علاقة محمد بن سلمان بجيفري إبستين تفتح الباب أمام تساؤلات أخلاقية وسياسية

تتزامن زيارة ولي العهد محمد بن سلمان إلى واشنطن هذا الأسبوع، مع تصويت مرتقب في الكونغرس الأميركي للإفراج عن المزيد من الملفات المتعلقة بقضية الملياردير الأميركي المدان بجرائم الاتجار بالجنس، جيفري إبستين.
وقد أظهرت هذه الملفات، علاقات مشبوهة بين إبستين وعدد من قادة العالم، وتعيد تسليط الضوء على علاقة محمد بن سلمان بإبستين، والتي أثارت منذ ظهورها أول مرة، فضائح واتهامات أخلاقية وسياسية واسعة.
وقد ذكرت تقارير صحفية أن الوثائق والمراسلات الأخيرة تكشف عن تفاصيل دقيقة لعلاقة محمد بن سلمان بإبستين، من بينها إهداؤه الأخير لإبستين خيمة فاخرة مزودة بكل محتوياتها، بما في ذلك السجاد، في خطوة أثارت تساؤلات حول الغرض الحقيقي من هذا الاهتمام الشخصي والسياسي.
وبينما حاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب التهرب من الانتقادات بشأن صداقته الطويلة بإبستين، أعلن في 16 نوفمبر دعمه للإفراج عن ملفات إبستين، مؤكداً أن “ليس لدينا ما نخفيه”.
في المقابل، ظل النظام السعودي صامتاً، ما يعكس الرغبة في التغطية على علاقة ولي العهد بالشخصية المثيرة للجدل.
وفي هذا السياق، أكد الدكتور عبدالله العودة، الأمين العام المساعد بحزب التجمع الوطني، أن ملفات إبستين ليست مجرد فضائح أخلاقية عابرة، بل تشكل جرائم أخلاقية وسياسية في الوقت ذاته.
وقال العودة إن هذه الجرائم تتعلق بعملية اتجار بالقاصرات مقابل النفوذ السياسي، وقد شملت شخصيات دولية رفيعة المستوى مثل الأمير أندرو وعائلة كلينتون ودونالد ترامب، فيما تشمل على المستوى العربي أبرز العوائل الخليجية وعلى رأسها محمد بن سلمان.
وأضاف العودة أن العلاقة بين ولي العهد وإبستين تمثل تقاطعًا خطيرًا بين الانتهاك الأخلاقي والاستبداد السياسي، وأن إبستين كان بمثابة مهندس شبكة النفوذ هذه، المرتبطة أيضًا بالموساد الإسرائيلي، ما يزيد من البعد السياسي لهذه القضية.
وأشار العودة إلى ثلاث نقاط رئيسية تشكل جوهر المخاوف الأخلاقية والسياسية: الانتهاك الأخلاقي والتجاري الدولي بالقاصرات، الاستغلال الإسرائيلي لهذه العملية لأغراض النفوذ والابتزاز، واستخدام النفوذ السياسي المستمد من هذه العلاقات لإدارة مصالح الدولة.
من جانبها، أكدت الدكتورة مريم الدوسري، المتحدثة الرسمية باسم حزب التجمع الوطني ورئيسة اللجنة الإعلامية، أن علاقة محمد بن سلمان بإبستين ليست علاقة عابرة، بل تحمل رمزية نفوذية واضحة.
وقالت الدوسري إن الإهداء الرمزي للخيمة الفاخرة، إلى جانب الصور التي تظهر ولي العهد داخل منزل إبستين، تشير إلى انسجام شخصي وسياسي يمتد إلى أبعاد لم تُعلن.
وأضافت أن هذه العلاقة لا تقتصر على “تبادل هدايا” أو مصالح استثمارية، بل تمثل قناة نفوذ محتملة وتأمين مواقع استراتيجية داخل شبكة إبستين، وهو ما يضع ولي العهد أمام تساؤلات أخلاقية وسياسية لا يمكن تجاهلها.
وتأتي هذه التسريبات في توقيت حساس للغاية، حيث يتزامن الكشف عنها مع زيارة محمد بن سلمان إلى واشنطن لمناقشة صفقة دفاعية ضخمة محتملة مع الولايات المتحدة.
ورأت الدوسري أن هذا الملف الأخلاقي قد يتحول إلى ورقة ضغط سياسية، تُستخدم لتقييد طموحات محمد بن سلمان أو لإبرام صفقة دفاعية بشروط أكثر فائدة للجانب الأميركي.
كما أكدت أن الضغط السياسي من الكونغرس مع تسريب ملف إبستين قد يضعف قدرة السعودية التفاوضية، ويعرضها لمزيد من التدقيق الدولي بشأن سلوك القيادة وأخلاقياتها.
يذكر أن جيفري إبستين، المولود في 20 يناير 1953 في بروكلين بولاية نيويورك، أسس شركة استثمارات ناجحة في عام 1982، واستقطب أصحاب الثروات الكبرى.
ومع ذلك، واجه اتهامات بالاتجار بالبشر لأغراض جنسية، وعُثر عليه ميتًا في زنزانته في نيويورك عام 2019. تسلط علاقة ولي العهد بإبستين الضوء على حجم المخاطر الأخلاقية والسياسية التي تنطوي عليها هذه الصلة، والتي تشمل احتمالية تأثيرها على الأمن الدولي والسمعة السعودية.
في النهاية، لا يمكن فصل الانتهاك الأخلاقي عن التأثير السياسي. علاقة محمد بن سلمان بإبستين ليست مجرد فضيحة شخصية، بل تمثل مؤشرًا خطيرًا على تداخل السلطة والنفوذ والفساد الأخلاقي، وتفتح الباب أمام تداعيات دبلوماسية وسياسية واسعة، خاصة في ظل تساؤلات الكونغرس الأميركي واهتمام المجتمع الدولي بفضح كافة روابط إبستين بالقيادات العالمية.
وزيارة ولي العهد إلى واشنطن في هذا التوقيت الحرِج تزيد من الأهمية السياسية لهذه الملفات، وتجعل من الضروري إعادة تقييم قدرة القيادة السعودية على الانخراط في علاقات دولية دون أن تشوبها مخاطر أخلاقية وسياسية واضحة.




