استبداد بن سلمان.. المدح العلني أو الاعتقال التعسفي
عزيز ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قبل يومين من الشواهد الدامغة على استبداد ولي العهد محمد بن سلمان وإقدامه على اعتقال أمراء ودعاة في المملكة لمجرد رفضهم مدحه علنا.
وقالت الصحيفة الأمريكية إن الأميرة بسمة بنت سعود أبنة الملك سلمان، تلقت تهديدات من الديوان الملكي إن لم تكِل المديح لأبن عمها محمد بن سلمان، وذلك قبل أن يتم اعتقالها في سجن شديد الحراسة بالعاصمة الرياض.
وجاءت التفاصيل الجديدة التي كشفت عنها الصحيفة الأمريكية حول اعتقال الأميرة بسمة، بعدما نشر حسابها الرسمي على تويتر سلسلة من التغريدات، يوم الخميس الماضي تقول فيها إن حالتها الصحية تتدهور داخل سجن حائر شديد الحراسة بالقرب من الرياض.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن اعتقال الأميرة بسمة (57 عاماً)، في فبراير/شباط 2019، أثار الكثير من التساؤلات، وقالت إن الأميرة لم تكن تلك الشخصية التي تتمتع بالنفوذ والسلطة، أو تمثل تحدياً للأمير محمد بن سلمان، الذي يتوقع على نحو كبير أنه الحاكم الفعلي للمملكة الآن.
لكن الصحيفة نقلت عن أحد المقربين من الأميرة بسمة -لم تذكر اسمه- قوله إلى أن مقابلة أجرتها الأميرة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في العام 2018 أوقعتها في أزمة.
في تلك المقابلة وجَّهت الأميرة انتقادات وصفتها الصحيفة بأنها “مُقنَّعة” للأمير محمد بن سلمان، الذي كان قد بدأ حينها خطة شاملة تُسمَّى “رؤية 2030″، والتي تسعى لتنويع اقتصاد المملكة بعيداً عن الاعتماد على النفط، فضلاً عن انفتاح المجتمع السعودي.
المقرب من الأميرة، قال للصحيفة إن “مسؤولين من الديوان الملكي أبلغوا الأميرة بأنَّها قد تواجه مشكلات إن لم تمتدح الأمير محمد بن سلمان في مثل تلك المقابلات”.
تصريح المصدر المقرب من الأميرة يتشابه مع تصريحات لمقربين منها تحدثوا لصحيفة ABC الإسبانية، التي نشرت في منتصف مارس/آذار 2020، فيديو لاقتحام منزل الأميرة بسمة قبل اعتقالها.
تحدَّث المقربون حينها أن أحد أبرز الأسباب المتوقعة لاعتقال الأميرة بسمة “أنها لا تصمت. لقد انتقدت محمد بن سلمان في كثير من الأحيان، إضافة إلى انتقادها حرب اليمن ومعاملة النساء في السعودية، كان لا بد أن يتخوّفوا في الحكومة من أن تغادر البلاد، وأن تخبر وسائل الإعلام كيف استطاعوا أن يجعلوا بن نايف يُسلِّم العرش لابن عمه”.
في حديثها لنفس الصحيفة أيضاً، قالت إحدى المقرّبات من الأميرة -لم يتم ذكر اسمها- “أخبرها الرجال في منزلها بأنهم مبعوثون من قِبل الديوان الملكي، وأنهم حضروا هناك لأن عليهم اصطحابها للتحدث إلى ابن عمها، ولي العهد. من نظرات وجوههم علمت بسمة على الفور أنها لن ترى محمد بن سلمان”.
وقد حظيت تغريدات الأميرة بسمة بانتشار واسع في شبكات التواصل الاجتماعي، وأكد مقربون من الأميرة صحة التغريدات عن معاناتها داخل السجن، ومناشدتها الملك الإفراج عنها.
لكنّ التغريدات اختفت بشكل مفاجئ من الحساب، حيث يتوقع أنه تم اختراق الحساب بغرض حذف ما كتبته الأميرة، والذي تضمن أيضاً إشارة إلى حساب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
في السياق نفسه، قال مصدران مقربان من الأميرة لصحيفة نيويورك تايمز إنَّ “صحتها تدهورت في ظل استمرار احتجازها، وإنَّها أصبحت الآن تعاني كي تنهض من سريرها”.
