إيميلات هيلاري كلينتون.. نموذج للتضليل والخداع السعودي
تمارس وسائل الإعلام السعودية، الخداع والتضليل حول رسائل إيميلات مسربة لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون عبر تزويرها لصالح دعم موقف ولي العهد محمد بن سلمان.
وانهمكت وسائل إعلامية سعودية مرئية وإلكترونية ومقروءة، بحملة التضليل وشارك في الكذب والخيال على صفحات الصحف والمواقع الإخبارية كما مواقع التواصل الاجتماعي.
وبدأت حملة التضليل التي قادها الإعلام السعودي، مع حثّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزير خارجيته مايك بومبيو على تسريع وتيرة نشر باقي إيميلات كلينتون، علماً أن دفعة من الرسائل الخاصة بها كانت قد نشرت في شهر مايو/أيار 2019.
وتضمنت الحملة اتهامات لجماعة الإخوان المسلمين بالتآمر على المملكة، وروايات شعبوية من دون أي مصدر توثيقي حقيقي عن إغلاق وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل الهاتف في وجه وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بعد طلبها من الرياض عدم إرسال قوات سعودية إلى البحرين عام 2011، وفق ما نشرت صحيفة “عكاظ” السعودية التي تعاملت مع الإيميلات على اعتبارها جديدة وتكشف للمرة الأولى.
وشملت الترجمات العربية للتسريبات المزعومة اتهامات لولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف، ومساعده سعد الجبري بالتآمر على السعودية بالتعاون مع كلينتون والإخوان المسلمين.
لكن أكثر المتحمسين لهذه الإيميلات كانت المنصات والمواقع الإماراتية ومن ضمنها “سكاي نيوز عربية”. كما غطت بوابة “العين” الإخبارية الإيميلات بشكل كبير، وقامت بنقل تفاصيلها الدقيقة، مع الالتزام بعدم الإشارة لموعد نشرها الحقيقي.
كما أنها أضافت سلسلة من التحليلات لهذه الإيميلات تقوم على أساس أن ولي عهد إمارة أبو ظبي محمد بن زايد ساهم في صد خطر إدارة أوباما على المنطقة ومؤامراتها مع “جماعات الإسلام السياسي” لتفكيك الخليج العربي.
ولم تقدم هذه الحملة التي دشنها الإعلام السعودي ــ الإماراتي أي جديد على مستوى الإفصاح عن المعلومات، إذ ركزت على نشر معلومات سابقة ودمجها مع تحليلات يمررها الإعلاميون السعوديون على مواقع التواصل الاجتماعي على أنها حقائق مؤكدة في محاولة للتأثير على الرأي العام.
وتصدرت وسوم “إيميلات هيلاري”، و”تسريبات هيلاري” مواقع التواصل الاجتماعي داخل السعودية لأيام، وسط حالة من الفوضى انتابت هذه المواقع نتيجة تداخل المعلومات المؤكدة مع التحليلات.
وقال ديفيد إغناتيوس الصحافي في “واشنطن بوست” إن هذه الحملة: تقوم على “مزيج من الوقائع المعروفة التي لا تثبت أيّا من اتهامات أنصار بن سلمان، والتخمينات التي تروّج لمؤامرة غير موجودة على أرض الواقع”.
وبحسب الصحيفة الأميركية تهدف هذه الحملة التي تقودها الدوائر المتحكمة في الإعلام داخل السعودية إلى أمرين: الأول محاولة تهيئة الرأي العام وخلق مناخ عدائي داخل السعودية لإدارة المرشح الديمقراطي جو بايدن في حالة نجاحه وقيامه بضغوط معينة على ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وذلك بتصوير إدارة بايدن على أنها امتداد لإدارة باراك أوباما التي تآمرت مع إيران وتركيا والإخوان المسلمين لتفكيك السعودية، بحسب ما تقول الرسائل التي تنشرها منصات الإعلام السعودية.
وأكدت إغراق الحسابات السعودية الموجودة على وسائل التواصل الاجتماعي، والمعروفة أنها مدعومة بشكل مباشر من بن سلمان، مثل حساب عضوان الأحمري، رئيس تحرير صحيفة “إندبندنت العربية”، أو حساب “كريستوف” الذي يؤكد ناشطون سعوديون أنه مسؤول كبير مقرب من المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني، أن السلطات السعودية ترى في أي إدارة ديمقراطية قادمة عدوة لها بشكل طبيعي نتيجة عدم التوافق على السياسات في المنطقة.
أما الهدف الثاني من نشر هذه الإيميلات بترجماتها العربية، وحملة التضليل التي رافقتها، فهو تهيئة الرأي العام لمحاكمة ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف بتهم فساد وتآمر وعمالة، وذلك بتصويره على أنه خائن.
ويشير ناشط سعودي بارز عمل في الإعلام لسنوات طويلة، ويعيش في العاصمة البريطانية لندن وهو أحد أعضاء فريق “النحل الإلكتروني” الذي أسسه الصحافي الراحل جمال خاشقجي إلى أن حملة التضليل التي شُنت في مواقع التواصل الاجتماعي تحمل بصمات شخص واحد فقط وهو المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني.
ويملك القحطاني الموارد اللازمة لشن حملة من هذا النوع، والنفوذ الكافي للضغط على الصحف والقنوات السعودية والإماراتية على حد سواء، إضافة إلى الإعلام المصري.
ويقول الناشط “إن هذه الحملة التي أعقبتها حملة مقاطعة البضائع التركية بعد أيام هي بمثابة إعلان رسمي عن ظهور القحطاني من جديد داخل المشهد الإعلامي السعودي بعد غياب اضطراري استمر لعامين، ساهم القحطاني فيها ببعض الحملات لكن مع صلاحيات منزوعة أو مقيدة”.
ويضيف الناشط الذي تعرض لتهديدات بالقتل أثناء عمله في مشروع “النحل الإلكتروني”: “أشكال التصميم والغرافكيس، والأشخاص المستهدفون، وآليات العمل والانتشار والتغريد، إضافة إلى الحسابات المليونية التي يديرها هو بنفسه على موقع تويتر، والاندفاع والتهور في محاولة تضليل الرأي العام والاعتقاد بأنه قد يؤثر على سير الانتخابات الأميركية بشكل ساذج تؤكد أنه هو من يقف خلف الحملة”.
وعن موقف الرأي العام السعودي عقب اكتشافه أن هذه الإيميلات تعود إلى تواريخ قديمة وأن جزءًا كبيراً من الترجمات فيها غير صحيح، أو مخلوط بتحليلات غير صحيحة يقول: “لا يهم فالاستراتيجية الإعلامية للقحطاني تقوم على شيء واحد وهو الإغراق في الكذب وإشغال الناس بكذبة تلو أخرى”.
ويشير إلى “مشروع قناة سلوى الخيالي الذي كان يهدف إلى حفر قناة مائية لجعل قطر جزيرة بدلاً من شبه جزيرة؟ كيف كان يروج له وكيف يضحك المغردون السعوديون على أنفسهم اليوم عندما يتذكرونه”.