متفرقات سعودية

فضائح الاستغلال المنهجي للعمال المهاجرين في السعودية

سلطت منظمة حقوقية الضوء على استمرار فضائح الاستغلال المنهجي للعمال المهاجرين في السعودية لا سيما معاناة المهاجرين من شرق أفريقيا في المملكة.

وتُعد السعودية واحدة من أكبر الوجهات للعمال المهاجرين في الشرق الأوسط، حيث يشكل المهاجرون الدوليون 39٪ من إجمالي السكان. وقد شهد اعتماد المملكة على العمالة الأجنبية نموًا كبيرًا، حيث يعمل الملايين من الأجانب في مختلف القطاعات داخل البلاد.

من الجوانب الرئيسة للهجرة في السعودية، يجب الإقرار بأن اقتصاد المملكة يعتمد بشكل كبير على العمالة المهاجرة، حيث يشكل المهاجرون جزءًا كبيرًا من القوى العاملة، بحسب ما أبرزت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين.

وتُحرك أنماط الهجرة في السعودية بشكل رئيس الحاجة إلى العمالة في الاقتصاد السعودي وخطط التنمية الاقتصادية، مثل مبادرة رؤية 2030. كما أثرت جائحة كوفيد-19 والتحولات الاقتصادية العالمية على أنماط الهجرة، مما أدى إلى فقدان بعض العمال المهاجرين لوظائفهم وترحيلهم إلى بلدانهم.

يعمل غالبية المهاجرين في قطاعات مثل الزراعة، والتنظيف، والخدمات المنزلية، حيث يكون الطلب على العمالة غير الماهرة مرتفعًا.

وتختلف أوضاع العمال الأجانب بناءً على بلدانهم الأصلية: فعادةً ما يشغل الأفراد القادمون من الدول العربية والغربية المناصب العليا التي لا يشغلها السعوديون، في حين تتركز الوظائف الأدنى في الغالب في أيدي أشخاص من إفريقيا وجنوب شرق آسيا ممن يسعون لتحسين أوضاعهم المعيشية في السعودية.

تُدار العمالة المهاجرة في السعودية من خلال نظام الكفالة، وهو إطار عمل توظيف قائم على الكفالة الشخصية، ويُستخدم بشكل واسع في السعودية ودول الخليج الأخرى.

بموجب هذا النظام، يعتمد العمال المهاجرون بشكل كامل على أصحاب العمل، الذين يتمتعون بسيطرة كبيرة على وضعهم القانوني، بما في ذلك قدرتهم على تغيير الوظائف، مغادرة البلاد، أو حتى الاحتفاظ بجوازات سفرهم. ويواجه المهاجرون تحديات كبيرة فيما يتعلق بالحماية القانونية، والاندماج الاجتماعي، وحقوق الإنسان، مما يجعل من الصعب على الكثيرين منهم العيش والعمل في البلاد بكرامة وأمان.

إلى جانب الهجرة القانونية للعمل، تشهد السعودية أيضًا هجرة غير نظامية، حيث يسعى المهاجرون لتحسين أوضاعهم الاقتصادية من دون الحصول على تصاريح عمل قانونية. هؤلاء المهاجرون عرضة للاعتقال التعسفي، الترحيل، والاستغلال.

قامت الحكومة السعودية ببذل جهود لمعالجة بعض القضايا الهيكلية التي تواجه العمال المهاجرين، حيث تم تقديم قوانين عمل جديدة. ومع ذلك، أثبتت هذه القوانين عدم كفايتها، ولا تزال مسألة تنفيذها تشكل تحديًا، مما يترك العمال المهاجرين عرضة لاستمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

التمييز ضد العمال المهاجرين

تضم السعودية قوة عاملة مهاجرة ضخمة تصل إلى 13.4 مليون شخص، يعانون حاليًا من ظروف معيشية وعملية استغلالية. السبب الرئيس وراء هذه الانتهاكات هو نظام الكفالة في السعودية، الذي ظهر في دول الخليج في أوائل القرن العشرين لإدارة العمالة الأجنبية في صناعة اللؤلؤ. لكنه منح أصحاب العمل في النهاية سلطة مفرطة على تنقل العمال ووضعهم القانوني في البلاد.

وقد تعرض نظام الكفالة لانتقادات واسعة بسبب مساهمته في الاستغلال، والانتهاكات، والاتجار بالبشر، وتعزيز عدم التوازن في السلطة والتمييز على أساس الجنسية والوضع الاجتماعي، حيث يعاني العمال المهاجرون غالبًا من ظروف قاسية وسوء معاملة.

