متفرقات سعودية

الحكومة السعودية تراهن على الذكاء الاصطناعي بدل النفط وسط تشكيك واسع

لطالما كانت السعودية واحدة من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للنفط في العالم، ولبضعة عقود، شكل النفط العمود الفقري لاقتصادها ونفوذها الدولي. لكن مع التحولات العالمية نحو الاقتصاد الرقمي، باتت المملكة تُراهن على مورد جديد: القدرة الحاسوبية والذكاء الاصطناعي.

إلا أن هذه الرهانات تواجه شكوكًا واسعة حول قدرتها على تحقيق النجاح في هذا المجال، نظرًا لعدة تحديات هيكلية واستراتيجية. فقد أكدت مصادر متعددة أن السعودية تُعاني من نقص كبير في الخبرات المتخصصة بالذكاء الاصطناعي، وهو ما يمثل عائقًا أمام تحويل الأموال الضخمة التي تستثمرها إلى نتائج ملموسة.

كما يُحذّر خبراء من أن السوق العالمي للحوسبة قد يتعرض لفائض كبير في القدرات، مع تسابق الحكومات والشركات الكبرى لبناء مراكز بيانات ومرافق حوسبة بسرعة تفوق قدرتها على تحقيق أرباح فعلية.

وأوضح جون دينسديل، المحلل البارز في شركة سينرجي، أن: “لا يمكنك أن تقول ‘إطلاقًا’، ولكن لا يمكنني أن أتخيل أي ظروف من شأنها أن تمكن السعودية من تحقيق 6% من قدرة الحوسبة بالذكاء الاصطناعي في العالم.”

والمملكة، بصفتها دولة مصدّرة للنفط، استفادت تاريخيًا من التعاون مع الدول الغنية بالطاقة عبر منظمة أوبك بلس، حيث يمكنها ضبط الأسعار وموازنة الإنتاج بما يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية.

أما في مجال الذكاء الاصطناعي، فلا يوجد مثل هذا النوع من التعاون، ولا شبكة معروفة تسمح للمملكة بالتحكم في سوق عالمي أو تحديد قواعد اللعبة كما تفعل في قطاع النفط.

علاوة على ذلك، تتأخر السعودية في السباق الإقليمي للذكاء الاصطناعي أمام الإمارات، التي أعلنت هذا العام عن مشروع ضخم بقيمة مليارات الدولارات مع شركة OpenAI في أبوظبي، ليعزز مكانتها كمركز إقليمي للتقنيات الحديثة.

بينما يبدو أن السعودية، رغم ضخ الأموال، تعتمد على مبادرات داخلية منفردة دون شراكات استراتيجية واسعة على المستوى الإقليمي أو الدولي.

ويرى المحللون أن طموح السعودية لا يقتصر على مجرد تحويل اقتصادها من النفط إلى التكنولوجيا الرقمية، بل يمتد إلى محاولة استعادة النفوذ الدولي الذي حصلت عليه عبر النفط من خلال الذكاء الاصطناعي.

وبحسب فيفيك شيلوكوري، الزميل البارز في مركز الأمن الأمريكي الجديد: “من السهل القول إن هذا مجرد مثال آخر على قيام السعوديين بإنفاق المال على آخر صيحة لافتة، لكن ذلك قد يُقلّل أيضًا من حجم طموحهم. لن يحققوا جميع أهدافهم، لكن ربما يحققون أكثر مما يتوقعه كثير من منتقديهم.”

لكن النقاد يلفتون إلى أن الاعتماد على الإنفاق المالي وحده لا يكفي لبناء مكانة عالمية في الذكاء الاصطناعي. فالمملكة تواجه تحديات هيكلية تشمل نقص الكفاءات التقنية، محدودية البحث العلمي المتقدم، وبنية تحتية رقمية لا تزال قيد التطوير.

كما أن تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات الاقتصادية يحتاج إلى ثقافة تنظيمية وتشريعية متقدمة، وهو ما تتأخر فيه السعودية مقارنة بدول مثل الإمارات أو حتى الصين والولايات المتحدة.

ويعكس الرهان على الذكاء الاصطناعي أيضًا طموحات سياسية أوسع، حيث يسعى محمد بن سلمان لاستخدام هذه التقنيات لتعزيز نفوذ المملكة في الاقتصاد والسياسة الدولية، كما فعل النفط سابقًا.

ولكن الكثيرين يشككون في إمكانية تحويل هذا الطموح إلى واقع ملموس، مؤكدين أن الأسواق العالمية للذكاء الاصطناعي سريعة التغير ومليئة بالمنافسين الأقوياء.

ورغم هذه الانتقادات، فإن الاستثمار الضخم للسعودية في الذكاء الاصطناعي يُظهر جديتها في تبني الاقتصاد الرقمي. إذ تم إنشاء مراكز بيانات ضخمة، وإطلاق برامج تدريبية للشباب، بالإضافة إلى اتفاقيات محدودة مع شركات عالمية، وكلها خطوات تهدف إلى وضع المملكة على خريطة التكنولوجيا العالمية.

لكن تبقى علامات الاستفهام كبيرة حول مدى نجاح السعودية في المنافسة العالمية، خصوصًا أمام نقص الخبرات والتأخر الإقليمي، وغياب الشراكات الدولية الواسعة التي تمكنها من تحويل استثماراتها الطموحة إلى قوة تقنية فعلية يمكنها التأثير على السوق العالمي كما فعلت عبر النفط لعقود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى