أخرها حرب النفط.. إخفاقات متتالية لمحمد بن سلمان
لا يخوض ولي العهد محمد بن سلمان مواجهة إلا يخسرها ملحقا الخسائر والاضرار للمملكة في ظل تخبط سياساته على كافة الأصعدة وفي مختلف المجالات داخليا وخارجيا.
وبعد أن كبد المملكة خسائر بأكثر من 250 مليون دولار يوميا من عائداتها النفطية، بفعل إعلانه حرب أسعار النفط مع روسيا، تراجع بن سلمان كعادته بضغوط أمريكية.
يبرز مراقبون أن الدول تخوض صراعاتها لتحقيق غايات بما أمكن من أدوات وهذه حرب سعودية أخرى تعلقت بحرب النفط عرف أطرافها والساحات وتاهت الغايات منها.
لم يتنظر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طويلا ليحصد ثمار تدخله بمكالمة واحدة رتب الفوضى التي عمت سوق النفط حينما اتصل بالرئيس الروسي وبن سلمان، وبعد دقائق اغمدت المملكة سيوفها النفطية التي ضربت بها دون أن يعرف من أصابت.
دقائق بعدها ويخرج الكرملين نافيا ما قاله ترامب عن اتصال بين بن سلمان والرئيس فلاديمير بوتين دون أن يعرف أيضا من أخبر ترامب باتصال المنفي.
برر القرار السعودي بجزع مفاجئ تلبس المسؤولين بالمملكة على الاقتصاد العالمي ثم رد إلى موجبات صداقة مع الولايات المتحدة وهي صداقة لا أثر لها في اللغة المستخدمة من أصوات نافذة في الكونجرس تصرخ وتتوعد في ما لا يكون في العادة بين الأصدقاء.
تصاعدات الدعوات داخل الكونجرس الأمريكي بسحب الجنود الأمريكيين وأخرى بسحب الحماية التي بدونها لم تكون المملكة وتركها لمهب الطامعين.
ويستغرب المراقبون كيف للمملكة أن لا تدرس ما تكبدته من خسائر باهظة في حملة صورت كتأديب أو تركيع لروسيا لخلاف حول الحصص، لتكشف فعلياً عن كلفة مالية باهظة تكبدتها بانهيار أسعار النفط حينما أغرقت أسواق خالية من المستهلكين في عالم معزول بفيروس كورونا.
ضخت المملكة نفطاً كثيراً بمال قليل ولم تنتظر وقت لتعوض فتوقفت حين فتش ترامب عن مصلحة الاقتصاد الأمريكي وحسب خسائر شركات النفط الأمريكي المكلف.
وترامب نفسه هو من هتف فرحاً قبل أسابيع قليلة بالخزانات الممتلئة بالنفط الزهيد، ولعله اكتفى فطلب التوقف تاركاً الجدل محتدماً عن السياسة النفطية للمملكة فمن يهندسها ويحكمها.
وأدى تحريك الأزمة إلى ترتيب اجتماعاً عاجلاً بدعوة سعودية لدول أوبك+ الإثنين المقبل عبر الفيديو، وتردد أن الاتفاق قد ينتهي إلى انتاج 15مليون برميل يومياً في حين لا يطلب الرئيس الأمريكي من شركاته خفض انتاجها.
لقد تضررت روسيا والدول قليلة النفط بإغراق السوق لكن الضرر الأكبر بحسب خبراء وقع في المملكة وانعكس تقشفاً وعجز موازنة.
والنفط ركيزة اقتصاد المملكة وقلب ما تعرف برؤية 2030 التي صارت في مهب المجهول، وبدلاً من تنويع الاقتصاد أخذت في طريقها مصادره.
لقد كان لهذه السياسة وفق البعض أن تحقق شيئاً مع الوقت لكن التخبط السريع كرس خسارة بلا ارباح وما رد ذلك إلى غياب التفكير البعيد فلا يختلف ما جرى في حرب الثلاثين يوماً النفطية عن حرب السنوات الخمس اليمنية وعن حصار السنوات الثلاث الخليجية، إذ ظلت جولة أخرى من ملاكمة بلا قفازات ولا هدف.
الواضح اليوم في المملكة أن إخفاقات بن سلمان المتتالية لا يمكن تغطيتها على الصعد، الداخلية والخليجية والعربية والإقليمية، الأمر الذي ازداد وضوحاً بعد جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، في إسطنبول في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018.
كما يبرز تفاقم أزمات النظام السياسي في المملكة في عهد بن سلمان، كما تجلّت في عدة مظاهر، أبرزها اعتقال الأمير أحمد بن عبد العزيز، الشقيق الأصغر للملك سلمان، واعتقال الأمير محمد بن نايف، ولي العهد السابق، في خطوةٍ استباقية لتحجيم نفوذهما، ومنعهما وغيرهما من الأمراء، من مجرد “التفكير”، في اعتراض طريقه إلى عرش المملكة.
واستطراداً يمكن القول إن بن سلمان يواجه أزمات داخلية وخارجية متشابكة، منها: تفاقم مشكلات السياسات العامة، وتوقف إيرادات الحج والعمرة بعد إغلاق الحرم المكي أمام الزائرين، فضلاً عن انخفاض أسعار النفط وتداعياته على تضاؤل إمكانية تنفيذ “رؤية 2030″، خصوصاً برامج الترفيه وتنشيط السياحة ومحاولات تقليص بطالة الشباب من خرّيجي الجامعات، سيما على ضوء أزمات السياسة الخارجية، بدايةً من الاستمرار في الحرب على اليمن، على الرغم من كارثية نتائجها على الصعيد الإنساني بعد خمس سنواتٍ عجاف.
إضافةً إلى الصراعات الإقليمية التي تنخرط فيها المملكة مع كلّ من إيران وتركيا، وليس انتهاءً بحرب أسعار النفط مع موسكو التي تلت انهيار اتفاق روسيا مع منظمة أوبك على خفض الإنتاج في الـ6 من الشهر الماضي (مارس/ آذار)، في مقابل تقارب سعودي مع إسرائيل، على نحو يكشف الفشل في إدراك طبيعة التحولات التي تطرأ على النظام الإقليمي في الشرق الأوسط.
إذ يتآكل نفوذ المحور الأميركي/ الإسرائيلي، ما يجعل رهان بن سلمان على هذا المحور تشييداً لقصور شاهقة على رمال متحرّكة.