الرفض الشعبي السعودي للتطبيع ضربة في قلب بن سلمان
أكد ناشطون وسياسيون سعوديون معارضون أن الرفض الشعبي السعودي للتطبيع مع إسرائيل يشكل ضربة في قلب ولي العهد محمد بن سلمان ويقوض أي مصداقية لسياساته وخططه.
وتساءلت صحيفة “صوت الناس” المعارضة، كم استطلاعا للرأي عن تطبيع العلاقات السعودية مع الاحتلال الإسرائيلي يحتاج محمد بن سلمان، ليتأكد من رفض شعب المملكة لإقامة أي شكل من أشكال العلاقات مع الكيان المحتل؟.
وكم استفتاء يحتاج ليتراجع عن خطوات التطبيع وينزع الفكرة من رأسه وينحاز للرغبة الشعبية؟ أم أنه ما زال لا يلقي بالا لرأي الشعب ويصدح من رأسه؟.
تلك التساؤلات باتت مطروحة بقوة بعدما كشف استطلاع للرأي أجراه “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” في الفترة من 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 إلى 6 ديسمبر/كانون الأول الحالي، أن 96% من السعوديين المستطلع آراؤهم يؤيدون قطع الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية أي نوع من الاتصالات الأخرى مع إسرائيل فورا.
وأفاد الاستطلاع الذي شمل عينة مكونة من ألف شخص سعودي، بأن 91 في المائة منهم أعربوا عن تأييدهم اعتبار أحداث غزة الأخيرة، تمثل انتصاراً للفلسطينيين والعرب والمسلمين، رغم الدمار الهائل وخسارة الأرواح غير المسبوقة في غزة، نتيجة العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأوضح أن حركة حماس بينما تبقى بشكل عام تحظى بشعبية ضعيفة في المملكة، وتواصل غالبية من السعوديين اتخاذها موقفاً سلبياً منها، إلا أن الحرب بينها وبين “إسرائيل” قد زادت من شعبيتها، بحدود 30 نقطة، من 10% من أغسطس/آب الماضي، إلى 40 في المائة في استطلاع نوفمبر/ديسمبر.
وخلص المركز إلى أن لا شعبية كبيرة لإسرائيل لدى السعوديين، قبل الحرب، لتفقدها بعدها، بحسب نتائج الاستطلاع التي أوردها، كما أن 87% من المستطلعة آراؤهم يوافقون على أن “الأحداث الأخيرة تظهر أن إسرائيل ضعيفة ومنقسمة داخلياً لدرجة أنه يمكن هزمها يوماً ما”؛ ومعظمهم كان لديه الانطباع ذاته قبل الحرب.
وأكد الأمين العام لحزب التجمع الوطني السعودي المعارض عبدالله العودة، نتيجة الاستطلاع بمثابة “ضربة في قلب بن سلمان”.
وقال العودة في تغريدة على حسابه بمنصة إكس، إن هذه الإحصائية تضرب جهود التطبيع والتعتيم ومحاولات التجهيل في مقتل، وتثبت إيمان شعبنا الراسخ بالقضية الفلسطينية رغم الصهينة الحكومية”.
فيما احتفى كتاب وصحفيون ومسؤولون بارزون عبر تغريداتهم على منصة إكس بنتيجة استطلاع معهد واشنطن، وعدوها ناطقة بلسان كل السعوديين والشعوب العربية.
ودعا هؤلاء السلطات السعودية للانصياع للرغبة الشعبية، ونصحوا حكام الأنظمة العربية بالكف عن استجداء الرضا الإسرائيلي والغربي والبحث عن رضا شعوبهم لأنها المانحة لشرعيتهم.
كما دعوا إلى وقف كافة أشكال التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي والكف عن مناقشة الأمر وطرحه إعلاميا ولو تلميحا، ناصحين بعد تصديق الذباب الإلكتروني واللجان الإلكترونية المحسوبة على النظام، وما يروج له كذبا وزورا عن وجود رغبة شعبية سعودية لتمرير التطبيع وأن السعوديين يؤيدون كل ما تراه سلطات بلادهم.
ورأى الكاتب والمدون السعودي المعارض سلطان العامر، أن المثير للتأمل في مثل هذه الاستطلاعات هو أن هذه المعلومات عن المجتمع السعودي لا يمكن تحصيلها من أي مؤسسة محلية أو مركز دراسات محلي، داعيا إلى جولة سريعة في حساب المركز الوطني لاستطلاعات الرأي العام، ساخرا بالقول إن “نوع المواضيع التي يختارها توضح ذلك”.
