معاناة البدون تستمر في السعودية في ظل سياسة التهميش
في ظل التهميش والبطش الحكومي، تستمر معاناة أبناء السعودية، لاسيما من الفئات المهمشة أبرزها ما يطلق عليهم البدون، في ظل سياسة الحرمان والعنصرية والتفريق حال دون إنهاء تلك المعاناة الإنسانية.
وفي هذا السياق، صَرح أحد الناشطين من فئات البدون “عبد الله خليدي” بأن البدون يتعرضون للمضايقات الحكومية، قائلًا: احتجزتني الحكومة أكثر من مرة ولهذا غادرت السعودية.
وحمَل خليدي حكام المملكة السابقين والحاليين مسؤولية تفاقم أزمة البدون؛ في ظل التجاهل الصريح لمعاناتهم واستمرار تهميشهم وحرمانهم من الحقوق، حيث يرى أن الحل الوحيد هو التجنيس الفوري للمستحقين وخاصة حملة الشهادات العليا من أبناء المملكة الأصليين.
من جانبها دعت منظمة سند الحقوقية الجهات المعنية للوقوف بوجه الحكومة السعودية لوقف التهميش الذي يحصل ضد أبناء البلد الذين سلبت حقوقهم المشروعة من التجنيس.
وبحسب المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان فإن قضية الأفراد المحرومين من الجنسية في المملكة لا تزال تراوح مكانها على الرغم من تقديم حكومة آل سعود مرارا وعوداً بحل مشكلتهم. وعلى الجانب الآخر، تستهدف المدافعين عن حقوق (البدون) بأنواع مختلفة من القمع والانتهاكات بهدف كم أصواتهم ومنع تداول المعاناة.
مع بداية الموسم الدراسي في سبتمبر 2019، ظهرت معاناة أطفال البدون في الحصول على حقهم الأساسي في التعليم، حيث انتشر عدد من مقاطع الفيديو لأطفال بعد طردهم من المدرسة في أول يوم دراسي على خلفية عدم امتلاك أوراق ثبوتية ومنها فيديو الطفلة نوار العنزي. وفيما تمّ حلّ المشكلة سطحيا، فإن السعودية لا تزال تحرم فئة البدون من كثير من حقوقهم، ومن ذلك الحق الكامل في العمل والحق الكامل في التعليم العالي وغيرها، والتي كانت المنظمة الأوروبية قد وثقت عددا منها في تقارير سابقة.
قضية الحرمان من الجنسية تداولها مقرّرون خاصّون في الأمم المتحدة، حيث وجه كل من المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين، والمقرر الخاص المعني بشؤون الأقليات، والمقررة الخاصة المعنية بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، رسالة إلى الحكومة السعودية في فبراير 2019، أشارت إلى قضية كل من خاتم فرج الله ووالده ماجد فرج الله، الفلسطينيين. الرسالة أوضحت أنهما يحملان الجنسية الفلسطينية إلا أنهما بحكم الأمر الواقع باتا في عداد عديمي الجنسية. المقررون أشاروا إلى أن الحق في في الجنسية معترف به ومحمي بموجب القانون الدولي.
تعاني فئات متعددة في المملكة جراء التطبيق العملي للقوانين التي تتعلق بالجنسية، وكذلك المتعلقة بالإقامة. وبشكل تقريبي، تعتقد المنظمة أن عددهم قد يصل إلى ثلاثة ملايين، بين فئات بلا جنسية، وفئات لديها إقامات بأشكال متنوعة ولكنها تعاني من تعقيدات وصعوبات جمة.
ولدى نظام آل سعود السجل الحقوق الأسوأ على مستوى العالم في تهميش القبائل والتعسف بأبسط حقوقهم الأساسية في تعبير صارخ عن جرائم آل سعود وممارسته تمييز عنصري يخالف القوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان.