تعتمد خطة رؤية 2030 للسعودية بشكل كبير على العمال المهاجرين، الذين تعرضوا لظروف مسيئة شملت سرقة الأجور بشكل واسع، وظروف عمل غير آمنة، والترهيب، والعمل القسري بسبب الديون، وتقييد الحركة.

يظهر تحكم أصحاب العمل أيضًا في الحماية القانونية، والأجور، وظروف العمل والمعيشة. يواجه العمال المهاجرون مخاطر تشمل مصادرة جوازات سفرهم، الاحتجاز القسري، الاعتداء الجسدي، ومنعهم من الاستفادة من المساعدات الاجتماعية أو المشاركة السياسية.

يعاني العديد من العمال المهاجرين من تراكم الديون نتيجة دفع رسوم التوظيف، مما يؤدي إلى دورة من الاستغلال حيث يكافحون لسداد هذه الديون في أثناء العمل في ظروف غير مستقرة. وقد أسهم نظام الكفالة في تمكين العمل القسري وتعزيز التمييز المنهجي ضد العمال المهاجرين.

في مارس 2021، نفذت السلطات السعودية مبادرة إصلاحات العمل بهدف تخفيف القيود والسماح للعمال المهاجرين بتغيير وظائفهم دون موافقة أصحاب العمل في حالات معينة. ومع ذلك، ركزت هذه الإصلاحات بشكل أساسي على عمال القطاع الخاص، واستثنت الفئات الأكثر ضعفًا والأقل حمايةً من العمال المهاجرين، مثل العمالة المنزلية، السائقين الشخصيين، المزارعين، حراس الأمن، والرعاة، من الحماية التي توفرها قوانين العمل.

وفي أكتوبر 2023، أصدرت السعودية قوانين عمل جديدة تحظر صراحةً مصادرة جوازات السفر، تحدد ساعات العمل القصوى، وتُدخل لوائح خاصة بالصحة والسلامة. ومع ذلك، يبقى تأثير هذه القوانين على حياة العمالة المنزلية غير واضح. كما فشلت القوانين في معالجة قضية وضع حد أدنى للأجور للعمالة المنزلية، مما يترك فجوة كبيرة في حماية حقوق العمال.

وتعتمد فعالية هذه الإصلاحات على التنفيذ الفعلي. علاوة على ذلك، لم تفكك الإصلاحات نظام الكفالة بالكامل، حيث لا يزال في بعض الحالات يتيح سرقة الأجور واستمرار اعتماد العمال المهاجرين على كفلائهم لتغيير الوظائف، والسفر، والحصول على الإقامة والعمل في البلاد.

وتحدث فترات انقطاع في أثناء العمل أو الحبس. خلال العمل، غالبًا ما يعمل العمال المهاجرون لساعات طويلة مع دفع جزئي للأجور أو دون أجر، ويفقدون الاتصال بأسرهم، ويعانون من تقييد الحريات أو سوء المعاملة.

كما أنهم يواجهون خطر الاعتقال إذا اعتُبروا مهاجرين غير نظاميين، ويتم احتجازهم في السجون السعودية لفترات غير محددة قبل ترحيلهم. وخلال فترة الاحتجاز، يتم عزلهم عن العالم الخارجي، ويفقدون ممتلكاتهم، وأفراد أسرهم، وأي أموال جمعوها أو ادخروها.

برغم التمييز ضد المهاجرين وانتهاك حقوقهم، قامت السعودية باستثمارات كبيرة لتحويل الأنظار عن سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. أنفقت المملكة مليارات الدولارات على استضافة فعاليات ترفيهية وثقافية ورياضية كبرى بهدف تلميع سجلها في مجال حقوق الإنسان وتعتمد المشاريع الطموحة لرؤية السعودية 2030، مثل مدينة نيوم المستقبلية وكأس العالم 2034، بشكل كبير على قوة عاملة مهاجرة في قطاع البناء، والتي تظل ضعيفة الحماية بموجب قوانين العمل في البلاد.

التمييز ضد المهاجرين من شرق أفريقيا

تتضمن السعودية، التي يبلغ عدد سكانها 35 مليون نسمة، نحو 10 ملايين عامل مهاجر من آسيا وأفريقيا والمنطقة العربية، يعملون في مجموعة من القطاعات، بما في ذلك البناء، والضيافة، والعمل المنزلي. وتعد هذه القطاعات هي الأكثر تعرضًا لخطر العمل القسري بالنسبة للعمال المهاجرين.

