توجيه اتهام رسمي للرئيس السوداني المعزول بسبب أموال من محمد بن سلمان
وجهت المحكمة السودانية الاتهام رسميا إلى الرئيس المعزول عمر البشير بتهمة الثراء الحرام والمشبوه، والتعامل بالنقد الأجنبي، رافضة إطلاق سراحه بالضمان العادي وذلك على خلفية تلقيه بشكل مشبوه مبالغ مالية من محمد بن سلمان.
واستجوبت المحكمة البشير في جلسة أقرّ فيها باستلامه 25 مليون دولار من محمد بن سلمان.
وقال البشير أمام المحكمة إنّ الأموال وصلت بطائرة خاصة، عبر مدير مكتب بن سلمان.
وفي رده على سؤال قاضي المحكمة عن سبب عدم إيداعها في خزانة “بنك السودان”، أوضح البشير أنّ البنك كان سيسأل عن مصدر تلك الأموال “فلم نفعل ذلك لأن بن سلمان طلب عدم ذكر اسمه”، مؤكداً أنه لا يتذكر التاريخ الذي أُرسل فيه المبلغ.
وأشار البشير إلى أن مدير مكتبه حاتم بخيت هو من تسلّم المبلغ المذكور، قائلاً: “لم أتصرف فيه بشكل خاص”، مضيفاً أنه “صرف الأموال محل الاتهام على السلاح الطبي وجامعة أفريقيا وقناة طيبة”.
وقال إنّه تمنى أن تكون المحكمة سرية حتى لا يُذكر اسم محمد بن سلمان، مشيراً إلى أنّه فضل عدم إرجاع الأموال إليه “حتى لا ندخل في إحراج مع السعودية”، على حدّ تعبيره، مؤكداً أنّه سلّم قوات الدعم السريع خمسة ملايين يورو من هذه الأموال.
وبعد استجوابه، وجّهت المحكمة الاتهام رسمياً للبشير بتهمتي الثراء الحرام والمشبوه، والتعامل غير المشروع في النقد الأجنبي.
وقال القاضي إن المتهم تلقى الأموال من مصدر غير مشروع، وتصرف فيها بطريقة غير مشروعة، وتعامل في النقد الأجنبي بطريقة غير مشروعة أيضاً، وبالتالي تم توجيه الاتهام له من قبل القاضي، بموجب قانون الثراء الحرام وغير المشروع، وقانون التعامل بالنقد الأجنبي.
ورفض القاضي إطلاق سراح البشير بالضمان العادي أو الكفالة المالية، لجهة أنه لا يجوز إطلاق سراح متهم في قضية قد تصل عقوبتها إلى عشر سنوات.
ووجه القاضي سؤالاً للبشير إن كان مذنباً أم لا، فأجاب المحامي هاشم أبوبكر الجعلي، نيابة عن الرئيس المعزول بأنه غير مذنب، وأنه كان حريصاً على العلاقات الخارجية مع السعودية، وأنه لم يتصرف في الأموال بصورة شخصية ولم يتعامل بالنقد الأجنبي، ولم يثرِ ثراء لا حلالاً ولا حراماً.
وأوضح أنه تصرف في أموال للمصلحة العامة، مشيراً إلى أنه لدى هيئة الدفاع عدد من الشهود، منهم مدير مكتب البشير. وقد حدّدت المحكمة السبت المقبل موعداً للاستماع إليهم.
ومثل البشير أمام المحكمة، بعد اتهامه من قبل النيابة العامة، بجريمتي الثراء الحرام والمشبوه والتعامل بالنقد الأجنبي. وجاء الاتهام بعد العثور في إبريل/ نيسان الماضي على نحو 7 ملايين يورو، في مقر إقامته ببيت الضيافة في قيادة الجيش بالخرطوم.
واستمعت المحكمة إلى 3 شهود في جلسة الأسبوع الماضي، التي تقدمت فيها هيئة الدفاع بطلب للمحكمة بإطلاق سراحه بالضمانة العادية.
وأقر البشير في جلسة سابقة أن مبلغ 7 ملايين يورو عبارة عن المتبقي من مبلغ 25 مليون دولار منحها له وليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بغرض صرفها على التبرعات والهبات والخدمات الصحية والتعليمية في البلاد.