ويتجاهل النظام السعودي سنوات من المطالب المتكررة للقبائل المهمشة في المملكة والتي يبلغ عدد أفردها عشرات آلاف الأفراد، وإنهاء الظلم الواقع عليهم وما يتعرضون له من انتهاكات تعسفية لحقوقهم.
ولطالما تحرك أعيان من قبائل “قحطان” و”همدان” و”بني خالد” و”عنزة” عبر المنابر الحقوقية والإعلامية المتعددة أملاً في تحصيل حقوق البدون في المملكة وإيصال مناشدتهم، غير أن تلك المطالب ظلت تقابل بتجاهل ظالم من آل سعود.
ويعاني البدون في المملكة من استمرار المماطلة الرسمية من آل سعود إزاء مطالبهم بحل ملفهم والاعتراف الرسمي بهم كحق أساسي لهم بعد ظلم يتعرضون له منذ عقود طويلة ويمارس بحقهم تمييز ظالم يخالف كل المعايير الدينية والحقوقية.
واقع تعسفي ظالم
والبدون في المملكة يعيشون منذ عقود طويلة تحت واقع تعسفي ظالم بحكم أن حياتهم مجمدة وتفتقد إلى الخدمات الضرورية في مجالات الاستشفاء والتربية والزواج والمعاملات المالية وغير من أبسط الحقوق الأساسية التي يتم منحها للمواطن العادي في أي دولة تحترم حقوق الإنسان.
ويبلغ عدد البدون في المملكة أكثر من 150 ألف شخص، ورفع هؤلاء على مدار السنوات الماضية آلاف القضايا عبر جمعيات حقوقية للمطالبة بإنصافهم ورفع “الظلم” الواقع عليهم، لكن من دون استجابة جدية من السلطات بالمملكة.
ويتكون البدون من عدة قبائل نازحة، وهم من قبائل “عنزة” و”شمر” و”بني خالد” و”الأساعدة” من “عتيبة” ينتشرون شمالي المملكة.
وهُم مجموعات من قبائل عربية من البدو الرحّل يعيشون بين الحدود السعودية والعراقية والكويتية والسورية والأردنية، وبدأت معاناتهم عند وضع الحدود السياسية بين دول المنطقة.
كما يوجدون في جنوبي المملكة ومن هذه القبائل “آل كثير” و”المصعبين” وبعض قبائل “العوالق” و”النسيين” و”خليفة” و”الكرب” و”همام” و”بالحارث” والبعض من قبائل “قحطان” و”همدان”.
وقد توجه ممثلون رسميون عن هؤلاء مراراً وتكراراً إلى سلطات آل سعود بشكل مباشر أو عبر منظمات حقوقية لإنهاء الظلم الواقع عليهم والاعتراف بهم كمواطنين رسميين، لكنهم ظلوا يقابلون بتهميش ووعود تتحول إلى مماطلة امتدت عقوداً.
جيل كامل من الحرمان
وفي صفوف البدون في المملكة جيلا بأكمله يشعر أن الجنسية لم تعد ذات منفعة شخصية له إنما لأولاده وأحفاده، فهم ينتظرون منذ 35 عاماً ويتضاعفون سنويا دون أن يتحصلوا على أبسط حقوقهم.
ويرزح “البدون” في المملكة تحت ظروف إنسانية واقتصادية واجتماعية صعبة للغاية؛ إذ يعانون من المعااملات القانونية غير الملائمة وتتفاقم أوضاعهم في ظل الواقع المرير؛ بحيث يزداد معدل الحالات الإنسانية الصعبة، سواء بالنسبة للنساء والأطفال وكبار السن، وجميعها حالات تتطلب تدخلاً عاجلاً من الدولة لتعديل أوضاعها.
وقال شيخ من قبيلة السبعة من عنزة السعودية: “بالنسبة لمن لا يحملون جنسية (البدون) من القبائل النازحة يمكن القول إن حال هؤلاء لا يسر؛ فأبناؤهم لا يعالجون في المستشفيات، وتعليمهم يواجه مصاعب، ولا يجدون فرصة للحصول على الوظائف؛ ما يجعلهم عالة على المجتمع”.