إن حقيقة أن الإصلاحات التي أُدخلت على نظام الكفالة تستثني بعض القطاعات توحي بأن السعودية قد استهدفت عمدًا شريحة معينة من السكان، متعمدةً إبقاءهم دون فوائد هذه التغيرات. وتؤثر هذه الحالة بشكل خاص على المهاجرين من دول شرق أفريقيا مثل كينيا وإثيوبيا، بالإضافة إلى اليمن.

يسعى معظم المهاجرين من شرق أفريقيا إلى الوصول إلى دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، بحثًا عن جودة حياة أفضل وفرص عمل ذات دخل أعلى. يعيش في السعودية حوالي 750,000 إثيوبي، وعلى مدى العقد الماضي، بلغت متوسط حركة اللاجئين والمهاجرين غير النظامية من إثيوبيا إلى اليمن نحو 100,000 شخص سنويًا.

يسافر معظم هؤلاء المهاجرين عبر الطريق الشرقي للهجرة، الذي يتضمن رحلة محفوفة بالمخاطر من إثيوبيا إلى اليمن عبر جيبوتي والصومال، قبل عبورهم إلى السعودية. ويصل آخرون إلى السعودية بتصاريح عمل، وعادةً ما يكون ذلك بالطائرة.

بينما يهاجر العديد من الأشخاص لأسباب اقتصادية، يفر آخرون من انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة في بلدانهم، بما في ذلك الصراع المستمر في شمال إثيوبيا. يواجه المهاجرون الفارون من النزاع والانتهاكات خطر رحلات خطيرة، غالبًا ما تكون محفوفة بالاستغلال من قبل المهربين وشبكات الاتجار بالبشر.

وعندما يصلون إلى اليمن، يحتجزون في ظروف قاسية، ويطلب منهم  رشاوى، ويعرضون  لأشكال أخرى من الإساءة. عند وصولهم إلى السعودية، يكون هؤلاء المهاجرون عرضة للاستغلال والعنف من قبل أصحاب العمل بسبب نظام الكفالة السائد.

كما يواجهون خطر الموت بسبب الإهمال في أثناء احتجازهم في مراكز الترحيل انتظارًا لترحيلهم. تحتجز السعودية المهاجرين الذين لديهم أوامر بالترحيل، وبشكل رئيس أولئك الذين دخلوا البلاد بطرق غير قانونية أو تجاوزوا مدة تصاريحهم، وأغلبهم من المواطنين الإثيوبيين. ويتم احتجاز هؤلاء الأفراد في منشآت احتجاز سيئة الصيانة تعرف بمراكز الترحيل.

من المؤسف للغاية أن العديد من المهاجرين من شرق أفريقيا الذين يفرون من الإساءة أو الصراع في بلدانهم يواجهون بعد ذلك المضايقات والانتهاكات من قبل أصحاب العمل السعوديين، بالإضافة إلى خطر إضافي يتمثل في ترحيلهم إلى مراكز الاحتجاز دون أي تحقيق جاد في الانتهاكات التي تعرضوا لها.

الظروف في مراكز الاحتجاز

نفذت المملكة بانتظام عمليات ضد العمال المهاجرين غير الموثقين، بما في ذلك حملات اعتقال كبيرة في نوفمبر 2013 وأغسطس 2017. من بين المستهدفين، واجه الإثيوبيون احتجازًا طويلًا مقارنة بالعمال المهاجرين من جنسيات أخرى.

ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة العفو الدولية، منذ عام 2017، قامت السلطات السعودية بسجن مئات الآلاف من المهاجرين الإثيوبيين بشكل تعسفي، سواء ممن عبروا الحدود من اليمن أو المقيمين في السعودية، كجزء من جهودها لقمع الهجرة غير الموثقة.

في مارس 2022، اتفقت حكومتا إثيوبيا والسعودية على إعادة أكثر من 100,000 إثيوبي كانوا يقيمون بشكل غير قانوني في البلاد. وقد تعرض العديد من هؤلاء المهاجرين للاحتجاز في مراكز تحت ظروف قاسية، تعرضوا خلالها للتعذيب وسوء المعاملة، وتم إعادتهم قسريًا إلى إثيوبيا.

لم يتلق معظم المهاجرين الذين تم اعتقالهم أي معلومات عن أسباب احتجازهم أو مدة سجنهم. وكانت الاعتقالات التعسفية والمعاملة اللاإنسانية مدفوعة في الغالب بعدم وجود وثائق إقامة أو تصاريح عمل للمهاجرين—وهي الحالات التي يسهلها نظام الكفالة الاستغلالي.

