في اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب.. جرائم آل سعود تتصدر الواجهة
في اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب تبرز جرائم النظام السعودي بحق معتقلي الرأي في ظل ممارسته التعذيب الجسدي والنفسي على نطاق واسع في غياب قضاء مستقل ينصف الضحايا.
ويعد التعذيب ممارسة ممنهجة لانتزاع اعترافات من الضحايا في سجون آل سعود أو معاقبتهم للانتقام منهم على نشاطهم ما أدى إلى وفاة عدد كبير من المعتقلين وإعاقات وإصابات دائمة أو مؤقتة لعشرات آخرين.
وعلى الرغم من مضي أكثر من 20 سنة على انضمام المملكة لاتفاقية مناهضة التعذيب في 1997، وما تتضمنه مادتها العاشرة التي تنص على أن (تضمن كل دولة إدراج التعليم والإعلام فيما يتعلق بحظر التعذيب على الوجه الكامل)، إلا إنه لا يكاد يلحظ قيام السعودية بأدوار كافية في التوعية والتثقيف والتعليم فيما يتعلق بانضمامها لمناهضة التعذيب.
ومن ذلك عدم ملاحظة دور ملموس للحكومة السعودية في اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، الذي يصادف 26 يونيو من كل عام ويعتبر المناسبة السنوية الأهم فيما يتعلق بمناهضة التعذيب حول العالم.
وعلى النقيض من ذلك، لا تزال السعودية تمارس التعذيب الجسدي والنفسي على نطاق واسع ضد المعتقلين، مصحوباً بالمعاملة المهينة والمذلة والحاطة بالكرامة، ولاتستثني في ذلك التعذيب حتى الأطفال.
الأخطر والأكثر قلقاً أن التعذيب في السعودية لا يمارس من خلال تصرفات فردية عشوائية، بل يمارس عبر جهاز رئاسة أمن الدولة الذي أنشأ بأمر ملكي في 20 يوليو 2017.
وقد نص الأمر الملكي على أن الجهاز يرجع مباشرة إلى رئيس مجلس الوزراء الذي هو الملك وفق (النظام الأساسي للحكم) في السعودية، ما يعني أن الملك سلمان متورط بمسؤولية مباشرة عن حوادث التعذيب، خصوصاً تلك التي تصدر من جهاز رئاسة أمن الدولة.
وبسبب عدم وجود قضاء مستقل، فإنه من المتعذر الانتصاف لضحايا التعذيب حينما يكون الخصم هو الملك أو جهاز رئاسة أمن الدولة التابع للملك مباشرة.
وبحسب المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان وتقارير منظمات أخرى رُفعت إلى المقررين الخاصين بالأمم المتحدة ولجنة مناهضة التعذيب، إن سلطات آل سعود تستخدم آليات متعددة في تعذيب المعتقلين بهدف انتزاع اعترافات أو لأهداف انتقامية.
الفلقة: طريقة قديمة تُنفذ بربط القدمين بعصا أو لوح خشبي وضرب أسفل القدمين بعصا أو خيزران أو سلك معدني.
الصعق بالكهرباء: عبر لمس جسد الضحية بقضيب كهربائي يصدر طرفه شحنات كهربائية عالية تصعق الجسد. في بعض الأحيان يترك الصعق آثاراً على الجسد. يتم استخدام الصعق الكهربائي على مختلف أماكن الجسد، بما في ذلك الأعضاء التناسلية.
التعليق: تستخدم هذه الطريقة في التعذيب بطرق مختلفة، بينها التعليق من الأيدي أو من الأقدام. أثناء التعليق قد يتعرض الضحية للضرب أو الصعق الكهربائي وهو في هذا الموقف الضعيف، ما ينتج عنه آلام مضاعفة. ينتج عن التعليق في بعض الحالات تلف طويل الأجل في الأعصاب أو الأوتار.
الحرق بالسجائر: يتم إطفاء السيجارة المشتعلة على الجلد، ما يؤدي إلى الحروق والتقرحات والندب.
الركل والصفع واللكم العنيف: يتعرض معظم المعتقلين لهذا النوع من التعذيب. يتسبب ذلك بآلام وخوف ويمكن أن يترك آثاراً مرئية مثل الكدمات والكسور، وكذلك يتسبب بأضرار داخلية مثل النزيف. في كثير من الحالات يكون ذلك عبر أدخال الضحية لغرفة خاصة، ومن ثم يدخل فيها عدد من عناصر المباحث “المقنعين” الذين تكون مهمتهم إنزال الضرب المبرح على الضحية بشكل جماعي. يعمد جهاز المباحث أحيانا لتأخير زيارة الأسرة، حتى يتشافى جسد الضحية من كدمات وآثار الضرب.