وأوضح أنه حتى الذين تم تجنيسهم خضعوا للمادة (9) التي تنص على عدم حصول أبنائهم على وظائف عسكرية أو رسمية، ولا يحق لهم الالتحاق بالتعليم، كما لا حق لهم في العلاج، وحتى المصارف لا تتعاون معهم بتاتاً.
أقسام متعددة جميعها تعاني
وينقسم البدون إلى ثلاثة أقسام: الأول “بلوش البريمي” وهم سكان منطقة البريمي الحدودية بين السعودية وعُمان، والثاني: الجاليات الإسلامية من آسيا التي استوطنت مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف وجدة كالبخارية، والتركستان، والبرماوية والإندونيسية، أما الثالث: فالجاليات العربية والأفريقية التي استوطنت بعد أداء العمرة والحج.
ولا يملك البدون خياراً آخر للحصول على الجنسية في أماكن أخرى من العالم، ولم ينجح النظام السعودي في الوصول إلى حل ناجع لمشكلتهم.
وأخذ نظام آل سعود تعهدات على البدون لتقديم وثائق تثبت أصولهم، حتى العام 2020، ما يثير المخاوف من احتمالية ممارسة خيارات أكثر قسوة عليهم، أو ترحيلهم من البلاد التي هي في الأصل بلادهم تماماً.
ويعاني البدون من البطالة، وتواجه بناتهن العنوسة ولا خيار أمامهن سوى الزواج العرفي بسبب استحالة الحصول على صك زواج لعدم وجود الرقم الآلي.
وعلى الرغم من أن نظام آل سعود استصدر بطاقات سوداء لهم فإن هذه البطاقات لا تعترف بأنهم من سكان الجزيرة الأصليين، وإنما تعتبرهم بدواً نازحين من الدول العربية المجاورة.
كما أن حملة البطاقات السوداء من البدون لا يحصلون بسهولة على جواز سفر للعلاج أو الدراسة في الخارج، لكن السلطات تمنح البعض تذكرة مرور مدتها ستة أشهر لسفرة واحدة، كما لا يستطيعون الذهاب لأي دولة خليجية، والتجديد يستغرق أشهراً ويشمل الجميع كباراً وصغاراً إناثاً وذكوراً.
وحملة البطاقة السوداء ليس بإمكانهم تسجيل أكثر من سيارة باسمهم أو تملك عقار، منزلاً كان أم أرضاً، كما أن بعضهم يواجه صعوبات في دفن موتاهم، فقد منحتهم السلطات السعودية هذه البطاقات على أساس فترة زمنية مؤقتة لكن المؤقت أصبح دائماً.
كما أن بعضهم يواجه صعوبات في دفن موتاهم، ولا يحق لهم فتح حساب بنكي وإصدار شرائح اتصالات خلوية فقد منحتهم السلطات السعودية هذه البطاقات على أساس فترة زمنية مؤقتة لكن المؤقت أصبح دائماً.
ممنوعون حتى من التنقل
والبدون محرومون من التنقل بين المدن بدون هوية وأغلبهم في السعودية لا يمكنهم ركوب طائرة أو الحصول على رخصة قيادة ولا يسمح للبدون في المملكة بالزواج فهناك 10 آلاف حالة زيجات مخالفة تمت بدون توثيق حتى عام 2014م.
وتوجد غالبية البدون في أحياء النظيم والنسيم والجنادرية في الرياض، وفي حفر الباطن والمنطقة الشمالية من رفحاء وعرعر إلى القريات والجوف.
ومشكلة البدون في المملكة مشكلة تراكمية، وتعد من المشاكل القديمة منذ أكثر من 60 عاماَ وامتنعت السلطات السعودية حتى الان عن الوفاء بتعهداتها فيما يتعلق بتوفير خدمات الرعاية الصحية والتعليم المجاني وفرص العمل لهم.