وأكد الكاتب والصحفي ياسر أبو هلالة، أن موقف الشعب السعودي من العدو الصهيوني لا يختلف عن مواقف الشعوب العربية، قائلا إن كل مرة يحاول معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إيجاد تغير لصالح التطبيع، “يفاجأ” بالعكس.
وأشار إلى أن نتيجة الاستطلاع مرفقة بملاحظة أن حماس تنظيم تجرّمه الحكومة السعودية، ومع ذلك بلغت النظرة الإيجابية 40 % بعد أن كانت 10%، مضيفا: “تقديري أن المستطلع غامر وهو يجيب. ومع ذلك النتيجة تغيظ العدا”، وذكر بأن المعهد منظمة بحثية مؤيدة لإسرائيل بشكل عام.
وأعرب وزير خارجية تونس السابق الدكتور رفيق عبدالسلام، عن تصوره أن هذا الاستطلاع يعبر عن المزاج العام في السعودية والخليج والمحيط العربي الأوسع، ويعني أن سياسات التطبيع التي تنتهجها بعض دول الخليج هي في الحقيقة خصم من شرعيتها ورصيدها، وتجعلها في صدام مفتوح مع توجهات الشارع المحلي والعربي.
وتساءل: “هل هناك حاكم عربي يمتلك الحد الأدنى من الفهم والرؤية يتصور أن إسرائيل ستعطيه الحصانة والحماية في الحاضر والمستقبل؟”، قائلا: “لو كان الأمر كذلك لحمى الشاه نفسه من قوْمة شعبه ضده مع صفة شرطي الخليج التي أسدلت عليه”.
وعلق الباحث السياسي نظير الكندوري، على نتيجة الاستطلاع، قائلا: “هذا ظننا بشعب المملكة، فهم شعب عربي مسلم له كل الاحترام والتقدير، ولا عزاء لكل نظامٍ يخالف إرادة شعبهِ ويصر على المضي بطريق التطبيع”.
وهذا الاستطلاع ليس الأول من نوعه الذي يثبت رفض السعوديون لتطبيع العلاقات مع الاحتلال ونبذهم له، فقد تواصل استطلاع للرأي العام السعودي أجراه معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الأميركي، في سبتمبر/أيلول 2023، إلى أنّ أقليةً سعودية تدعم تطبيع المملكة مع كيان الاحتلال الصهيوني، لكنّها متراجعة.
كما أظهر استطلاع رأي أعده معهد واشنطن، وكشف عنه في ديسمبر/كانون الأول 2021، أن 77 %، من السعوديين يرون التطبيع العربي مع الاحتلال “سلبيا”، بينما يرى 16% فقط أنه خطوة إيجابية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، كشف استطلاع للرأي للمعهد ذاته، أن الغالبية العظمى من السعوديين تنظر بسلبية إلى “اتفاقات إبراهيم”، التي وقعت بين الاحتلال وكل من الإمارات والبحرين والمغرب -حتى أنداك- بوساطة أميركية، ولاقت نتائج الاستطلاع تفاعلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال مغردون إنها معبرة عن مواقف الشعوب العربية الحقيقية.
وتجدر الإشارة إلى أن نتائج هذا الاستطلاع جاءت بعدما استضافت السعودية، قرابة فترة إجراء الاستطلاع، مصرفيًا إسرائيليًا بارزًا في مؤتمر استثماري كبير في جدة، وفريقًا رياضيًا إسرائيليًا في بطولة في الرياض، كما عرضت قناة “العربية” السعودية مقابلة طويلة و”حصرية” مع رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف “بنيامين نتنياهو”.
وبالرغم من هذه الاستطلاعات المعبرة عن رأي السعوديين المناهض للتطبيع، إلا أن التصريحات الرسمية للمسؤولين الأميركيين والإسرائيليين والتقارير الإعلامية تروج لقناعات بأن الاتجاه نحو تطبيع الرياض وتل أبيب واقع لا محال، إذ قال موقع “أكسيوس” الأميركي، في تقرير نشر نهاية أكتوبر الماضي، إن “السعودية لا تزال مهتمة” بمحاولة التوصل لاتفاق تطبيع.
وتصعد السلطات السعودية حملتها القمعية والقاسية على حرية الرأي والتعبير منذ وصول بن سلمان لولاية العهد في يونيو/حزيران 2017، إذ كشف التقرير السنوي لمنظمة القسط الحقوقية، عن تدهور مستمر في الوضع الحقوقي بالمملكة وقمع واسع لحرية الرأي والتعبير، كما رصدت في تقارير سابقة وصول الأمر لعقوقة الإعدام على خلفية التعبير السلمي عن الرأي.