تقرير أممي: كبار السن في السعودية يفتقرون للحماية القانونية والرعاية الشاملة

قدمت كلو يا ماهلر، الخبيرة المستقلة المعنية بتمتع كبار السن بجميع حقوق الإنسان، تقريرها الموسع حول زيارتها إلى السعودية التي أجرتها في أبريل/نيسان 2025، وذلك على هامش الدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف.
ورغم أن الزيارة جاءت بدعوة رسمية من الحكومة السعودية، فإن التقرير كشف عن ثغرات واسعة في الأطر القانونية والسياسات العملية.
وأشار إلى استمرار أشكال متعددة من التمييز والإقصاء بحق كبار السن، بما في ذلك غياب الحماية القانونية، ضعف الرعاية الصحية والاجتماعية، وعدم وجود مؤسسات مجتمع مدني مستقلة قادرة على نقل أصواتهم.
غياب الحماية القانونية والسياسات الشاملة
أوضح التقرير أن السعودية لا تتضمن في دستورها أو قوانينها نصوصًا صريحة تحظر التمييز على أساس العمر، ما يترك كبار السن بلا حماية واضحة أمام ممارسات التهميش.
ورغم إقرار “نظام حقوق كبير السن” وبعض القوانين الجزئية، إلا أنها جاءت عامة وغامضة وتفتقر إلى آليات التنفيذ.
كما انتقدت المقررة غياب استراتيجية وطنية متكاملة لحقوق كبار السن، حيث تقتصر الجهود الحكومية على لجان أو برامج متفرقة لا ترقى إلى مستوى سياسات شاملة قائمة على حقوق الإنسان.
ضعف إمكانية الوصول والخدمات الرقمية
سجل التقرير بعض التحسينات مثل تطوير قطار الحرمين وتوسعة المرافق العامة في الرياض، لكنه أشار إلى استمرار نواقص بارزة في وسائل النقل العام، بما في ذلك غياب المصاعد، الإشعارات الصوتية، والمقاعد المخصصة.
كذلك، فإن الاعتماد المتزايد على الخدمات الرقمية الحكومية وضع كبار السن أمام تحديات كبيرة نتيجة ضعف الثقافة الرقمية وغياب برامج الدعم، ما أدى إلى تمييز غير مباشر ضدهم وحد من استقلاليتهم.
وانتقد التقرير اقتصار أنظمة التقاعد والضمان الاجتماعي على العاملين في وظائف رسمية، مع استثناء شبه كامل لغير السعوديين والعمال المهاجرين. ونتيجة لذلك، يعتمد كثير من كبار السن على المساعدات الخيرية التي تفتقر إلى معايير موحدة أو ضمانات حقوقية.
كما أن بعض المعاشات التقاعدية تقع تحت خط الفقر الوطني، ما يضع شريحة واسعة من المسنين في أوضاع اقتصادية هشة، ويجعلهم عرضة للإقصاء والاعتماد على الغير.
الرعاية والدعم: عبء غير متوازن على النساء
أكد التقرير أن النظام الأسري التقليدي لا يزال يشكل العمود الفقري لرعاية كبار السن، لكن هذا النموذج يلقي العبء الأكبر على النساء، خاصة في غياب سياسات لدعم مقدمي الرعاية أو تعويضهم.
كما سلط الضوء على هشاشة وضع العمالة المنزلية المهاجرة، التي تضم نساء مسنات، ويواجهن ضعف الحماية القانونية، مما يجعلهن عرضة للاستغلال وسوء المعاملة.
أوضاع كبار السن في السجون
من بين أبرز الانتقادات، أعربت الخبيرة عن قلق عميق من وجود محتجزين مسنين بشكل تعسفي، خصوصًا في القضايا السياسية والأمنية. وأكدت أن ظروف الاحتجاز في بعض الحالات غير إنسانية وتفتقر للشفافية، إذ لا توجد بيانات دقيقة عن أعداد المسنين أو أوضاعهم الصحية.
وأشارت إلى غياب برامج مخصصة لهذه الفئة داخل السجون، سواء في الرعاية الصحية أو الأنشطة أو التواصل مع العائلات. كما اعتبرت أن منعها من لقاء بعض السجناء البارزين مثل سلمان العودة وسفر الحوالي يمثل انتهاكًا لاختصاصاتها ويحد من القدرة على توثيق الانتهاكات.
ورغم الاستثمارات الحكومية في القطاع الصحي، لفت التقرير إلى أن غير السعوديين محرومون من الرعاية المجانية، ما يتعارض مع مبدأ عدم التمييز.
كما أن الخدمات الصحية المتخصصة غير متاحة بشكل عادل في المناطق الريفية، مما يترك كبار السن هناك في أوضاع أكثر هشاشة.
هيئة حقوق الإنسان: دور شكلي
انتقد التقرير ضعف دور هيئة حقوق الإنسان السعودية، مشيرًا إلى أن مكتب الهيئة في سجن الحائر لم يكن على علم بأعداد المسنين المحتجزين أو أوضاعهم، رغم أن الزيارة كانت مقررة مسبقًا. واعتبرت الخبيرة أن هذا يعكس الطابع الشكلي لدور الهيئة ويضعف قدرتها على الرقابة.
وتطرق التقرير أيضًا إلى ضعف آليات الإبلاغ عن سوء المعاملة أو العنف ضد كبار السن، حيث لا تصل هذه الآليات إلى جميع الفئات. كما أن العاملين في المؤسسات لا يتلقون التدريب الكافي للتعرف على حالات الإهمال أو العنف والتعامل معها بفعالية.
وخلصت الخبيرة المستقلة إلى أن المملكة رغم إظهارها رغبة في الانفتاح عبر السماح بهذه الزيارة، ما زالت تفتقر إلى سياسات متكاملة لحماية كبار السن وضمان حقوقهم.
وشددت على أن أي إصلاح حقيقي يتطلب: تشريعات واضحة تحظر التمييز على أساس العمر واستراتيجية وطنية شاملة تضمن الحماية الاجتماعية والصحية وتمكين مؤسسات المجتمع المدني المستقلة لتكون قادرة على نقل أصوات كبار السن إلى جانب معالجة أوضاع المحتجزين المسنين بما يتماشى مع المعايير الدولية.
وبينما أشارت إلى بعض التحسينات المحدودة، فإن التقرير رسم صورة قاتمة لوضع كبار السن في السعودية، مؤكدًا أن هذه الفئة لا تزال بعيدة عن التمتع الكامل بحقوقها الأساسية، وسط قيود سياسية وقانونية تحول دون تقدم ملموس.




