التطبيع.. جسر محمد بن سلمان لتعزيز حكمه الاستبدادي
أظهر ولي العهد محمد بن سلمان بجلاء تام عزمه اتخاذ التطبيع العلني مع إسرائيل جسرا لتعزيز حكمه الاستبدادي على حساب بيع مواقف المملكة التاريخية من القضية الفلسطينية.
وجاهر محمد بن سلمان لأول مرة في مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” الأمريكية، بأن مفاوضات التطبيع بوساطة أمريكية تتقدم وتقترب كل يوم.
وحول عقد صفقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإمكانية التعامل معه، قال محمد بن سلمان إن سياسة السعودية أن لا تتدخل بمن يرأس كل دولة.
وتابع: “حاليا لا توجد لدينا علاقة مع إسرائيل”، مشدداً على أن القضية الفلسطينية ستظل مهمة جداً لمسألة إقامة العلاقات مع إسرائيل، ولا بد من حلّها.
وأضاف أن “الإدارة الأمريكية قدمت مقترحا لإقامة علاقات مع إسرائيل، وفي حال نجحت أمريكا في ذلك فسيكون أضخم اتفاق مُنذ انتهاء الحرب الباردة”.
وادعى أن “المحادثات بشأن إقامة العلاقات مستمرة وجيدة، ونصبح أقرب كل يوم بشأن ذلك”، مشدداً بقوله “أريد أن أرى حياة جيدة للفلسطينيين، ونتباحث مع الأمريكيين للوصول إلى نتائج جيدة ترفع معاناتهم”.
في الوقت ذاته كذب محمد بن سلمان إعلامه الرسمي بتأكيده أنه “لا صحة لتعليق المفاوضات بشأن العلاقة مع إسرائيل، وكل يوم تتقدم وسنرى إلى أين ستصل”.
وتجمع وسائل الإعلام الدولية على أن صفقة التطبيع العلني بين السعودية وإسرائيل التي تتوسط بها الإدارة الأمريكية هي بمثابة دعم لاستبداد محمد بن سلمان.
وخلصت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إلى صفقة التطبيع التي تتوسط فيها واشنطن في الشرق الأوسط ستنتهي بحماية دكتاتورية متقلبة في السعودية، بينما تعزز حكومة إسرائيلية تقوض بسرعة ديمقراطيتها الخاصة، وقد لا تتحقق أبداً المكاسب للفلسطينيين.
وجاء في تحليل نشرته الصحيفة أت الرغبة في إبرام اتفاقيات السلام في الشرق الأوسط امرٌ ثابت في الدبلوماسية الأمريكية، يمتد من عهد كيسنجر إلى كارتر، ومن كلينتون إلى كوشنر.
والآن حان دور إدارة بايدن للانطلاق في هذا المسار المعروف للجميع بشكل جيد.
يعمل البيت الأبيض على “صفقة كبرى” في الشرق الأوسط تؤدي إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وللمساعدة في إحداث ذلك، تستعد الولايات المتحدة على ما يبدو لتقديم ضمانات أمنية للسعودية، بالإضافة إلى المساعدة في ان تحوز الرياض على برنامج نووي مدني.
الجزء الخاص بإسرائيل في الصفقة هو أن الأخيرة ستقدم بعض التنازلات تجاه الفلسطينيين.
بالنسبة للمروجين لمثل هذا الاتفاق، ستحقق صفقة بايدن الكبرى “انتصارات” جذابة عدة حين تسمع عنها في اول الأمر، فسوف يمتد السلام والازدهار والاستقرار في الشرق الأوسط.
وسيعزز ذلك موقف الولايات المتحدة في كفاحها من أجل كسب النفوذ العالمي على حساب الصين، وسيوفر لبايدن إنجازًا دبلوماسيًا يتباهى به، في الوقت المناسب لانتخابات الرئاسة 2024.
لكن للأسف، يمكن أن تكون حقيقة الصفقة أقل جاذبية بكثير.
