تحقيق: سياسات محمد بن سلمان فاقمت أزمة التملك السكني في السعودية
تكشف الحقائق والمعطيات تفاقم أزمة التملك السكني في السعودية بفعل سياسات ولي العهد محمد بن سلمان الذي روج طويلا لمشاريع براقة أعلنها ضمن رؤية 2030 المزعومة لتنويع الاقتصاد.
وخصص بن سلمان في رؤيته المزعومة لإنقاذ الاقتصاد السعودية، مطولات للحديث عن حلّ أزمة السكن التي سئم المواطنون من الإعلان عنها مع عدم التماس أي تبدّل في أسعار العقارات.
ولمن يراجع مشاريع 2030 المرسومة بهدف التطبيق، مشاريع سكنية مبهرة في الشكل والعنوان إلا أنها لا تقف على أرضية صلبة في الاقتصاد، حيث لا يبدو هدف التخلي عن النفط كمصدر أساس للواردات في البلد الأغنى بالذهب الأسود قابلة للتحقق عملا بالرؤية السعودية.
وفيما يتعلق بأزمة السكن التي خصّصت الرؤية جزءا مهما لشرحها، قال بن سلمان إنه سيصار إلى تسهيل الحصول على القرض العقاري وتنمية القروض السابقة وادعى أن العمل سوف يكون من أجل رفع نسبة التملك.
إلا أنه وبعد 5 سنوات وعوضا عن التخفيف من الأزمة تفاقمت واتسعت نسبة السكان الذين يحتاجون لتملك سكن في ظل ارتفاع أسعار الإيجارات بشكل لافت منذ عام 2017 بنسبة تقارب 20%.
وفي حين يعاني أكثر من 80% من المواطنين من فقدان حق امتلاك منزل، فإن الرؤية التي صاغتها مجموعة ماكنزي وشركات أخرى حوت قضية السكن فيها أرقاما متضاربة.
إذ أشارت الرؤية أن نسبة التملك الحالية يبلغ 50% وطموحها يستهدف رفع النسبة إلى 60% عام 2020، غير أن صندوق النقد الدولي استبق الرؤية بعامين وأكد أن نسبة تملك السعوديين لا تتجاوز 36%، الأمر الذي يظهر تباينا كبيرا في الأرقام المتبناة من قبل الحكومة السعودية.
يضاف إلى لعبة الأرقام الممارسة، تقوم السلطات بعمليات طرد وتهجير جماعي للمواطنين السعوديين في عدد من المناطق دون تأمين أي بديل سكني لهم.
في واقع الحال، ترتبط أزمة السكن بأزمة الموازنة من خلال تقليص ما يتم رصده فيها من خدمات وتمويل للمشاريع.
فأمام قرار السلطة القاضي بتوظيف نسب أكبر من السعوديين في القطاعات الخاصة لا بد أن تشهد “المملكة” انخفاضا في نسب الوافدين الأمر الذي لم يتحقق، حيث سجل عددهم هذا العام 13 مليون وافد، إلى جانب ارتفاع عدد المواطنين من 20 مليون إلى 27 مليون هذا العام.
إن طموح بن سلمان إلى تحويل الرياض إلى “مدينة نموذجية”، بمعنى أن يتضخم عدد سكانها لا يمكن تحقيقه في ظل البنية التحتية والخدمات الحالية المتوفرة، حيث في ظل التبدلات المناخية وما تشهده الرياض من فياضانات وسيول.
وأمام ذلك بات لزاما على المعنيين التعاطي مع مشاريعهم بشكل مختلف يلحظ هذه التبدلات المناخية الطارئة والتي فضحت سوء البنى التحتية وعدم قدرة الجهات المعنية عن التعامل مع المتغيرات الحاصلة.
فضلا عن كونها لا تتمتع بالجاذبية المطلوبة للسكن، كما تعتمد في الكثير من الخدمات على باقي المحافظات، حيث يتم استجرار المياه إليها من المنطقة الشرقية في القطيف والإحساء.