علاوة على ذلك، كانت مدة الاحتجاز غير محددة: في حين احتجز بعض السجناء لبضعة أيام فقط، عانى آخرون من شهور أو حتى سنوات في الاحتجاز قبل الترحيل. طوال هذه العملية، كانت حقوق الإنسان للمهاجرين تنتهك بشكل روتيني.

في عام 2019، وثّقت منظمة هيومن رايتس ووتش حوالي 10 سجون ومراكز احتجاز في السعودية حيث كان المهاجرون يُحتجزون في ظروف مكتظة، غير صحية، وتعسفية، مع وصول غير كافٍ إلى الطعام والماء والرعاية الصحية.

كشفت المقابلات مع السجناء السابقين أن الاكتظاظ كان شديدًا، حيث كانت بعض الزنازين المخصصة لـ 60 شخصًا تحتوي على 200 إلى 400 سجين.

وقد أدت هذه الظروف المتطرفة إلى مشاكل طبية خطيرة، بما في ذلك أمراض جسدية مثل السل والعدوى الأخرى، بالإضافة إلى الصدمة النفسية المرتبطة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، والاعتداءات الجنسية المشتبه بها، وأمراض الجهاز التنفسي مثل الالتهاب الرئوي.

وتم حرمان العديد من السجناء الذين يعانون من مشاكل صحية خطيرة، بما في ذلك مشاكل في الجهاز التنفسي وأمراض جلدية، من الحصول على الرعاية الطبية في الوقت المناسب.

أفادت منظمة العفو الدولية أيضًا عن احتجاز النساء الحوامل والرضع، مع تسليط الضوء على الظروف المكتظة وغير الصحية، حيث كانت الأمهات والأطفال الصغار مضطرين للاتكاء على الأرض.

ويثير نقص الدعم الطبي الكافي القلق بشكل خاص، نظرًا لأن العديد من العمال المهاجرين غير الموثقين الذين تم احتجازهم قد حملوا بسبب الاغتصاب أثناء رحلتهم إلى السعودية أو الاعتداءات الجنسية من قبل أصحاب العمل داخل البلاد.

كما تم توثيق حالات تعذيب وسوء معاملة من قبل حراس مراكز الاحتجاز. تعرض الضحايا للضرب وتم تعريضهم لدرجات حرارة عالية، مما أدى في بعض الحالات إلى إصابات جلدية. وغالبًا ما كانت هذه الانتهاكات تُستخدم كعقوبة على تصرفات مثل مشاركة ظروف الاحتجاز على وسائل التواصل الاجتماعي، أو مقاطعة الطعام، أو رفض الرعاية الطبية.

أفاد السجناء أيضًا أن ما لا يقل عن 10 من زملائهم الإثيوبيين في الزنزانة توفوا أثناء الاحتجاز بين أبريل 2021 ومايو 2022 بسبب تدهور صحتهم نتيجة التعذيب ونقص الرعاية الطبية. فشلت السلطات السعودية في تحديد أو محاكمة المسؤولين عن هذه الوفيات، ولم تبذل أي جهود لتسجيل أو تحديد أو إعادة جثث المهاجرين المتوفين إلى بلدانهم.

ووصفت شهادات أخرى التأثير الشديد لظروف الاحتجاز على الصحة العقلية والجسدية للمهاجرين الإثيوبيين، فضلاً عن التحديات الكبيرة التي واجهوها عند إعادة إدماجهم في المجتمع الإثيوبي. شملت هذه التحديات العزلة الاجتماعية، والمشاكل الصحية، وحالات الصحة النفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب.

ترحيل المهاجرين الإثيوبيين

في عام 2017، أطلقت الحكومة السعودية عملية كبيرة لإعادة المهاجرين غير الموثقين إلى بلدانهم الأصلية كجزء من جهودها لتقليص البطالة داخل المملكة.

وقد تم القبض على العديد من المهاجرين غير الموثقين وترحيلهم إلى بلدانهم، خاصة إلى إثيوبيا، بسبب العدد الكبير من المهاجرين الإثيوبيين. في عام 2022، سجلت المنظمة الدولية للهجرة عودة 93,500 مهاجر إثيوبي، بزيادة قدرها 18% مقارنة بعام 2021.

