لوقف جرائمها .. مشرعون أوروبيون يصعدون خطواتهم ضد السعودية
رفع مشرعون أوروبيون في الأسابيع الأخيرة، من مستويات الضغط على العديد من الدول العربية بسبب سجلها الخطير في انتهاكات حقوق الإنسان ودورها في حرب اليمن.
وتشير الخطوات الأوروبية إلى أن عمليات نقل الأسلحة التي تساهم في انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي لم تعد مقبولة بالنسبة للعديد من دول الاتحاد الأوروبي.
وتبنى مشرعون أوروبيون اقتراحا في 17 سبتمبر/أيلول، يدعو الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى فرض حظر على الأسلحة وتكنولوجيا المراقبة وغيرها من المعدات على السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
كما طالب مشرعون أوروبيون الدول الأعضاء بفرض عقوبات على الرياض بسبب مقتل جمال خاشقجي ودورها في حرب اليمن.
وحث تقرير صدر عن تصدير الأسلحة من الاتحاد الأوروبي أعضاء الاتحاد على الاقتداء بألمانيا وفنلندا والدنمارك، التي فرضت، قيودًا على صادراتها من الأسلحة إلى السعودية بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح كيف ستحذو هذه الدول حذو الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المذكورة أعلاه، فكما هو الحال في العديد من الحالات، كانت الفوائد الاقتصادية والسياسية المتصورة لاستمرار تجارة الأسلحة مع الخليج كبيرة للغاية بحيث لا يمكن التخلي عنها بسبب المبادئ المعلنة للاتحاد الأوروبي. وتجاهلت بعض الدول، ولا سيما فرنسا والمملكة المتحدة، هذه الدعوات من البرلمان الاوروبي في الماضي.
يلاحظ “ديدريك كوبس”، باحث أول في المعهد الفلمنكي للسلام ومقره بلجيكا، أنه منذ عام 2016، كان هناك انخفاض تدريجي في عدد تراخيص التصدير الصادرة عن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى السعودية.
“في عام 2018، تم إصدار جميع تراخيص تصدير الأسلحة تقريبًا من قبل 5 دول أعضاء – فرنسا وبلجيكا وألمانيا والمملكة المتحدة وبلغاريا؛ ولم تسمح الدول الأعضاء الـ 23 الأخرى في ذلك الوقت بأي صادرات أسلحة ذات مغزى إلى السعودية”.
خطوات فردية
في غضون ذلك، أوقفت ألمانيا جميع صادراتها من الأسلحة إلى السعودية في أعقاب مقتل “خاشقجي”.
وفي بلجيكا، على سبيل المثال، أوضحت الشرطة أن حكومة “والون” الإقليمية أعلنت عن سياسة جديدة في عام 2019، مشيرة إلى أنه يُسمح فقط بالتصدير إلى الحرس الوطني السعودي والحرس الملكي السعودي (لأنهم لم يشاركوا في الصراع اليمني).
لكن في وقت سابق من هذا العام، علق مجلس الدولة البلجيكي جميع تراخيص التصدير إلى السعودية الصادرة عن حكومة “والون”، في حين أوقفت الحكومة الإقليمية بحكم الأمر الواقع صادرات الأسلحة إلى السعودية ودول التحالف اليمني الأخرى.
ويستشهد “جورجيو بيريتا”، محلل تجارة الأسلحة في المرصد الدائم لسياسات الأسلحة الصغيرة والأمن والدفاع ومقره بريشيا، بمثال إيطاليا، التي علقت العام الماضي لمدة 18 شهرًا شحن القنابل والصواريخ إلى السعودية ودولة الإمارات.
يشجع اقتراح الاتحاد الأوروبي، وفقًا “لبيريتا”، دول الاتحاد الأوروبي الأخرى على اتباع هذا المسار إذا كان الاتحاد الأوروبي يعتزم التمسك بقيمه التأسيسية وتحقيق سياسة دولية مشتركة تهدف إلى السلام والأمن في الشرق الأوسط.
ويعتقد أنه سيصبح من الصعب على دول الاتحاد الأوروبي وحكوماته بشكل متزايد تجاهل قرار الاتحاد الأوروبي وتبرير شحن الأسلحة إلى الدول المشاركة في حرب اليمن.
ومع ذلك، أشار “فرانك سليبر”، رئيس برنامج تجارة الأسلحة في مؤسسة “باكس”، ومقرها هولندا إلى أنه طالما أن فرنسا والمملكة المتحدة – أكبر مصدري أوروبا – لا تتخذان مثل هذه الخطوات، فإن تأثيرها المادي محدود للأسف.
مع خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، قد يشعر الأعضاء بأنهم أقل اضطرارًا إلى تطبيق أي قيود على مثل هذه المبيعات وإلى وضع أولويات اقتصادية أكثر على السياسة الخارجية الأخلاقية.
