الإخفاء القسري والاغتيال طرق بن سلمان لإحكام سلطته
قال موقع “بيزنس إنسايدر” الأمريكي إن ولي العهد محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة لما يزيد قليلاً عن ثلاث سنوات – سّرع خلالها سلسلة من الإجراءات الداخلية التي غيرت وجه البلاد تمامًا.
وأوضح الموقع الإخباري – في تحليل كتبه الصحفي المقيم في لندن والمتخصص في الشأن السعودي بيل بوستوك – أنه على الرغم من ذلك، تقوضت هذه التطورات وطمست على الساحة العالمية، بسبب رغبة بن سلمان المستمرة في سحق التهديدات التي تواجه شرعيته.
وذكر أن أحد الصحفيين قُتل (في إشارة لجمال خاشجقي)، وأسكتت أصوات النشطاء، وتعرض المنشقون الذين يعيشون في المنفى للاختراق أو التهديد، كما سُجن أفراد من العائلة المالكة وأجبروا على الركوع.
واستدرك: بعد كل ضربة، كان المجتمع الدولي في المجمل يدين محمد بن سلمان، ولكن في كل مرة وبمجرد خفوت التغطية الإخبارية، كانت المياه تعود إلى مجاريها.
وقال بوستوك: إن محمد بن سلمان يحاول الآن مرة أخرى إسكات التهديدات الخطيرة التي تواجه حكمه، إلا أن التداعيات هذه المرة قد تكون أشد خطورة.
وأشار إلى أن صعود بن سلمان إلى السلطة لم يكن أمرًا روتينيًا، فعلى مر السنين منحه والده الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود المزيد من المسؤوليات، وفي يونيو (حزيران) 2017، وافق في نهاية المطاف على تنحية الأمير محمد بن نايف – الذي كان ولي العهد آنذاك – جانبًا لصالحه.
ورحب الكثيرون بالأمير الذي يصف نفسه بالإصلاحي، لكنهم مع ذلك يشعرون بالقلق إزاء طبيعة صعوده للسلطة. والآن، يريد محمد بن سلمان إنهاء الأمور المُعلقة وحماية سمعته.
وذكر بوستوك أن التهديد الأول والأكبر لحكم محمد بن سلمان هو محمد بن نايف نفسه، إذ أنه شخص مُفضل لدى الولايات المتحدة، كما أنه نقطة التجمع الوحيدة للمعارضة التي تواجه مطالبة بن سلمان بالعرش، موضحًا أن ابن نايف هو ابن شقيق الملك سلمان وابن عم محمد بن سلمان.
أما التهديد الثاني فهو مساعد بن نايف، رئيس المخابرات السعودية السابق سعد الجبري، الذي يعيش في المنفى في كندا منذ أن أصبح بن سلمان وليًا للعهد في يونيو (حزيران) 2017.
وكلا الرجلين يحظيان بارتباطات قوية في الولايات المتحدة، ولديهما ما يكفي من المعلومات عن النظام السعودي تكفي لإلحاق الضرر بمكانة بن سلمان، ربما بشكل لا يمكن إصلاحه. وقد عمل الجبري في المخابرات السعودية لمدة 40 عامًا قبل أن يفر من المملكة عام 2017.
ونقل الكاتب عن صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية قولها إن ابن نايف رهن الإقامة الجبرية بالفعل منذ الإطاحة به من منصب ولي العهد في يونيو 2017. ووفقًا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، فهو يخضع حاليًا لرقابة حراس موالين لمحمد بن سلمان، مضيفة أن الأخير اعتقل بن نايف رسميًا في 6 مارس (آذار) 2020، بتهمة التآمر للاستيلاء على العرش السعودي من الملك سلمان ومحمد بن سلمان.
وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن المحققين السعوديين اتهموا بن نايف باختلاس 15 مليار دولار عبر شركات وهمية كان يديرها لتمويل عمليات مكافحة الإرهاب المشتركة بين وكالات المخابرات السعودية والأمريكية، رغم أنه ليس من الواضح كيف خلصوا إلى هذا الرقم. كما جُمدت ثروة عائلته التي تبلغ 5.6 مليار دولار.