وصنفت حقوق الأنسان البدون إلى فئات خمس الفئة الأولى: هناك اعداد من أفراد البدون سحبت منهم هوياتهم وفقا لبلاغات تفيد بعدم نظامية حصولهم على الهوية الوطنية الرسمية السعودية، على رغم أن اغلبهم يملكون أوراقاً تثبت أنهم سعوديو الأصل والمولد والمنشأ ، بشهادة شيوخ قبائلهم كونهم من أصول سعودية.
الفئة الثانية: أشخاص من البدون سحبت هوياتهم ولم ترد لهم عند تقدمهم إلى اللجنة المركزية لحفائظ النفوس (السجل المدني – أو وكالة الأحوال المدنية بالرياض) لتصحيح بيانات هوياتهم، لأسباب تعود لعدم ثبوت انتمائهم القبلي السعودي، علي الرغم أنهم يملكون وثائق تفيد بانتمائهم لإحدى القبائل السعودية.
الفئة الثالثة: هم الحلفاء الذين صدرت لهم بطاقة الخمسة أعوام ولم يمنحوا الجنسية ، على رغم وجود قرار ملكي صادر عام 2001 ، والقاضي يفيد منح الجنسية السعودية لكل من يحمل بطاقة الخمسة أعوام وأسرته وهو ينتمي إلى إحدى القبائل السعودية.
الفئة الرابعة: التي قدمت للسعودية لأداء فريضة الحج أو العمرة أو عبر الحدود من الدول العربية ومكثوا بطرق غير قانونية ويحملون الجنسية الأم لبلادهم ولكنهم يقومون بإخفائها لعدم ترحيلهم موطنهم الأصلي.
والفئة الخامسة: هم أشخاص صدرت لهم موافقة للحصول على بطاقات الهوية الوطنية وينتظرون الي الأن انتهاء الإجراءات الإدارية والتي لم تنته بعد، ونتج عنها وجود عدد كبير من الأشخاص الذين لا يملكون هوية وطنية أو إثباتات شخصية أو أوراق ثبوتية مما تسبب في اهدار حقوقهم.
تعمد التهميش الرسمي
والعقدة في ملف البدون تكمن في الجهات التنفيذية الدنيا، وانها تعمل بشكل بطيء وبدون وضع سقف زمني للإنجاز مما يساهم في تعقيد المشكلة وحرمان هؤلاء الأشخاص من معظم حقوقهم ، وخاصة في وقتنا الحالي الذي يعتمد على رقم السجل المدني أو رقم الإقامة.
وان تفاقم مشكلة فئة البدون وتحديدا من لا يحمل أوراقا ثبوتية منهم أو من أوقفت سجلاتهم المدنية، قد تزيد الأمر سوءا لهؤلاء الأشخاص لعدم حملهم ما يثبت هويتهم، مما يعرضهم للإبعاد او الإيقاف في ظل عدم وجود بلد يستقبلهم بهذا الوضع. ولابد من إيجاد حلول عاجلة، والتي من بينها (إعادة سجل من كان له سجل ، وتجديد من انتهت بطاقته أو جوازه، ومنح من لا يحمل منهم أوراقا ثبوتية أو بطاقة تبين حالته).
وسبق أن طالبت منظمات حقوقية دولية في عشرات المناسبات آل سعود بضرورة إنصاف البدون وتخليصهم من واقعهم كمعدومي جنسية عبر الاعتراف الرسمي بهم كحق أساسي لهم بعد ظلم يتعرضون له منذ عقود طويلة.
وتؤكد المنظمات الحقوقية أن الأقلية القليلة من فئة البدون الذين حصلوا على الجنسية السعودية حُرموا من الوظائف العسكرية والرسمية، ومن معظم الحقوق التي يحصل عليها المواطن.