الضرب بمختلف الأدوات: يتم استخدام أدوات مختلفة لإلحاق الألم الشديد. يمكن أن تكون أداة حادة، وقد تكون أداة من مواد مختلفة مثل الخشب أو المعدن.
التقييد: يتم استخدامه لساعات أو أيام ويؤدي إلى صعوبة في أداء احتياجات الضحية، كالأكل أو الحمام أو الصلاة، تنتج عنه ألم في الأطراف وآثار مؤقتة، وقد يتم في بعض الأحيان الضغط بالكلبشات على معصم أو ساق الضحية لإحداث ألم أثناء فترة التقييد.
المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة
إلى جانب التعذيب الجسدي، تمارس السعودية أنواع مختلفة من أنواع المعاملة السيئة أو المهينة، وثقت المنظمة عددا منها:
الحبس الانفرادي: يخلق هذا النوع أزمات نفسية للمعتقل، وقد يطول في بعض الأحيان لأكثر من سنة، ويتم استخدامه حتى مع الأطفال لمدد طويلة، وغالبا يوضع المعتقلين فيه بداية اعتقالهم في سجون المباحث، ويحرمون اثناءه من التواصل. أيضا قد يتم استخدامه في أي أوقات أخرى، مثل إعادة التحقيقات أو كعقوبات. من الأشكال الجديدة في ممارسة الحبس الانفرادي هو تخصيص زنزانتين للمعتقل، يكون وقت النوم في واحدة، ويكون في الأخرى طيلة النهار واقفا أو في أوضاع أخرى مجهدة ومؤلمة.
الحرمان من التواصل مع العالم الخارجي: يتم منع المعتقل من التواصل مع العالم الخارجي لمدد متفاوتة، ولا يعطى فرصة الاتصال أو الزيارة لأسرته، كذلك لا يسمح له بالتواصل مع محامي.
الحرمان من الطعام والماء: يتم استخدامه بهدف الضغط على الضحايا أو معاقبتهم أو التشفي منهم.
الحرمان من استخدام الحمام: يبقي الضحية في حالة نفسية سيئة، وتضطره لتلبية رغبات المحققين للتخلص من هذا الحرمان.
الحرمان من النوم: يحدث هذا عادة على مدى أيام، ويتم استخدام عدة طرق لضمان الحرمان من النوم، مثل استخدام الأضواء الساطعة، أو الأصوات العالية، أو التهديد أو الضرب إذا غفي.
الحرمان من الرعاية الطبية: يستخدم ذلك بشكل واسع وبدرجات مختلفة، أحيانا للمعاقبة أو من أجل انتزاع اعترافات الضحايا، وإبقائهم في حالة ألم وزيادة حالتهم الطبية سوءًا. كما إنه في كثير من الأحيان لا تقدم الرعاية الطبية بشكل مريح للمرضى السجناء، وذلك بسبب تباطؤ الخدمات وعدم الاهتمام الكافي بهم.
الترهيب النفسي: يتشكل الترهيب النفسي عادة من خلال تهديدات توجه للضحية مباشرة، أو تهديدات له بإلحاق ضرر بأفراد أسرته. ذكر عدد من المعتقلين في دفاعهم أن المحققين هددوهم بجلب زوجاتهم أو بناتهم للمعتقل إذا لم يقوموا بالتوقيع على اعترافات كتبها المحققين بأنفسهم.
الإهانات والازدراء: عبر توجيه كلمات جارحة أو مهينة لمعتقد المعتقل أو لمنطقته أو مدينته.
تؤكد الحكومة السعودية في التقارير التي ترفعها إلى لجنة مناهضة التعذيب، وآخرها عام 2016، إنها ملتزمة بتعهداتها بمنع كافة أشكال التعذيب، والتحقيق في حال وجود شكاوى تعذيب من قبل الضحايا، وضمان عدم استخدام اعترافات منتزعة تحت التعذيب في المحاكمة، لأن “اعترافات المكره وتصرفاته لا تصح ولا يترتب عليه أي أثر”، وأن من غير الجائز “عزل المتهم عن وكيله أو محاميه”.