وتطرق كاتب التحليل بوستوك أن الجبري رفع دعوى قضائية، في وقت سابق من هذا الشهر، ضد بن سلمان أمام محكمة فيدرالية أمريكية في العاصمة واشنطن. لافتا إلى أن ضابط المخابرات السابق زعم في دعوته القضائية الصادمة أن بن سلمان أرسل فرقة اغتيالات – تُعرف باسم “فرقة النمر” – لاغتياله في كندا عام 2018.
وأشار محامو الجبري في الادعاء إلى أنه منذ فراره من المملكة عام 2017، حاول ابن سلمان باستمرار لكن دون جدوى إعادته إلى الوطن لتقديم أدلة حول تعاملات ابن نايف. وبحسب الدعوى، أرسل بن سلمان رسالة نصية إلى الجبري، في 10 سبتمبر (أيلول) 2017، يقول فيها إنه سيتخذ تدابير “من شأنها الإضرار بك” إذا لم يعد إلى الوطن.
وبصفته مساعدًا مقربًا وزميلًا سابقًا لابن نايف، يرجح التقرير أن يُجرَّم الجبري ويسجن إلى جانب ولي العهد السابق في قضية الفساد. لكن بيد أن الجبري قد لا يصل حتى إلى المحكمة، إذ قال مصدر مخابراتي كندي لصحيفة “جلوب آند ميل” الكندية، الأسبوع الماضي، إن عملاء سعوديين حاولوا اغتيال الجبري في أعقاب رفع الدعوى.
وأوضح الكاتب أنه سواء كانت مزاعم الفساد صحيحة أم لا، فإن ابن نايف ودائرته يلحقون بالفعل ضررًا كبيرًا بسمعة محمد بن سلمان على الساحة العالمية، لذا يسعى لإسكاتهم.
وقال عمر كريم وهو زميل زائر في المعهد الملكي للخدمات المتحدة البريطاني، لموقع “بيزنس إنسايدر” إن “هذه الحملة تهدف لإلصاق مزاعم الفساد ببن نايف ومساعديه، للإضرار بانطباع الجمهور عنهم باعتبارهم رجالًا صادقين وشرفاء”.
وأضاف كريم: “نعتقد أن هذا التكتيك الذي يدور حول الفساد يجد صدى جيدًا لدى الجماهير السعودية، كما كان الحال في فندق ريتز”، في إشارة إلى حملة التطهير التي جرت عام 2017، والتي اعتُقل خلالها مئات من أفراد العائلة المالكة في فندق ريتز كارلتون في الرياض، بتهمة الفساد، وأجبروا على أداء قسم الولاء لمحمد بن سلمان.
وتابع: “هناك تفاهم داخل الدوائر الحاكمة السعودية على أن أشخاصًا مثل الجبري بحاجة إلى التزام الصمت، وأنهم هم من يغيرون صورة السعودية أو يضرون بها في الخارج”.
وتابع كريم: “لذلك، تُبذل حاليًا محاولات لإلصاق مزاعم الفساد به لتشويه صورته، وتصويره على أنه شخص لا يتمتع بسجل نظيف 100%”.
وقال الدكتور كريستيان أولريشسن، زميل معهد بيكر بجامعة رايس الأمريكية والمتخصص في قضايا الشرق الأوسط، لموقع “بيزنس إنسايدر”: إن قضية الفساد هي محاولة أخرى لتشويه سمعة ابن نايف في المملكة.
وأضاف أولريشسن: “من المرجح أن تكون أي محاكمة تُجرى لابن نايف مجرد محاولة لضمان تحييده داخل السعودية. ومن المرجح أن يتمكن بن سلمان من ضمان صدور حكم عليه – وهذا ما يفعله – لكنه لا يستطيع التحكم فيما يحدث على الساحة الدولية، وهو ما قد يشكل مصدر قلق كبير”.