وقد أدانت منظمة هيومن رايتس ووتش ترحيل آلاف المهاجرين التيغرانيين من السعودية إلى إثيوبيا بعد احتجازهم بشكل غير قانوني لأشهر أو حتى سنوات في مراكز احتجاز رسمية وغير رسمية في جميع أنحاء المملكة. تعرض المهاجرون التيغرنيون للتعذيب الوحشي في أثناء احتجازهم الجائر قبل أن يتم ترحيلهم قسراً. وقد عانوا من الاكتظاظ، والضرب، وظروف صحية سيئة، مع نقص في الطعام والماء والرعاية الطبية. وكانت هذه الظروف المروعة للمهاجرين قضية قائمة منذ فترة طويلة في السعودية.

وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، بين عامي 2017 و2022، تم طرد حوالي نصف مليون مهاجر من السعودية إلى إثيوبيا بسبب وضعهم غير القانوني في الهجرة فقط. قامت الشرطة السعودية باعتقال المهاجرين غير الموثقين من منازلهم أو أماكن عملهم أو الأماكن العامة، وأرسلتهم إلى مراكز احتجاز مثل مركز الخرج أو الشميسي، حيث ظلوا لأكثر من عام دون توجيه تهم أو إتاحة الفرصة للطعن في احتجازهم.

بمجرد إعادة توطينهم في إثيوبيا، لم تتحسن أوضاع المهاجرين التيغريين. فقد واجهوا الاحتجاز التعسفي والتعذيب على يد السلطات الإثيوبية، التي تعاونت مع السعودية في هذا الشأن. وبذلك، ساهمت السعودية في هذه الانتهاكات من خلال مواصلة ترحيل التيغريين إلى إثيوبيا، حيث واجهوا خطر التعرض للاضطهاد. مشكلة أخرى هي نقص الموارد والملاجئ في إثيوبيا، مما يمنع العائدين من العودة إلى منازلهم، أو لم شملهم مع أسرهم، أو العثور على مساكن ملائمة.

وقد أدت هذه العملية السريعة وغير المستعدة لإعادة التوطين إلى جهود دمج بطيئة وغير كافية. يواجه معظم العائدين تحديات كبيرة بسبب وضعهم، حيث أنفقوا مدخراتهم على تكاليف المعيشة وتحويل الأموال لأسرهم. عانى العديد منهم من صعوبات شديدة خلال فترة وجودهم في السعودية وعند عودتهم، مما أدى إلى مشاكل صحية ونفسية متنوعة.

يعاني العديد من المهاجرين من صدمة نفسية نتيجة لتجاربهم، وتكون العواقب الجسدية شديدة. تتطابق المشاكل الصحية مع التقارير الواسعة عن الانتهاكات الحرمان، بما في ذلك الإصابات المنقولة جنسيًا لدى النساء اللائي تعرضن للاغتصاب، والإصابات الجسدية الناجمة عن عنف المهربين، مثل الكسور والإعاقات الدائمة.

معاملة المهاجرين من شرق إفريقيا الذين يعبرون الحدود

يُعتبر الطريق الشرقي، الشريط الحدودي بين اليمن والسعودية، واحدًا من أخطر المسارات للمهاجرين. فهو منطقة حرب عسكرية تضم جهات مسلحة متعددة، مثل التدخل العسكري الذي تقوده السعودية والإمارات واليمن.

على الرغم من المخاطر، يستخدم المهاجرون القادمون من القرن الإفريقي هذا الطريق منذ سنوات. الغالبية العظمى من المهاجرين من الجنسية الإثيوبية، حيث يشكلون أكثر من 90% من الوافدين إلى الخليج.

يدفعهم في البداية نقص فرص العمل وسوء الأوضاع الاقتصادية للهجرة، ثم يُجبرون لاحقًا على مغادرة بلادهم بعد الصراع الدموي في إثيوبيا الذي استهدف تيغراي. حوالي 31% من المهاجرين الإثيوبيين اتجهوا إلى السعودية، وكانت الهجرة في الغالب غير نظامية، مما جعل المهاجرين يعتمدون على شبكة من المهربين، ما زاد من تعرضهم للخطر على هذا الطريق الخطير.

على طول الطريق الشرقي، يواجه المهاجرون العديد من الانتهاكات، بما في ذلك القتل، والتعذيب، والاعتقال التعسفي، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والاستغلال، والنهب، والابتزاز. كما قد يتعرضون لمخاطر غير مباشرة، مثل الغارات الجوية والألغام الأرضية.