إضافة إلى ذلك كرر المسؤولون السعوديون نفيهم لوجود تعذيب في السجون بينها تصريحات لمدير عام السجون عام 2011، كذلك بيان ألقته السعودية في مجلس حقوق الإنسان في 8 مارس 2016 في دورته الواحدة والثلاثين، أكدت فيه أن الأنظمة والتشريعات المحلية تكفل حماية المعتقلين من التعذيب، وتحظر الاعتماد في الأحكام على اي اعترافات انتزعت بالإكراه.
كما تتناقض مزاعم الحكومة السعودية التي تطلقها في المحافل الدولية، مع ما يؤكده الضحايا من التعذيب الواسع الذي يمارس في مراكز التوقيف والسجون وخصوصا سجون المباحث.
وتتناقض مزاعم الحكومة مع العديد من المرافعات القضائية التي أشار فيها المحامون والضحايا لممارسة التعذيب والإكراه في التحقيقات، والإجبار على أقوال محددة، وهذا ما أشارت له أيضا رسائل بعثها مقررين خاصين إلى الحكومة السعودية. إضافة إلى ذلك تطرح مزاعم السعودية بعدم وجود تعذيب، علامات استفهام حول أسباب استمرار تجاهل طلب زيارة كان قد قدمه المقرر الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية في العام 2006 وأعاد التذكير به عام 2007 و2010.
وأعاد المقرر طلب زيارة ثانية في يناير 2017 بغرض إجراء الزيارة خلال 2017 ولكنها لم تتحقق. بالمقابل تجري الحكومة السعودية جولات انتقائية لبعض الإعلاميين أو الوفود الدبلوماسية وفق مسار محدد تختاره هي بنفسها، على عكس زيارة المقررين الخاصين في الأمم المتحدة، التي يفترض أن تتوفر فيها ضمانات وتسهيلات مثل حرية التنقل وحرية التحقيق والنفاذ الغير مقيد للسجون، وهذا ما لا يتناسب مع الحكومة السعودية.
إدانة دولية
وكانت لجنة مناهضة التعذيب قد أكدت في تقريرها أن السعودية بلد يمارس التعذيب ولا يمتلك تعريفا واضحاً له في القوانين بما يضمن عدم حصوله، وذلك في تقرير ختامي (CAT/C/SAU/CO/2) كجزء من الاستعراض الدوري الثاني في يونيو 2016.
وأشار التقرير أيضا إلى أن المعلومات تفيد بان “التعذيب يعتبر ممارسة عادية في السجون ومراكز الاحتجاز في الدولة الطرف، لاسيما في فروع دائرة التحقيق الجنائي التابعة لوزارة الداخلية، ومراكز الاحتجاز التابعة للمباحث”.
ويشير رصد وتوثيق المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان لعمليات التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية التي يتعرض لها المعتقلون في السجون السعودية، إلى جانب التقارير الأممية، إلى أن ممارسة التعذيب هي ممارسة ممنهجة تهدف إلى انتزاع اعترافات من الضحايا أو معاقبتهم للانتقام منهم على نشاطهم.
وإلى جانب المحققين الذين يمارسون التعذيب، يلعب قضاة التصديق دورا رئيسيا في مسار إخضاع الضحية وإجباره على المصادقة على الأقوال التي كتبها المحققين أو على أقواله التي تلاعبوا بها بما يدينه، فيقوم المحققين والجنود بتهديد الضحية بالتعذيب في حال لم يصادق على الأقوال أمام القاضي، كما أن القاضي لا يعير اهتماما حينما يشتكي الضحية لهم أن الأقوال المدونة نتيجة للتعذيب والإكراه، ولا يقدم له حماية قانونية، وبذلك يحاصر الضحية بين التوقيع على أقوال قد تقود لقطع رأسه أو الرجوع للتعذيب الوحشي، فيتم التوقيع للخلاص من العذاب، ومن ثم يتعامل القضاء مع الأقوال كحجة على الضحية على اعتبارها “إقرارات” صادرة منه “بإرادة حرة”.
وعلى الرغم من أن السعودية عضو في اتفاقية مناهضة التعذيب إلا أنها لا تلتزم بتعهداتها التي تتعلق بالتحقيق في مزاعم التعذيب، حيث تتجاهل تأكيد الضحايا خلال المحاكمات أمام القضاة بتعرضهم للتعذيب.