وذكر البشير في أقواله في محضر التحري، أنه تسلّم كذلك وبذات الطريقة مبلغ 65 مليون دولار على دفعتين من الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.
آل سعود ومسلسل طويل من فضائح شراء حكام الدول
ولا يمثل إقرار البشير بتلقي 25 مليون دولار نقدا من محمد بن سلمان لاستخدامها خارج ميزانية الدولة سوى حلقة ضمن مسلسل طويل من فضائح شراء آل سعود حاكم الدول.
فقد تكرر هذا السيناريو في عدة بلدان مع عدد من الزعماء، مثل رئيس الوزراء الماليزي السابق نجيب عبد الرزاق، ومع مصر بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، ومع حكومة جزر المالديف السابقة بقيادة عبد الله يمين.
وفي يوليو /تموز عام 2015، اتهمت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية رئيس الوزراء الماليزي السابق نجيب عبد الرزاق بالفساد، وكشفت عن تحويل مبلغ 681 مليون دولار لحسابه الشخصي من الصندوق السيادي الماليزي.
بعدما بدأ النائب العام الماليزي تحقيقا في القضية، تم استبداله بآخر أعلن أن هذه الأموال كانت هبة شخصية من العائلة المالكة السعودية للحساب الشخصي لرئيس الحكومة.
في أبريل/نيسان عام 2016، اعترف وزير الخارجية السعودي في ذلك الوقت عادل الجبير بتحويل المبلغ، زاعمًا أنه كان عبارة عن “منحة شخصية دون توقع أي شيء في المقابل”.
تقارير إعلامية ربطت بين دفع السعودية لهذا المبلغ وبين مساعيها لهزيمة خصوم نجيب عبد الرزاق من الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية عام 2013.
شاركت ماليزيا في التحالف الذي كونته السعودية للحرب في اليمن، لكن في يونيو/حزيران من العام الماضي، أعلنت الحكومة الماليزية بقيادة مهاتير محمد سحب قواتها من السعودية، معتبرة أن قرار المشاركة تسبب بتوريط البلاد في الصراع رغم حرصها على الحياد.
أعلن مهاتير محمد فتح تحقيق في شبهات فساد بمليارات الدولارات تتعلق بالصندوق السيادي للبلاد. وكشفت التحقيقات عن تورط شخصيات سعودية وإماراتية في الفضيحة، أبرزهم سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة.
يخضع نجيب عبد الرزاق حاليًا للمحاكمة بتهمة الفساد والاختلاس وغسل الأموال وسوء استخدام السلطة.
وفي مصر قدم نظام آل سعود عشرات المليارات من الدولارات لنظام ما بعد الانقلاب العسكري في مصر.
تضمنت تلك المبالغ منحًا لا ترد، وودائع في البنك المركزي وقروضا واستثمارات وشحنات نفطية ومساعدات عينية، إلا أن هناك تضارب كبير في تحديد الرقم الحقيقي لتلك المساعدات.
في حوار مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية بعد الانقلاب، قال محمد البرادعي نائب الرئيس المؤقت في ذلك الوقت، إن دولًا خليجية لم يحددها وعدت بتقديم مبلغ 35 مليار دولار.
تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تسجيل صوتي مسرب عندما كان وزيرًا للدفاع عن خطته للحصول على 10 مليارات دولار من السعودية، وكذلك 10 مليارات دولار من كل من الإمارات والكويت. كما تحدث عن ثراء تلك الدول مشبهًا الأموال التي لديها بأنها “زي الرز”.
السيسي قال في مقابلة تليفزيونية عام 2014 إن المساعدات الخليجية بلغت أكثر من 20 مليار دولار، إلا أن وزير المالية السابق هاني قدري قال في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، إن دول الخليج قدمت مساعدات نقدية وعينية لدعم الاقتصاد المصري في العام المالي 2013/2014 بلغت نحو 10.6 مليار دولار فقط.
وزارة المالية المصرية قدمت رقمًا مغايرًا حينما قدرت في بيان لها في يوليو/تموز 2014 حجم المساعدات الخليجية بنحو 16.7 مليار دولار، إلا أن وزير المالية عاد وخفض الرقم إلى 10.6 مليار دولار، وفقًا لورقة بحثية نشرها مركز الجزيرة للدراسات.