من جانبها نقلت تقارير بريطانية عن مقربين اثنين من الأميرة قولهما إنها “تعاني أمراضاً مختلفة ازدادت سوءاً في أثناء مكوثها بالسجن، حيث جرى الإبلاغ عن حالتين على الأقل من الإصابة بفيروس كورونا”، بينما أفاد أحد المصادر بأنها “تعاني من بعض حالات ما قبل المرض المُتعلقة بالجهاز التنفسي، وهذا هو سبب مخاوفنا”.
وسبق أن شهدت المملكة، في منتصف سبتمبر/أيلول 2017، توقيف عشرات الأشخاص بينهم كتّاب وصحفيون ورجال دين، أبرزهم الداعية المعروف الشيخ سلمان العودة.
وبعد نحو شهر ونصف الشهر أوقفت السلطات، في نوفمبر/تشرين الثاني، عشرات الأمراء ورجال الأعمال والسياسيين لثلاثة أشهر، على خلفية تهم قالت إنها تتعلق بالفساد، فقامت بسجنهم في فندق “ريتز كارلت
ومن تكميم الأفواه إلى تحريم الصمت، ومن تسطير “قائمة سوداء في حبّ قطر” إلى القبض على دعاةٍ سعوديين بتهمة رفض المشاركة في حملة التحريض ضدّ الدوحة. مراحل مرّت بها الحملة الإعلاميّة والإلكترونيّة لنظام آل سعود.
دفع إلقاء القبض على الدعاة سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري بردود فعلٍ رافضة إلكترونياً. وكان التعليق الأكثر تداولاً وانتشاراً يُشير إلى انتقال السعوديّة من منع حريّة التعبير إلى منع حريّة الصمت. وقال أحد المغردين “لم نعد نتمنى حرية الرأي، أصبحنا نتمنى حرية الصمت”.
وأتى الاعتقال بعد تغريدة، اعتبرها المغردون سبباً رئيسياً في القبض على الداعية، قال فيها “ربنا لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.. اللهم ألف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم”.
ويواصل نظام آل سعود فرض قبضته الأمنية على المواطنين والكفاءات والناشطين الموجودين في المملكة عن طريق فرض الرعب وفرض حالة من الخوف بين جميع المواطنين, وذلك من خلال شن حملة الاعتقالات الواسعة التي تقوم بها السلطات منذ فترة طويلة.
وإبقاء وفرض حالة الخوف على المواطنين داخل البلد هو حالة لإيجاد توازن من الرعب والخوف لإحكام القبضة الامنية على المواطنين.
وهذا ما يستخدمه الملك سلمان وولي عهده محمد عن طريق شن حملة الاعتقالات الدورية المستمرة على جميع من يقول لا أو يبدي برأيه داخل المملكة وهو فرض لإبقاء هاجس الخوف على جميع من داخل البلد.
منذ فترة طويلة وسلطات آل سعود تقوم بشن حملة اعتقالات واسعة داخل المملكة طالت نشطاء ودعاة ومواطنين ونساء واطفال تحت سن الثامنة عشر, هي حملة كانت موجودة ولكن بن سلمان وسع دائرة الاعتقالات وزاد من حدتها.
يعتقل بن سلمان وسلطته كل من يبدي رأيه على مواقع التواصل الاجتماعي او بين مجموعة من الناس او بين نفسه, هي حملة شرسة يسعى بن سلمان وولي عهده للمحافظة على الحكم وإبقاء هاجس الخوف بين المواطنين.
وقد بدأت سلطات آل سعود باعتقال عدد كبير من الاشخاص معظمهم من العلماء والمفكرين والأكاديميين والكتاب والقضاة والنشطاء الاجتماعيين والدعاة وعرض معظمهم على محاكمات سرية.
ويعلق مغردون على سياسات بن سلمان “يعلم المستبد أن بقائه مرهون بخوف الشعب منه فإذا ما زال هذا الخوف أصبح حكمه مهدداً، وعليه هو يحافظ على إدامة الرعب والسيطرة من خلاله على المواطنين”.