قد تنتهي هذه الصفقة بوعد تقدمه الولايات المتحدة بحماية دكتاتورية متقلبة في السعودية، بينما تعزز في نفس الوقت حكومة إسرائيلية تقوض بسرعة ديمقراطيتها الخاصة، وقد لا تتحقق أبداً المكاسب المأمولة في صد الصين وتحقيق التقدم مع الفلسطينيين.
في تلك الحالة، ستتحول الصفقة الكبرى إلى وهم كبير.
كانت العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة متوترة خلال إدارة بايدن، فقد شعر حاكم الأمر الواقع في المملكة محمد بن سلمان بالغضب من إصدار تقرير للحكومة الأمريكية اتهمه بالضلوع المباشر في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وكان الترحيب الحار للرئيس الصيني شي جينبينغ عند زيارته للسعودية، أكثر دفئًا بشكل ملحوظ من الاستقبال الذي حظي به بايدن.
كانت الصين، وليست الولايات المتحدة، هي التي ساعدت في إبرام السلام بين إيران والسعودية في مارس الماضي، وأعلنت السعودية للتو أنها ستنضم إلى مجموعة بريكس، التي تبدو أكثر فأكثر كرد تشكله بكين تدريجيًا على مجموعة السبع.
كل هذا أثار عدم ارتياح في واشنطن – وهو ما لا شك كان جزءًا من الهدف.
لقد ارادت إدارة بايدن الانسحاب من الشرق الأوسط والتركيز على صعود الصين، لكن المغازلة بين الرياض وبكين ساعدت على إقناع البيت الأبيض بأن إعادة الانخراط في الشرق الأوسط كانت ضرورية، كجزء من المنافسة العالمية على النفوذ مع الصين.
تحصل المواجهة بين الولايات المتحدة والصين لتشكيل النظام العالمي على العديد من الجبهات – بما في ذلك المالية والتجارة والأمن واللوائح.
وباعتبارها اقتصادًا كبيرًا وعضوًا في مجموعة العشرين وثاني أكبر منتج للنفط في العالم، تعد السعودية بالضرورة لاعبًا كبيرًا في جميع تلك المجالات لذلك، أصبح إعادة السعوديين إلى المعسكر الأمريكي هدفًا لواشنطن.
ومع ذلك، بينما تبدو جاذبية الصفقة الأمريكية السعودية الإسرائيلية واضحة، فإن المخاطر أيضًا واضحة.
فعلى عكس الدول الأخرى التي تعهدت أمريكا بالدفاع عنها، مثل اليابان أو ألمانيا، فأن السعودية لا تعد نموذجًا يمكن الترويج عبره عن الديمقراطية، ولا يزال سجل المملكة الحقوقي مظلمًا وقد أصدرت هيومن رايتس ووتش مؤخرًا تقريرًا يتهم المملكة بإطلاق النار وقتل مئات اللاجئين الإثيوبيين.
حتى الحلفاء المقربون لبايدن في واشنطن، مثل السيناتور كريس مورفي، يشعرون بالحيرة.
قال مورفي لي مؤخرًا إن لديه تساؤلات كبيرة بشأن “ضمان حماية بلد كبير في الشرق الأوسط يميل إلى دخول المعارك مع جيرانه بشكل متكرر جدًا”.
ويعتقد مورفي أن المعركة من أجل النفوذ العالمي مع الصين هي في النهاية “بشأن شكل الحكم الذي سيعيش به هذا العالم”، مضيفا أن “التقرب أكثر فأكثر من الدكتاتوريات الوحشية يجعل من الأصعب بكثير محاولة بيع الديمقراطية”.
نظرًا لأن مورفي يرأس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، فإن وجهات نظره مهمة.
سيكون ذلك خطئًا حقيقيًا لإدارة بايدن إذا انتهت إلى اتفاقية جديدة مع السعودية واسرائيل لتكتشف فيما بعد أنها لا تستطيع إمرارها من خلال الكونجرس.