وزير الاستثمار المصري السابق أشرف سالمان قدر المساعدات الخليجية لمصر بعد الانقلاب بنحو 23 مليار دولار في الفترة من يوليو/تموز 2013 وحتى نهاية 2014 فقط، مضيفًا أن هناك “أشياء كثيرة لا تقال” حسب قوله.
في مارس/آذار 2017، كشف تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات عن قيام وزارة المالية بإخفاء وزارة المالية 6 مليارات دولار من المنح الخليجية في حساب خاص لدى البنك المركزي المصري.
في عام 2016، زار الملك سلمان مصر ووقع عقودًا لاستثمار مليارات الدولارات، وفي نفس الوقت أعلنت القاهرة عن تنازلها عن جزيرتي تيران وصنافير، بدعوى أنهما كانتا ملكا للسعودية، وهو ما أثار غضبًا شعبيًا واسعًا ومظاهرات حاشدة قمعتها أجهزة الأمن.
ألقي القبض على هشام جنينة، الرئيس السابق لجهاز المحاسبات، في العام الماضي، ولا يزال رهن الاعتقال.
في عام 2016، كشف فيلم استقصائي لوحدة التحقيقات في شبكة “الجزيرة”، عن فساد مستشر في حكومة جزر المالديف تضمن عمليات غسل أموال ورشى وسرقة. وأكد تورط الرئيس المالديفي السابق عبد الله يمين في استلام دفعات من الأموال نقدًا، تصل كل دفعة منها إلى مليون دولار أمريكي.
لاقى فيلم “الجنة المسروقة” اهتمامًا دوليًا كبيرًا، دفع الرئيس المالديفي إلى التعاقد مع شركات تقدم خدمات قانونية وشركات علاقات عامة لمحاولة إيقاف بث الفيلم، وأعلنت السلطات المالديفية عن إجراءات عقابية تطال كل من تعاون مع الجزيرة في إنتاجه.
انضمت جزر المالديف إلى السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وقررت قطع علاقتها مع دولة قطر عقب إعلان الحصار في يونيو/حزيران 2017.
قوبل قرار الحكومة المالديفية بانتقادات واسعة من الرأي العام المحلي، إذ اتُّهمت الحكومة بالرضوخ للنفوذ السعودي.
حكومة المالديف كانت قد أعلنت أيضًا قطع العلاقات مع إيران عام 2016 بعد إعلان السعودية نفس الإجراء.
في عام 2014، دفع الملك سلمان، الذي كان وقتها وليًا للعهد، مبلغ 30 مليون دولار لحجز 3 جزر في المالديف، بحسب وسائل إعلام بريطانية. وبعد زيارة للملك سلمان في مارس/ آذار 2017، أعلنت المالديف أن السعودية سوف تستثمر 10 مليارات دولار أمريكي في البلاد.
في عام 2017، ذكرت تقارير أن صندوقًا تموله السعودية تقدم بمقترح لمشروع سياحي كبير على جزيرة مرجانية، إلا أنه لقي رفضًا من المعارضة التي وصفت المشروع بأنه “زحف استعماري سعودي” على البلاد. وشملت اتهامات المعارضة بيع أراض وجزر للسعودية.
لتسهيل استثمار كهذا، كانت الحكومة أقرت عام 2015 قانونًا يسمح للأجانب بامتلاك الأرض للأبد في حال القيام باستثمار يصل لمليار دولار.
في ذروة الأزمة السياسية التي كانت تعيشها المالديف العام الماضي، قدمت المملكة والإمارات منحة للمالديف قيمتها 160 مليون دولار.
حكومة عبد الله يمين كانت قد أعلنت حالة الطوارئ وفرضت حصارًا على البرلمان واعتقلت رئيس المحكمة العليا، بعد أن قررت المحكمة إعادة الأغلبية للمعارضة في البرلمان، مما يمنحها نظريًا القدرة على سحب الثقة من الرئيس يمين وحكومته.
هزم يمين في الانتخابات التي أجريت العام الماضي على يد منافسه إبراهيم محمد صلح.
وزير خارجية المالديف الحالي عبد الله شهيد قال الشهر الجاري إن حكومته تعمل على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع قطر، منتقدًا قرار الحكومة السابقة بقطع العلاقات معها.
يخضع عبد الله يمين حاليًا للتحقيق بتهم تتعلق بغسيل أموال.