في الوقت ذاته تمتنع السعودية عن استغلال المساحات الشاسعة المتاحة لتعمل على تنميتها وتوسيع العمران فيها لما يعكسه الأمر من انخفاض سعر الأرض على المواطن، فنراها تتبنى سياسة مركزة المشاريع السكنية في الرياض.
يعود انخفاض نسبة التملّك في السعودية إلى اجحاف في سياسة توزيع الأراضي المعتمدة تطال شريحة واسعة من المواطنين لناحية الاستنسابية وتعقيد الإجراءات لحصر المستفيدين في فئة معينة ومنطقة معينة، كما قد يكون نتاج انخفاض في مستوى دخل الأسر.
إن غياب المكاشفة والانطلاق من أرقام لا غير واقعية لإجمالي عدد السكان في السعودية يكبد المقيمين الكثير من المتاعب، حيث ينعكس الأمر غشاوة على إجمالي عدد العاطلين عن العمل، والعوائل الفقيرة، والوظائف المتوافرة.
وقد اتبع بن سلمان في رؤيته، سياسة تقليص مدة تسديد القرض السكني من 30 عاما إلى النصف، وبالتالي إن بن سلمان يكبد المواطن أعباء إضافية دون أي تصحيح للأجور، حيث تأتي هذه القرارات بالتوازي مع ازدياد نسب الضرائب والرسوم المفروضة عليهم.
تشير تقديرات شركة الإستشارات “سي.بي ريتشارد إيليس” إلى أن نحو 60 بالمائة من المواطنين يعيشون في شقق مستأجرة، ولعل ما يزيد من حجم التعثر والأزمات في الوقت الراهن، زيادة الضرائب على القيمة المضافة وهي تشمل العقارات، التي تسجل الصفقات الرسمية هبوطاً بلغ أدنى مستوياته منذ بداية يوليو/تموز الماضي، وصلت نسبته إلى 84 بالمائة.
كما ترجح التوقعات ازدياد مستوى أزمات هذا القطاع بشكل متصاعد مع الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تضرب العصب الاقتصادي في مختلف القطاعات.
يشار إلى أن “وزارة الاسكان”، التي لم تؤمن حلول للعوائل والأسر بشأن واقع الوحدات السكانية للتخفيف من وطأة الأزمات، بل عمدت إلى زيادة الأوضاع سوءا مع إعلانها مؤخراً، أنها أوقفت مدفوعات اثنين من برامجها لدعم الرهن العقاري، التي تشمل “برنامج القروض بدون فائدة للعسكريين الذي يغطي 20% من العقار، أو ما يصل إلى 140 ألف ريال سعودي (37 ألف دولار).
كما تم إيقاف خطة أخرى تقدم للمواطنين مساعدة تصل إلى 95 ألف ريال أو 10% من الممتلكات”. كل ما ورد، يأتي بالتزامن مع تفاخر صحيفة “عكاظ” الرسمية بما زعمته “دراسة عالمية حديثة” عن أن “أسعار تملك المنازل في السعودية تعتبر الأقل عالمياً خلال العام 2021.
إذ قدرت الدراسة إجمالي ما يدفعه السعوديين سنوياً لكل 100 متر مربع بنحو 20,355 دولار، أي ما يعادل 76 ألف ريال سعودي”.
وأظهرت الدراسة التي أجرتها الشركة البريطانية أن “أسعار تملّك المنازل في السعودية مقارنةً بمتوسط الدخل السنوي الكامل للسعوديين مع حساب الأرباح المحتملة من التمويل تعادل 22% من تكلفة المنزل بأكمله، مشيرةً إلى أنه خلال أقل من 5 سنوات يمكن للأسرة شراء منزلها إذا ما تم استقطاع كامل الراتب دون إنفاقه على الالتزامات الأخرى”.