كرة القدم، والانضمام إلى سلك الشرطة، وأخيرًا رفع الحظر عن سفرها من دون إذن وليّها).
واقع الأمر أن بن سلمان يواجه هنا مشكلة مزدوجة: الأولى، توهمه أن في مقدوره التحكّم بمدى وعمق الإصلاحات التي بدأها، والثانية، أن لديه مشكلة في فهم نوعية الإصلاحات التي يتطلبها المجتمع السعودي الشاب (التسلية الرخيصة). بعد أن تذهب “سكرة” الترفيه سوف يواجه الملك المستقبلي مطالب جدّية بالمشاركة السياسية والمشاركة في الثروة.
وإذا لم يستطع بن سلمان بناء تحالف جديد يعينه على الحكم وفق ذلك، فسوف يجد نفسه على الأرجح معلقاً في الفراغ بعد تفكّك تحالفه القديم. هنا سوف يكون على ابن سلمان إما مواجهة المرحلة الأخيرة من الدورة التي وضعها ابن خلدون للدولة والعصبية، وإما حصول ثورة. وهل بدأت كل الثورات في التاريخ إلا بإصلاحات أطلقتها نخب الحكم، ثم فقدت السيطرة عليها؟