التمييز ونظام الكفالة في مقدمة الانتهاكات ضد العمال في السعودية

لا تزال ملفات التمييز ونظام الكفالة سيء السمعة في مقدمة الانتهاكات ضد العمال في السعودية على الرغم من الوعود المتكررة التي تطلقها السلطات وتروج لها دوليا بشأن إدخال تعديلات وتحسينات لحماية الحد الأدنى من حقوق العمال في المملكة.
ومنذ العام 2010 وحتى 2020، كان المواطن السوري محمد القديمي (مواليد 18 ديسمبر 1970) شاهدًا على سلسلة طويلة من الانتهاكات الجسيمة والممنهجة التي ارتكبها نظام الكفالة والسلطات السعودية ضده، بما في ذلك التمييز والإجراءات التعسفية التي استهدفت حياته وعائلته.
وقد وثقت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان تفاصيل هذه الانتهاكات، مؤكدة أنها لم تكن أحداثًا فردية بل جزءًا من سياسات ممنهجة تُسهل الاستغلال والابتزاز ضد العمال الأجانب في المملكة.
خلفية القضية
دخل محمد القديمي السعودية في العام 2010 بموجب فيزا للعمل كمندوب مبيعات، ثم قدّم في 2011 طلبًا للحصول على تأشيرة استثمار عبر هيئة الاستثمار في الدمام، إلا أن الطلب لم يُستكمل بسبب عوائق قانونية مرتبطة بجنسيته.
وخلال الفترة بين 2010 و2015، عمل القديمي في استيراد شاحنات وناقلات سيارات عبر المنافذ السعودية، وكان يعمل تحت اسم كفيله وفق نظام الكفالة.
في 2015، طالب القديمي بإعادة ممتلكاته، التي بلغت قيمتها نحو خمسة ملايين ريال، تمهيدًا لنقلها إلى الأردن. لكن كفيله طلب مبلغًا إضافيًا قدره مئتا ألف ريال مقابل التنازل عن الممتلكات.
وبعد دفع المبلغ، قُدّم ضده بلاغ هروب، وفُبركت عليه قضايا اختلاس وسرقة، وصدر بحقه تعميم بالقبض. رغم تقديم محاميه أدلة على كيدية البلاغات، لم تتجاوب السلطات، فرفع القديمي شكوى إلى أمير المنطقة الشرقية دون جدوى.
أحداث 2020
في يناير 2020، نفّذت قوات الأمن السعودية مداهمة ليلية لمنزل القديمي في الدمام، حيث قطع اثنا عشر عنصرًا الكهرباء قبل اقتحام الشقة.
خلال المداهمة، أخبر الضباط الأسرة أن الأطفال سيُنقلون إلى “مكان خاص”، ما تسبب بأضرار نفسية وصحية جسيمة للأطفال، بينها إصابة ابنته بشلل في العصب السابع، ورجفة وتسارع نبض وتبوّل لا إرادي لبقية الأطفال، وفق تقارير طبية.
نُقل القديمي إلى سجن الترحيلات في الخبر، بينما وُجدت أسرته محتجزة في غرفة بمركز تسوّل الدمام. حاولت السلطات ترحيله قسريًا إلى سوريا، لكنه رفض لأسباب أمنية.
وقد استمر احتجازه قرابة شهرين وسط ظروف مزرية خلال تفشي جائحة كوفيد-19، حيث سجلت الوفيات اليومية بين المحتجزين نتيجة الاكتظاظ وتدهور الخدمات الصحية والمياه والصرف والنظافة.
في 13 مارس 2020، وافق القديمي على الترحيل إلى السودان، إلا أن تعليق الطيران أجبره وأسرته على البقاء في السعودية. وبين مارس وديسمبر 2020، تقدّم القديمي بشكاوى إلى جهات مختصة في الرياض، ولم يتلق أي رد، كما طلب تأشيرات لحكومة أربيل وانتظر صدورها.
وفي 12 نوفمبر 2020، داهم ستة عناصر أمنيين منزله مجددًا بعد قطع الكهرباء، حيث تعرّض للخنق العنيف لمحاولة إسكاته بسبب شكاواه السابقة، بينما تعرضت زوجته للركل.
وقد نُقل إلى مركز شرطة جنوب الدمام وتعرض للضرب حتى فقد الوعي، ثم وُجهت له تهمة “مقاومة”، قبل أن يُعاد إلى سجن الترحيلات ويظل هناك شهرين تحت محكمة جزائية حتى أُفرج عنه ببراءة وتم ترحيله خارج المملكة.
آثار الانتهاكات
عانت أسرة القديمي من آثار نفسية مستمرة شملت القلق، الكوابيس، العزلة، التبوّل الليلي، ورهاب الشرطة. بعد ترحيلهم إلى أربيل، تلقى الأطفال علاجًا نفسيًا لمدة عامين قبل انتقال الأسرة إلى ألمانيا، حيث أُعيد دمج الأطفال في المدارس بعد حرمانهم من التعليم منذ 2017 بسبب أوضاع الإقامة والخدمات في السعودية.
وترى المنظمة أن الانتهاكات التي تعرض لها القديمي تعكس غياب الضمانات القانونية في السعودية، واستمرار سياسات تتعارض مع الالتزامات الدولية للمملكة.
تشمل هذه الانتهاكات الاحتجاز التعسفي، المعاملة القاسية واللاإنسانية، محاولات الترحيل القسري، وسلب الممتلكات عبر استغلال نظام الكفالة والسلطات المحلية، وهو ما يتعارض مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية حقوق الطفل.
كما تشير المنظمة إلى أن استمرار تطبيق نظام الكفالة على شرائح واسعة من العمالة، رغم بعض التعديلات الشكلية، يرسّخ بيئة من الاستغلال والابتزاز والتهديد، ويسهّل وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التمييز المنهجي والمعاملة القاسية، ويستدعي إصلاحًا شاملاً للنظام بما يضمن حماية حقوق العمال ومحاسبة المتسببين في الانتهاكات.