“إن القرار في يد كل حكومة، وفي نهاية المطاف بيد مجلس الاتحاد الأوروبي، لكن لا يُعتقد أن الاتحاد الأوروبي سيأخذ موقفًا مشتركًا، في شكل حظر رسمي على الأسلحة، في المستقبل القريب”.
على سبيل المثال، لا تزال فرنسا تصدر كميات كبيرة من المعدات العسكرية إلى السعودية ودول الخليج الأخرى، وبالتالي فإن هناك شكوك في أن باريس ستغير موقفها بشكل كبير. ومع ذلك، يشير “سليبر” إلى أن الضغط سيزداد بالتأكيد على البلدان التي تواصل التصدير، حيث سيتم محاسبتها على التجارة عديمة الضمير.
قرارات متتالية
في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، تلقت السعودية ضربة مؤلمة حيث اعتمد البرلمان الأوروبي قرارًا آخر بدعوته إلى خفض حضور الاتحاد الأوروبي في قمة مجموعة العشرين في نوفمبر/تشرين الثاني في السعودية.
يأتي القرار في الذكرى السنوية الثانية لمقتل الصحفي جمال خاشقجي ويدين مرة أخرى انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية. وقالت “دويتشه فيله”، الإذاعة الدولية الألمانية، إن القرار يمثل أحد أقوى الرسائل السياسية التي أصدرها البرلمان على الإطلاق بشأن السعودية.
وتشير أصوات مشرعون أوروبيون بوضوح إلى أن الاستراتيجية الخليجية التي تم تطويرها بعناية لإقامة تحالفات مع مجموعات سياسية من يمين الوسط في أوروبا لا تحقق النتائج المرجوة، حيث امتنع فصيل يمين الوسط الرئيسي، حزب الشعب الأوروبي، عن التصويت النهائي على القرار.
حتى أن بعض المحافظين المعتدلين من النمسا وبلجيكا وهولندا وفنلندا قرروا الانضمام إلى المجموعات الليبرالية وجماعات يسار الوسط في دعم الحركة. يبدو أن الجماعات اليمينية المتطرفة هي الحليف الوحيد المتبقي لبعض دول الخليج.
وأضاف “سليبر” إنه بالرغم من جهود الضغط المكثفة التي تبذلها الإمارات والسعودية على وجه الخصوص، والتي تهدف إلى تقويض الجهود المبذولة نحو سياسة أكثر صرامة لتصدير الأسلحة، فإن الغالبية، بما في ذلك الجانب الأكثر تحفظًا، تقر بأن عمليات نقل الأسلحة التي تساهم في انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي لم تعد مقبولة.
ومع ذلك، في حين تشير قرارات البرلمان الأوروبي الأخيرة إلى تحول محتمل في سياسة بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي تجاه بعض دول الخليج، فإن التأثير المباشر لمقترحات البرلمان الأوروبي لا يزال محدود النطاق.
وذلك بالرغم من الأصوات العديدة التي تشير إلى أن هذه السياسات قد تؤثر على وجهات النظر الأوسع عبر الأطلسي فيما يتعلق تناول القضايا، خاصة في كندا وحتى في الولايات المتحدة في حالة فوز “بايدن”.
من وجهة نظر “بيريتا”، من الصعب التنبؤ بما ستفعله الولايات المتحدة إذا تم انتخاب “بايدن” أو الموقف الذي ستتخذه كندا لاحقا، لكن بالتأكيد لا يمكن للدول أن تتجاهل قرارات شركائها الأوروبيين ولا قرارات البرلمان الأوروبي الأخيرة والسابقة بشأن اليمن.
ويعتقد أن الاقتراحات المختلفة بشأن تجارة الأسلحة التي تم تبنيها في السنوات الأخيرة هي مؤشر واضح على تجدد الاهتمام من جانب الممثلين السياسيين مما يعكس قلقًا قويًا لدى المواطنين ومنظمات المجتمع المدني.
ولكن من وجهة نظر “كوبس”، فإن نداءات البرلمان الأوروبي ستكون محدودة الوصول لأن القوة الحقيقية للبرلمان في صنع السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي محدودة بالفعل، حيث يجب اتخاذ القرارات على مستوى المجلس الأوروبي، الذي يتكون من الدول الأعضاء.
ويعتقد أن التبني المتكرر للدعوة إلى حظر الأسلحة قد يعطي مزيدًا من الدعم لحركة واسعة تنتقد شحنات الأسلحة إلى السعودية في دول مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا.
وأوضح “كوبس” أن ذلك “يمكن أن يساعد في إبقاء قضية تصدير الأسلحة إلى السعودية على جدول الأعمال المجتمعي والسياسي.
كما يمكن أن يؤثر بشكل غير مباشر على سياسات تصدير الأسلحة في هذه البلدان، لكن هذه الدعوة لن يكون لها عواقب مباشرة حتمًا”.