أزمة أرامكو.. أسباب رئيسية تحول دون الاستثمار الخارجي فيها
نشرت مجلة “فوربس” الأمريكية تقريرا أبرزت فيه أن الاستثمار في شركة “أرامكو” النفطية الحكومية محاط بمخاطر كبيرة، تدركها الدول والشركات الاستثمارية، وهي السبب الذي قد يجعلها تعزف عن الاستثمار فيها بالحماسة التي تتوقعها الرياض.
وفي مقدمة هذه الأسباب وفق ما نشرته المجلة الأمريكية: المخاطر الجيوسياسية: تتمثل في الضربات الصاروخية التي استهدفت منشأة أرامكو والتي تشكل خطراً كبيراً على استقرار الأسعار وقدرة المنشأة على استمرار الإنتاج. وفي ظل استمرار الحرب على اليمن، فإن هذه المخاطر ستظل قائمة.
عدم النمو: حجم شركة أرامكو الكبير، ووصولها إلى طاقتها الإنتاجية الكبرى (قرابة 10 ملايين برميل يومياً) يقللان من جدوى الاستثمار فيها، خاصة بعد التقيد باتفاقية خفض الإنتاج.
فضلاً عن هذا، فإن انخفاض صافي دخل “أرامكو” بنسبة 12٪، في النصف الأول من عام 2019، يثير الشكوك حول المستقبل المالي للشركة.
عملية التقييم: وفق التحليلات المحاسبية، فإن السعر المقيّم من طرف محمد بن سلمان، البالغة قيمته تريليونَي دولار، مبالَغ فيه، حيث تشير تلك التقارير إلى أن القيمة الحقيقية 1.5 تريليون فقط.
انتهاء عصر النفط.. بدائل أكثر جدوى: لا شك في أن توجُّه الصناعات اليوم إلى استخدام الطاقة البديلة والنظيفة سوف يجعل مستقبل الاستثمار في قطاع النفط مخاطرة عالية.
في ظل توجُّه العالم نحو الطاقة النظيفة، واستمرار معاناة معظم شركات البترول العملاقة وخضوعها لسيطرة الدولة؛ فإن استثمار 1.5 تريليون في هذا المجال يعتبر مخاطرة، خاصة أن عديداً من الشركات مثل “Gazprom” و”PetroChina” و”Petrobras” انخفضت قيمتها بنسبة 40٪ على الأقل، في العقد الماضي، بسبب الفساد وعدم الشفافية.
سوء معاملة المستثمرين: غياب البيئة الاستثمارية الآمنة في المملكة خاصة بعد اعتقال ولي العهد عشرات من المليارديرات السعوديين والمستثمرين، ووضعهم في السجن دون أي مسوغات قانونية؛ ومن ثم الحصول منهم على تسويات بقيمة 100 مليار دولار دون أي إجراءات قانونية على الإطلاق.
وعليه فمن الصعب تدفق رأس المال الأجنبي إلى بيئة استثمارية لا يُعامل فيها بشكل جيد ويحميه حكم القانون.
في عام 2016 جذبت المملكة 7.4 مليارات دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر، وفي عام 2017 انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 1.4 مليار دولار.
ويضع البنك الدولي المملكة في المرتبة الـ92 من أصل 190 دولة، من حيث سهولة ممارسة الأعمال التجارية.
أسواق أخرى أكثر أمناً: إذا كان يجب عليك امتلاك أصول النفط والغاز، فمن الأفضل أن تكون في أماكن مستقرة سياسياً، مثل تكساس أو نيومكسيكو؛ حيث حقوق الملكية مقدسة، والعقود التي تتمسك بها تحت سيادة القانون، واحتمالية الضربات الصاروخية الإيرانية متلاشية.
وهناك عديد من الشركات التي تطرح الاكتتاب في هذا القطاع، وجميعها لديها مساحة أكبر بكثير للنمو من شركة أرامكو السعودية، وليست مثقَلة بالضغط كما هو الحال في عملاق النفط السعودي.
انتهاكات حقوق الإنسان: ما تزال تداعيات مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي -الذي اغتيل بقنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية في 2 أكتوبر من العام الماضي- حاضرة إلى اليوم، ومن غير المعقول الاقتناع بأداء ولي العهد السعودي في هذا المجال بمجرد منحه مساحة أكبر للحريات، وهو يعتقل عديداً من الناشطات الحقوقيات.