بمجرد وصولهم إلى اليمن، تصبح نقاط تجمع المهاجرين بؤرًا لهذه الانتهاكات يسمح اليمن للمهاجرين الأفارقة بالمرور عبر المناطق التي تسيطر عليها في طريقهم إلى السعودية، لكنه يقوم أحيانًا باعتقالات وترحيلات قسرية للمهاجرين، مما يعد انتهاكًا لمبدأ عدم الإعادة القسرية.

عند محاولة عبور الحدود إلى السعودية، تعرضت السلطات السعودية لانتقادات بسبب سوء معاملتها، والتمييز، والاستهداف المتعمد للمهاجرين الأفارقة. تقوم وحدات حرس الحدود السعودية (SBGU) عادةً بعرقلة مسارات المهاجرين الأفارقة واليمنيين من خلال تسيير دوريات بمركبات أمنية واستخدام أبراج مراقبة مزودة بأجهزة مراقبة وكاميرات حرارية.

في أكتوبر 2022، أصدر عدد من المقررين الخاصين للأمم المتحدة ومجموعات العمل بيانًا سلطوا فيه الضوء على مزاعم تتعلق بالقصف المدفعي عبر الحدود وإطلاق النار بأسلحة خفيفة يُزعم أن قوات الأمن السعودية ارتكبتها. ويُعتقد أن هذه الأعمال تسببت في وفاة ما يصل إلى 430 مهاجرًا وإصابة 650 آخرين خلال الفترة من 1 يناير إلى 30 أبريل 2022.

في عام 2023، أدانت منظمة هيومن رايتس ووتش قتل ما لا يقل عن مئات من المهاجرين وطالبي اللجوء الإثيوبيين على يد حرس الحدود السعودي. وقد حاول هؤلاء المهاجرون عبور الحدود اليمنية السعودية بين مارس 2022 ويونيو 2023.

قامت هيومن رايتس ووتش بتحليل العديد من الفيديوهات والصور التي توثق ظروف المهاجرين على الطرقات، وفي المخيمات، وفي المرافق الطبية، بالإضافة إلى البنية التحتية المتزايدة للأمن الحدودي السعودي. وقد وثقت المنظمة نمطاً ممنهجاً واسع الانتشار من العنف، بما في ذلك استخدام الأسلحة المتفجرة وإطلاق النار المستهدف، والذي إذا كان جزءاً من سياسة الحكومة، فقد يشكل جريمة ضد الإنسانية.

شملت العديد من الضحايا النساء والأطفال، ووصف الناجون إساءات مروعة مثل سؤالهُم عن أي طرف يفضلون أن يُطلق عليه النار.

وفقًا لمركز الهجرة المختلطة، واصلت السلطات الحدودية السعودية إطلاق النار بشكل عشوائي على المهاجرين الإثيوبيين واليمنيين الذين يعبرون الحدود السعودية مع اليمن في عامي 2023 و2024، دون استجابة كبيرة من المجتمع الدولي.

بالإضافة إلى مخاطر الموت بسبب الإهمال أو الإرهاق أثناء محاولتهم دخول البلاد أو التعرض لإطلاق النار من قبل حرس الحدود السعوديين، تشير التقارير إلى أن المهاجرين من شرق إفريقيا يواجهون أيضًا خطر التعرض للإساءة أو حتى القتل على يد أرباب عملهم، أو قد يموتون نتيجة الإهمال في أحد مراكز الاحتجاز.

انتهاكات القانون الدولي

يشكل القانون الدولي، وبالأخص القانون الدولي لحقوق الإنسان، ضمانة عالمية لحماية جميع الأفراد. لكن الواقع الذي يعيشه المهاجرون الباحثون عن الحماية في السعودية يكشف عن ثغرات كبيرة في التزام المملكة. تكشف تجارب المهاجرين في السعودية وعلى حدودها عن سجل سيئ في حقوق الإنسان، لا سيما فيما يتعلق بالمهاجرين من شرق إفريقيا.

يجب على السعودية الالتزام بالمبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني، والتي تحظر أعمال العنف أو التعذيب أو المعاملة القاسية بحق الأفراد، بغض النظر عن وضعهم، بما في ذلك المهاجرين. علاوة على ذلك، يجب معاملة جميع الأشخاص، بغض النظر عن جنسيتهم أو عرقهم أو وضعهم القانوني، على قدم المساواة وفقًا للمعايير الإنسانية الدولية.

عدم تصديق السعودية على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لا يعفيها من الإلتزامات الملزمة بموجب القانون الإنساني الدولي، ولا يقلل من خطورة الإنتهاكات التي تُرتكب بحق المهاجرين.