وخلص كاتب التحليل بيل بوستوك إلى أن بن نايف والجبري يتمتعان بحظوة خاصة في الولايات المتحدة، وهو ما يجعل من الصعب على بن سلمان القضاء عليهما، مضيفا أن كلا الرجلين عمل عن كثب مع وكالات المخابرات الأمريكية خلال الحرب على الإرهاب، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
وتحظى قضية الرجلين بتعاطف من المشرعين الأمريكيين من كلا الحزبين، كما أن سمعة ابن نايف في واشنطن تسبب ازعاجًا لمحمد بن سلمان، حتى أن جورج تينيت الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وصف بن نايف ذات مرة بأنه “أهم الأشخاص الذين أتشاور معهم”.
ونشر النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا فرانسيس روني، في 16 يوليو (تموز) 2020، تغريدة عن بن نايف قال فيها: “نحتاج الآن إلى معرفة مكانه وما إذا كان بأمان”، وذلك بعد أن نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرًا يفصّل الاتهامات الموجهة إليه.
وغرد النائب الديمقراطي عن ولاية كونيتيكت جيم هايمز، قائلًا: “ليس من المقبول أن تتجاهل إدارة ترامب اختفاء أحد أقوى حلفائنا في مكافحة الإرهاب، وهو محمد بن نايف”.
وأوضح التحليل أن الجبري حصل أيضًا على دعم الولايات المتحدة. إذ قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية لـ”بيزنس إنسايدر” هذا الأسبوع: إن “سعد الجبري كان شريكًا هامًا للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب”.
وأضاف: “ساعد عمل سعد مع الولايات المتحدة في إنقاذ أرواح الأمريكيين والسعوديين. كما أن العديد من المسؤولين الحكوميين الأمريكيين، الحاليين والسابقين على حد سواء، يعرفون سعد ويحترمونه”.
وقال أولريشسن، الزميل بجامعة رايس: “لطالما حظي بن نايف بتقدير كبير من المسؤولين في واشنطن ولندن، بسبب النتائج التي أحرزها والتعاون الذي قدمه في قضايا الأمن والدفاع، وعقدوا مقارنة بين تلك النتائج وذلك التعاون وبين مع ما يعتبرونه تراجعًا مقلقًا منذ الإطاحة بابن نايف”.
وكمثال على ذلك، استشهد أولريشسن بمقتل ثلاثة طلاب عسكريين أمريكيين على يد مسلح سعودي على الأراضي الأمريكية في ديسمبر (كانون الأول) 2019. وقد أعلنت خلية القاعدة الإرهابية – التي عمل بن نايف مع الولايات المتحدة على الإيقاع بها – مسؤوليتها عن الحادث.
كما أفاد معارضون سعوديون آخرون مقيمون في المنفى بالمملكة المتحدة والنرويج وكندا – وهم عمر عبد العزيز وإياد البغدادي وغانم الدوسري – عن استهداف عائلاتهم، واختراق هواتفهم، وتهديد حياتهم.
لكن على الرغم من استمرار تراكم الانتقادات على أعتاب محمد بن سلمان، يرى الكاتب أن هناك شيئًا واحدًا مؤكد، وهو أنه – ما لم يتغير شيء جذري – سيصبح ملكًا للسعودية عندما يموت والده الملك سلمان الذي يبلغ من العمر 84 عامًا.
ونقل تحليل الموقع عن علي الشهابي، الخبير السياسي السعودي الذي يعمل في مجلس إدارة مشروع مدينة نيوم الضخمة التابع لمحمد بن سلمان، والذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار، قوله إن “الخلافة ستكون فورية لمحمد بن سلمان، فهو لا يحتاج إلى خطوات أخرى بعد وفاة الملك لتولي العرش”.
وأوضح كريم، زميل المعهد الملكي للخدمات المتحدة، أن “الأمر برمته يدور حول تغيير النظرة إلى محمد بن نايف باعتباره رجلًا نظيف اليد في الوطن، وتلطيخ سمعة أولئك الذين عملوا لصالحه”.
وقال كريم: “بالطبع، إذا توفي الملك وتولى محمد بن سلمان العرش دون أي معارضة، فقد تنحسر الحملة الموجهة ضد بن نايف والجبري”. واختتم قائلًا: “لكن طالما أن بن سلمان لا يزال ولي العهد، فقد يشعر أنه يتعين عليه إخراج محمد بن نايف من المعادلة لضمان أن يخلف والده على العرش في نهاية المطاف”.