ويفترض أن يكون التنافس كبيراً بين أثرياء العالم لحجز أكبر كمية من أسهم عملاق الطاقة السعودي، شركة أرامكو النفطية؛ لكونها تعد من أكثر الشركات ربحية في العالم، لكن على ما يبدو فإن العكس هو ما يدور على الأرض.
فالجهات الحكومية تمارس ضغطاً على أثرياء سعوديين للمشاركة في التنافس على شراء أسهم في “أرامكو”؛ ما يؤكد أن مخاوف من عدم اشتراك شركات أجنبية في الاكتتاب قائمة بقوة.
ويعرض السعوديون ما بين 2 و5% من أسهم الشركة، لكن أهم نقطة في عملية الطرح تتعلق بقيمة الشركة التي تتراوح ما بين 1.2 تريليون دولار أمريكي، حسب بنك أمريكا، و2.3 تريليون دولار، حسب تقييم غولدمان ساكس، وهو الأعلى. أما أرامكو والسعوديون فيقولون إن قيمة الشركة تتراوح ما بين 1.7 تريليون دولار إلى 2 تريليون دولار.
ومهما كان التقييم فحقيقة تقييم البنوك للشركة في مستويات تريليون دولار غير مسبوقة.
وفي حال كان الإقبال ضعيفاً وباع السعوديون نسبة 2%، حسب تقييم بنك أمريكا فالعائد سيكون 24 مليار دولار. وفي السيناريو الأحسن ستحقق السعودية 115 مليار دولار في حال باعت 5%، حسب تقييم غولدمان ساكس. وسيتم طرح الأسهم في السوق المالي السعودي “تداول”، مع بداية ديسمبر المقبل.
وفي حين يقدم نظام آل سعود إغراءات من خلال إعلاناتها المكثفة التي تشير إلى أن أرباحاً كبيرة سيضمنها المكتتبون، لكن مختصين يتحدثون عن مخاطر كبيرة قد تواجه المكتتبين مستقبلاً.
ويرى مراقبون أن قرار بن سلمان طرح أسهم أرامكو في السوق المالي دافعه الحقيقي هو الحصول على المال، وإعادة تأهيل سمعته السياسية، لكن هناك “مخاطر كبيرة” لقراره.
فالطرح العام الأولي للشركة ربما كان القصة الكبرى أو القصة التي سيتذكرها التاريخ في الشرق الأوسط لو لم يشهد العراق ولبنان احتجاجات واسعة. ويضيف إلى وجود توتر بين حقيقتين مهمتين في قصة أرامكو.
فقد ظلت الشركة جزءاً مركزياً في سلطة عائلة آل سعود الحاكمة، وفي نفس الوقت جعلها محمد بن سلمان مركزية لخطط التحول في البلاد التي أطلقها تحت رؤية 2030، التي وعد أنه سيحققها من خلال بيع حصص من أرامكو.
ومن هنا فما هو المنطق وراء قرار بن سلمان الأخير؟ والجواب السهل هو رغبته بالحصول على المال، فرغم ثروة المملكة الهائلة لكنها بحاجة للمال. وهناك أمر ثانٍ يتعلق بإعادة تأهيل الأمير سياسياً.
بدوره اعتبر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى موقع المملكة في الشرق الأوسط وامتلاكها لأرامكو، عملاق النفط، وبيعها البترول لبلدان تشعر بالقلق بشكل متزايد من تغير المناخ، “لا تعتبر عوامل تفتح الآفاق على إيجابيات محتملة بعيدة المدى”؛ لذلك لا يزداد اليقين بشأن مقاربتها الأخيرة بطرح أسهم أرامكو محلياً.
ورأى المعهد في تقرير له أن أسباب تأخير الطرح الأولي للاكتتاب العام يعود لمشروع بن سلمان “رؤية 2030″، إضافة إلى أنه تُعزى أشهر التأخير التي مرت منذ ظهور تقارير مفادها أن ولي العهد ومسؤولين آخرين يدرسون فكرة الطرح الأولي للاكتتاب العام، إلى التردد في الكشف عن التفاصيل المالية الخاصة بالشركة، فضلاً عن القلق من أن تصبح أصولها عرضة للإجراءات القانونية.