يُعتبر الاحتجاز التلقائي المرتبط بالهجرة ممارسة تعسفية. يجب أن تكون هناك قاعدة عامة ترفض هذا النوع من الاحتجاز، حيث ينبغي أن تخضع أي قيود على الحرية لإذن قانوني واضح، وأن تكون مبررة بهدف مشروع ومتوافقة مع مبدأ التناسب وخالية من أي تمييز. وبالتالي، فإن الاحتجاز المطول دون إتاحة فرصة للمراجعة القضائية يُعد انتهاكًا للقانون الدولي وتصرفًا تعسفيًا. كما أنه يمثل إساءة متعمدة للمهاجرين وطالبي اللجوء، بما في ذلك استهدافهم بهجمات عن قرب على الحدود.

المعاملة القاسية وغير الإنسانية، إضافة إلى الإهمال الطبي والوفيات في أثناء الاحتجاز، تشكل انتهاكًا لقواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، المعروفة باسم قواعد نيلسون مانديلا. هذه القواعد تضمن للمحتجزين حقوقًا أساسية تشمل توفير ظروف معيشية ملائمة، الرعاية الصحية، الطعام، والنظافة.

نتيجةً للاحتجاز التعسفي لأجل غير مسمى، وفي ظل ظروف قاسية وغياب الإجراءات القانونية للطعن في الاحتجاز، يجد العديد من المهاجرين أنفسهم مضطرين للعودة إلى إثيوبيا تحت الضغط.

هذه السياسة القسرية سمحت للسلطات السعودية بترحيل الإثيوبيين قسرًا إلى بلد يواجهون فيه خطر الاضطهاد أو التعذيب.

وهذا الفعل يعد انتهاكًا للقانون الدولي، وبشكل خاص لمبدأ عدم الإعادة القسرية الذي تلتزم به السعودية.

مبدأ عدم الإعادة القسرية يضمن أن لا يُعاد أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه لانتهاكات حقوق الإنسان.

على الرغم من حظر القانون الدولي احتجاز الأطفال لأسباب متعلقة بالهجرة، أفادت منظمة العفو الدولية باحتجاز النساء الحوامل، والأمهات مع أطفالهن، والأطفال غير المصحوبين في مراكز اعتقال الشميسي والخُرج.

تنص اتفاقية حقوق الطفل (CRC)، التي تعتبر السعودية طرفًا فيها، على أنه لا يجوز احتجاز الأطفال، وأن مثل هذه الإجراءات لا يمكن تبريرها بوضع الهجرة الخاص بالأطفال أو آبائهم.

ومن بين الانتهاكات الأخرى للالتزامات الدولية، الاستهداف المباشر للمهاجرين من خلال هجمات جوية وبرية نفذتها قوات الأمن السعودية.

إن الاستخدام المفرط للأسلحة النارية لمنع المهاجرين من عبور الحدود السعودية اليمنية ينتهك اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبروتوكولها الملحق، خاصة بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، الذي يلزم الدول بتوفير الحماية اللازمة لضحايا الإتجار بالبشر.

الخاتمة

واقع الهجرة في السعودية معقد ويشهد تحولات مستمرة. يلعب المهاجرون دورًا حيويًا في اقتصاد البلاد، لكن وضعهم القانوني والاجتماعي يجعلهم عرضة للاستغلال والانتهاكات. لا تزال تحديات كبيرة قائمة، خصوصًا فيما يتعلق بنظام الكفالة وسوء معاملة العمال المهاجرين الذين يواجهون القتل والاحتجاز التعسفي والترحيل والتعذيب وأشكال أخرى من المعاملة اللاإنسانية والمُهينة.

إن الإصلاحات التي أدخلتها الحكومة على قانون العمل فشلت في تفكيك نظام الكفالة، مما أبقى العمال تحت سيطرة أصحاب العمل واستغلالهم. استثنت الإصلاحات بعض الفئات، وعلى وجه الخصوص العاملين في قطاعات البناء والضيافة والعمل المنزلي، مما فاقم عدم المساواة والتمييز.

يُبرز التقرير التأثير غير المتناسب لنظام الكفالة على العمال من شرق إفريقيا، مثل الإثيوبيين والكينيين واليمنيين. هؤلاء العمال يواجهون التمييز والعمل القسري، بالإضافة إلى خطر الاحتجاز التعسفي والترحيل القسري عند انتهاء صلاحية تصاريح إقامتهم.

