جدل واسع حول أحدث الملفات المثيرة للانتقاد في السعودية وتصاعد الضغوط الدولية

تواجه السعودية في الأشهر الأخيرة موجة جديدة من الجدل والانتقادات على عدة مستويات سياسية وحقوقية واقتصادية وسط تصاعد الضغوط الدولية، وفق ما أوردته تقارير إعلامية غربية ومنظمات دولية.
وعلى الرغم من التحولات التي تشهدها المملكة ضمن “رؤية 2030”، فإن عدداً من الملفات الحساسة عادت إلى الواجهة لتمثل ما يصفه مراقبون بـ“سلسلة من الفضائح أو الأزمات التي تؤثر على صورة المملكة خارجياً”، بينما تؤكد الرياض عادة أنّ كثيراً من تلك التقارير إما مضخّمة أو مسيسة أو لا تعكس حقيقة الوضع الداخلي.
ملف الاعتقالات والأحكام المغلظة… استمرار الانتقادات الدولية
من أبرز الملفات التي أثارت ضجة في الأسابيع الماضية تقارير منظمات حقوقية عن صدور أحكام عالية بحق نشطاء وناقدين على مواقع التواصل الاجتماعي، معظمها مرتبط بقانون الجرائم الإلكترونية.
وتحدثت تقارير مثل تلك الصادرة عن “هيومن رايتس ووتش” و“العفو الدولية” عن ما تصفه بـ“تشديد غير مسبوق” في أحكام السجن المرتبطة بالتعبير الرقمي، وإعادة محاكمة بعض المتهمين بأحكام أشد.
وتشير هذه المنظمات إلى أن البيئة القانونية لا تزال تسمح بتفسيرات واسعة للنصوص المتعلقة بالأمن الوطني، الأمر الذي ترى فيه “مساحة لممارسات تعسفية”.
في المقابل، تصرّ السلطات السعودية على أن الأحكام تُصدر وفق إجراءات قضائية مستقلة، وأن القضايا تتعلق بجرائم واضحة تمسّ أمن البلاد واستقرارها، وليس فقط مجرّد تعبير عن الرأي.
وبغضّ النظر عن السجال، فقد ساهمت هذه القضية في إبقاء ملف حقوق الإنسان ضمن دائرة الضوء الدولي، ودفعت مؤسسات أوروبية وأمريكية إلى إثارة الموضوع خلال لقاءات ثنائية مع مسؤولين سعوديين، وهو ما يشكّل ضغطاً متزايداً على صورة المملكة في الساحة الغربية.
انتقادات لملف العمالة الأجنبية في مشاريع “رؤية 2030”
ملف آخر أثار موجة انتقادات، وهو ظروف العمالة الوافدة في المشاريع الضخمة مثل نيوم وذا لاين.
فقد نشرت صحف غربية، بينها “الغارديان” و“فاينانشال تايمز”، تقارير تتحدث عن عمليات إخلاء قسري لقبائل محلية في منطقة البناء، إضافة إلى ظروف عمل صعبة لعمّال شركات المقاولات، بما في ذلك شكاوى تتعلق بتأخر الرواتب أو ساعات العمل الطويلة.
وتشير الحكومة السعودية في ردّها إلى أن المشاريع تخضع بالكامل للقوانين المحلية وأنها أطلقت منظومة إصلاحات واسعة في قوانين العمل والإقامة منذ 2021، بما في ذلك إلغاء نظام الكفالة وتحسين آليات الشكاوى.
لكن استمرار تقارير الصحافة الدولية حول ظروف المشاريع العملاقة يجعل القضية إحدى أكثر النقاط حساسية في الصورة الاقتصادية الجديدة للمملكة.
الجدل حول استثمارات صندوق الثروة السيادي
شهدت الشهور الأخيرة نقاشاً واسعاً حول توجهات صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF)، خصوصاً بعد تقارير حول خسائر كبيرة في بعض الاستثمارات الخارجية رفيعة المستوى، بما فيها استثمارات في شركات تكنولوجية أمريكية وصناديق خاصة تعرّضت لتقلبات الأسواق.
ورغم أنّ الصندوق يواصل الإعلان عن توسعات استراتيجية محلية مثل مشاريع الطاقة المتجددة والترفيه والسياحة، إلا أن خبراء اقتصاديين غربيين أثاروا تساؤلات حول “مستوى المخاطرة العالية في بعض الصفقات”، إضافة إلى “غياب الشفافية في الإفصاح التفصيلي” مقارنة بصناديق سيادية أخرى مثل النرويجي أو السنغافوري.
وتحاول السعودية مواجهة هذه الانتقادات بالتأكيد أن طبيعة الصندوق “تنموية وليست مالية بحتة”، وأن استثماراته بعيدة المدى وليست مرتبطة بتقلبات قصيرة الأجل. لكن الجدل ما زال مفتوحاً، خصوصاً مع ضغوط انخفاض إيرادات النفط وارتفاع كلفة المشاريع العملاقة.
الحرب في اليمن: عودة الملف إلى الواجهة
رغم تراجع العمليات العسكرية، عاد ملف اليمن ليتصدر النقاش عقب تقارير جديدة تتهم أطرافاً في التحالف، ومنها السعودية، بمسؤولية غير مباشرة عن تدهور الوضع الإنساني هناك.
وترى مؤسسات أممية أن الهدنة الهشة لا تزال مهددة، وأن المدنيين يدفعون الثمن الأكبر.
ورغم أن السعودية تؤكد أنها تدعم مسار السلام وترعى مفاوضات واسعة مع الأطراف اليمنية، فإن إعادة إحياء هذا الملف في الإعلام الدولي اعتُبر “إحياءً لواحدة من أكثر القضايا التي أضرت بصورة المملكة خلال العقد الأخير”.
التطبيع مع إسرائيل… حساسية داخلية وخارجية
تسبّب الحديث المتكرر في الصحافة الأمريكية والإسرائيلية حول احتمال قرب التوصل إلى صفقة تطبيع بين الرياض وتل أبيب في إثارة ردود أفعال واسعة في الشارع العربي.
وبينما تنفي السعودية أي حديث عن اتفاق قبل تحقيق “حقوق الفلسطينيين وإقامة دولة مستقلة”، إلا أن التسريبات المستمرة تضع القيادة السعودية في دائرة اتهامات شعبية وسياسية.
وبالنسبة لكثير من المراقبين، فإن الضغط الإعلامي حول “احتمالات التطبيع” يُعد من الملفات التي تضع المملكة أمام معضلة مزدوجة: الحاجة لبناء تحالفات مع الولايات المتحدة مقابل حساسية الرأي العام العربي في لحظة تشهد فيها غزة حرباً مدمرة.