وأوضح أن الشكوك تسري أيضاً حيال القيمة الإجمالية للشركة؛ فقد ألمح محمد بن سلمان إلى أنها تساوي تريليونَي دولار، ما يعني أن بيع مجرد 5% من أسهمها سيؤدي إلى تدفق 100 مليار دولار إلى خزائن حكومة آل سعود.
وقد أعرب المحللون -بحسب المعهد- عن شكوكهم في مصداقية هذا التقييم، مشيرين إلى أن قيمة الشركة تتراوح بين 1.5 و1.8 تريليون دولار، أو ربما أيضاً تتدنى لتصل حتى إلى 1.1 ترليون دولار.
المعهد أضاف أنه لم يتم الكشف عن أي معلومات رسمية عن عدد الأسهم التي ستُطرح، ولا يوجد أي مؤشر حول سعر السهم أو التاريخ المحدد لإطلاق الطرح الأولي.
عملية تحويل الاقتصاد السعودي -بحسب تقرير المعهد- تتطلب استحداث نحو مليون فرصة عمل جديدة للعديد من الشباب الذين يدخلون سوق العمل في السنوات القليلة القادمة؛ بيد أن مشروع “رؤية 2030” هو مدينة “نيوم”، التي هي منطقة اقتصادية مخططة في الجزء الشمالي الغربي من المملكة بالقرب من مصر والأردن ذات مستوى تكنولوجيي متفوق، وتبلغ قيمتها 500 مليار دولار.
وتابع المعهد: “ومع ذلك سيكون هناك عدد قليل نسبياً من الوظائف للأشخاص في المرافق المليئة بالروبوتات التي يُزمع إنشاؤها في نيوم، التي لا يوجد فيها حتى الآن سوى مطار جديد واحد وبعض القصور المكتملة”.
ورأى المعهد أنه لهذه الأسباب وغيرها، سوف تحرص الأسواق المالية الدولية، وكذلك الحكومات الأجنبية، على مراقبة سير الطرح الأولي لأسهم أرامكو بحذر؛ إذ غالباً ما تجد هذه الحكومات نفسها مضطربة أو محتارة، أو الأمرين معاً؛ بسبب عمليات صنع القرار في المملكة.
ولكي تحقق الرياض هدفها المنشود، راحت تجبر الأثرياء السعوديين على شراء أسهم في أرامكو، بحسب ما ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” الأمريكية، في تقرير نشرته مؤخراً على صفحتها الأولى بعنوان: “السعودية تجبر عائلات غنية على الاستثمار في اكتتاب شركة أرامكو المرتقب”.
وتقول الصحيفة: إن المملكة “تضغط على الأسر الغنية لشراء الحصص الأولية” التي ستطرح من شركة النفط الوطنية “أرامكو”؛ لكي يتسنى للمملكة أن تصل بتقدير مالي لأصول الشركة بالكامل يصل إلى تريليوني دولار، كما قال ولي العهد”.
وتنقل الجريدة عن ثمانية أشخاص مقربين من المفاوضات بين حكومة المملكة وبعض الأسر السعودية المعروفة بالثراء قولهم إن الهدف من الضغط على هذه الأسر لشراء حصص في أرامكو بمجرد طرحها في أسواق الأسهم العالمية؛ هو بناء صورة من الثقة في أسهم وأصول الشركة التي تضررت مؤخراً بالهجوم الذي تم على منشأتين تابعتين لها شرقي البلاد، في سبتمبر الماضي.
ويوضح التقرير أن الكثير من هذه الأسر تعرض أفراد بارزين من أبنائها للاعتقال لفترات في فندق ريتز كارلتون، في العاصمة الرياض، خلال عامي 2017 و2018، في حملة سمتها المملكة بأنها “حملة على الفساد”.
ووفقاً لوكالة “بلومبيرغ” الأمريكية فإن مفاوضات جرت مع الأمير الوليد بن طلال، وعائلة المجدوعي التي تعمل في مجال السيارات والخدمات اللوجستية، وعائلة العليان التي تدير مجموعة العليان المساهم الرئيسي في بنك كريدي سويس السويسري، وعائلة التركي التي تعمل في مجال العقارات وخدمات الموانئ.