على الرغم من الانتهاكات الجسيمة التي تحدث في مراكز الاحتجاز، لم تُجرَ أي تحقيقات فعّالة بشأن الوفيات الناتجة عنها، ولا تزال هناك فجوات في تنفيذ القوانين وتطبيقها، مما يترك الجناة دون محاسبة. وفي الوقت ذاته، أدى غياب الاستجابة الدولية إلى تمكين السعودية من ارتكاب هذه الإنتهاكات دون عواقب.

وفي ضوء انتهاكات حقوق العمال المهاجرين في المملكة العربية السعودية، تم تقديم عدة توصيات للحكومة السعودية والمجتمع الدولي على حد سواء.

أولاً: يتوجب على السعودية إلغاء نظام الكفالة لإنهاء تبعية العمال المهاجرين لأصحاب العمل وتقليل تعرضهم للإنتهاكات. وهذا من شأنه أن يحمي حقوقهم. كما يجب إدخال إصلاحات على قانون العمل تشمل جميع العمال المهاجرين والقطاعات.

ثانياً: يجب على السلطات ضمان الوصول المتساوي للحماية القانونية والمحاكمات العادلة للجميع، وإنهاء الاحتجاز التعسفي. كما يجب أن تلتزم مراكز الاحتجاز بالمعايير الدولية، مثل قواعد نيلسون مانديلا، لضمان الظروف الإنسانية، بما في ذلك الرعاية الصحية والغذاء والماء والنظافة. لتفادي سوء المعاملة. ينبغي للسعودية أن تُطلق سراح المحتجزين تعسفياً ممن لم تثبت إدانتهم قضائياً.

بالنسبة للانتهاكات ضد المهاجرين داخل السعودية وعلى الحدود مع اليمن، لا توجد حاليًا أي آلية دولية لمراقبة الوضع، مما يترك الجناة دون محاسبة.

نبغي للمملكة العربية السعودية أن تلغي فورًا أي سياسات تتيح الاستخدام المتعمد للقوة ضد المهاجرين وطالبي اللجوء، وأن تُخضع الجناة لمحاكمات عادلة تلبي المعايير الدولية. كما ينبغي للحكومة إطلاق تحقيقات مستقلة في الوفيات، وحالات التعذيب، وغيرها من ضروب سوء المعاملة في مراكز الاحتجاز، وتحسين الظروف اللاإنسانية في جميع المرافق الإحتجازية بالبلاد.

عند معالجة الأضرار التي لحقت باليمنيين، قد تُشكل المفاوضات حول هدنة جديدة في اليمن فرصة لاستعادة التدابير الكفيلة بوقف إساءة معاملة المهاجرين العابرين للحدود. كما يدعو التقرير إلى تعزيز الاهتمام الدولي بحماية المهاجرين على الحدود ومحاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات، بما في ذلك المسؤولين السعوديين. ولتحقيق ذلك، يجب إنشاء نظام مدعوم من الأمم المتحدة للرصد والإبلاغ عن حالة المهاجرين في السعودية في ما يتعلق بحقوق الإنسان.

على السعودية وقف احتجاز أفراد من إثنية التيغراي في ظروف غير إنسانية والتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لضمان حمايتهم الدولية وتيسير إعادة توطينهم. كما يجب على الحكومة الإثيوبية تقديم خطط حماية وإعادة دمج للمهاجرين العائدين.

علاوة على ذلك، يجب على السعودية محاسبة أصحاب العمل على أي انتهاكات لحقوق العمال المهاجرين، وإقالة مسؤولي السجون المتورطين في تعذيب المعتقلين وإساءة معاملتهم. كما يجب أن تكون المؤسسات المسؤولة عن مراقبة الشكاوى المتعلقة بالتعذيب وسوء المعاملة وتحقيقها مستقلة ومحايدة تمامًا.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على السعودية التوقف عن المساهمة في الانتهاكات التي ترتكبها إثيوبيا بحق المهاجرين، من خلال إنهاء عمليات الترحيل القسري للإثيوبيين من إقليم تيغراي، الذين يواجهون خطر الاضطهاد في بلادهم. وبدلاً من ذلك، يتعين على السلطات السعودية تسهيل إعادة توطين من يسعون للحصول على اللجوء أو إعادة التوطين في بلدان ثالثة.

أخيرًا، يدعو التقرير الدول الثالثة التي تصدّر الأسلحة إلى السعودية إلى تعليق أي شحنات أسلحة أو معدات عسكرية إلى المملكة، بهدف الضغط عليها لاحترام حقوق الإنسان. كما يجب زيادة الضغط على السعودية لإنهاء انتهاكات القانون الدولي والتصديق على كل من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري والعهد الدولي لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى