تعرف على خسائر المملكة جراء شلل قطاع النفط فيها
تتكبد المملكة خسائر تقدر بأربعمائة مليون دولار يوميا أي أربعة مليارات دولار كل عشرة أيام جراء الاستهداف الأخير من جماعة أنصار الله اليمنية المعروفة باسم الحوثيين على شركة أرامكوا.
وأحدث الاستهداف صدى دوليا حيث بادر البيت الأبيض إلى الاستعداد للسحب من الاحتياطيات الاستراتيجية في إشارة هدفت لتهدئة الأسواق التي لا تزال تذكر أزمة النفط عام 1973 من القرن الماضي ضربة البقيق وخريص تردد صداها أيضا.
عندما يلتقي الاقتصاد بالسياسة فهي لا تنفصل عن الحرب في اليمن حيث جاءت رغم التهديدات المستمرة والواضحة للحوثي وإرساله رسائل بطرق مختلفة لمتخذي القرار في السعودية أن مدى ضرباته يمتد ليصل إلى نحو ألف كيلو متر سواء عبر الصواريخ أو الطيارات المسيرة خاصة بعد الضربة التي استهدفت حقل الشيبة الملاصقة للحدود الإماراتية
الضربة أيضا جاءت في وقت انقسم فيه البيت الأبيض على نفسه على خلفية التعامل مع الملف الإيراني بعد فشل استراتيجية أقصى ضغط ضد طهران في إحداث النتيجة المرجوة من أمريكيا ولهذا لوح وزير الخارجية الأمريكي باتهام إيران بالوقوف وراء الهجوم
وردت طهران بأنها اتهامات واهية هدفها التخفيف من قسوة الضربة والالتفاف على تغير المعادلات العسكرية في اليمن التي لم تعد في صالح السعودية ما بعد هجمات لبيغ وخريص لن يكون كما قبلها هكذا أكد مراقبون قائلين إن الأمر صار ورطة حقيقية للمملكة وأنهم حصاد تراكمات طويلة من فقدان البوصلة الاستراتيجية بعدما دأبت الرياض على بناء محيط معاد لها مع دول وقوى اجتماعية في المنطقة أوصالها لهذا الموقف الحرج المثير للدهشة.
بعد تهديدات محمد بن سلمان بنقل الحرب إلى الداخل الإيراني ها هي المملكة عاجزة عن تأمين عصب الحياة داخلها تلك مفارقة على رأس قائمة مفارقات أخرى يقول مراقبون إن الخطأ فيها لا يكمن في نقص القدرات المالية ولا التسليح في المملكة لكنه خلل أصاب العقول الاستراتيجية والسياسية الممسكة بالقرار في المملكة.
ووصف خبراء وتقارير متخصصة الهجمات على منشآت النفط السعودية بالتطور الخطير، الذي قد يهدد إمدادات الطاقة حول العالم، ويدفع أسعار النفط إلى مستويات عالية، وسط غموض بشأن قدرة الاحتياطات الاستراتيجية على تعويض النقص الذي أحدثته هذه الهجمات، وتوقعات بتأخر أمد عودة طاقة إمدادات النفط السعودية لأسابيع.
وأوقفت الهجمات التي تبنتها جماعة الحوثي على بقيق وخريص نحو 5.7 ملايين برميل يوميا من إنتاج المملكة من النفط، وهو ما يمثل نصف الإنتاج المحلي و5% من إمدادات النفط في العالم، في حين لم يعط المسؤولون في نظام آل سعود جدولا زمنيا لعودة الإمدادات بشكل كامل، لكن الرياض تسارع الخطى لاحتواء التطورات.
كما توقع خبراء ومتخصصون أن تشهد أسعار النفط ارتفاعا حادا. وقال الخبير ووزير النفط العراقي السابق عصام الجلبي “تحتاج الأسواق لمعرفةٍ أدق بحجم الأضرار التي لحقت بالمنشآت السعودية، والمدى الزمني الذي تحتاجه أرامكو لإصلاح هذه الأضرار”.
وأضاف “أن الضرر حتما واقع لكن حجمه يتوقف على هذه المعلومات، ونتوقع أن يكون هناك ارتفاع للأسعار من دولار إلى دولارين بشكل آني عند فتح الأسواق غدا الاثنين، لكن كلما تسربت معلومات تفيد بأن الأضرار كبيرة وأن الفترة الزمنية لإصلاح الأعطال ربما تكون أطول؛ فإن مستوى ارتفاع الأسعار سيكون أكبر أيضا”.
كما توقع وزير النفط العراقي السابق أن يستمر ارتفاع الأسعار لأسابيع وليس لأيام.
وتعد الخمسة ملايين برميل التي توقفت المملكة عن تصديرها بسبب الهجمات بالكمية الكبيرة، ولا يمكن لأي طرف تعويضها، سواء من منطقة الشرق الأوسط أو غيرها.
والنفط سلعة حساسة جدا والتهديد الاستراتيجي لإمدادات بهذا الحجم يخشى أن يؤثر على الأسعار تأثيرا آنيا سريعا بحسب مراقبين.
أما الأثر طويل المدى فيعتمد على ثلاثة عوامل: سرعة تعويض الإمدادات من المخزون الاستراتيجي، وسرعة إصلاح الأضرار وعودة الإنتاج إلى مستواه الأصلي، أما العامل الثالث فيعتمد على تفاعلات السياسة الدولية واستراتيجية المملكة للتعامل مع أسوأ الاحتمالات.
ومن المتوقع أن يكون للهجمات الأخيرة تأثير على ارتفاع أسعار النفط، وعلى الظروف السياسية بالمنطقة. وأضاف “توقعاتي أن ترتفع أسعار النفط بشكل كبير” إذا استمر تعطل الإمدادات.
ويصعب التكهن إلى أين ستصل مع عدم وضوح حجم الأضرار بعد، والتبعات الجيوسياسية المعقدة المترتبة على هذا الهجوم.
أما الأكثر خطورة بالنسبة إلى نظام آل سعود فتكمن في أنه لم يعد هناك مكان آمن في المملكة وبمنأى من الضربات من جماعة الحوثيين.
كما أن المنشآت النفطية لأكبر مصدر للنفط في العالم أصبحت في مرمى الطائرات المسيرة بسهولة، وهذا سيرفع المخاطر في أسواق النفط، ويزيد حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي في المنطقة بأسرها، والذي بدوره قد ينعكس سلبا على تدفقات النفط منها للعالم.
ونقلت فايننشال تايمز في وقت سابق عن خبراء تحذيرهم من احتمال وقوع ارتفاع حاد في أسعار النفط عند فتح الأسواق نتيجة الضرر الناجم عن الهجمات التي استهدفت معملين في قلب صناعة النفط بالسعودية بما في ذلك أكبر منشأة في العالم لتكرير النفط في بقيق.
ونقلت رويترز أيضا عن جيسون بوردوف المدير المؤسس لمركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا في نيويورك قوله “أسعار النفط ستقفز بفعل هذا الهجوم، وإذا طال أمد تعطل الإنتاج السعودي فسيبدو السحب من المخزون الاستراتيجي… مرجحا ومنطقيا”.
من جهة اخري اذا استمر تعطل الإمدادات النفطية السعودية لفترة طويلة فقد تلجأ الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى للسحب من المخزونات النفطية الاستراتيجية لزيادة المعروض من النفط ومواجهة أية احتمالات لارتفاع غير مسبوق لأسعار الخام.
وتملك المملكة احتياطات تبلغ نحو 188 مليون برميل، أي ما يعادل طاقة المعالجة في بقيق لمدة 37 يوما تقريبا، وذلك وفق ما ورد في مذكرة من رابيدان إنرجي غروب.
ويبلغ الاحتياطي الأميركي، وهو الأكبر من نوعه في العالم، نحو 645 مليون برميل من النفط، وفقا لما يقوله موقع الوزارة الإلكتروني، ويتألف من 395 مليون برميل من الخام الثقيل عالي الكبريت و250 مليون برميل من الخام الأميركي الخفيف.
وإذا كانت المملكة أكبر المتضررين من الهجمات على منشآتها النفطية، فإن ثمة لائحة طويلة من الخاسرين والرابحين من هذه التطورات.
والأثر السلبي الأكبر سيكون على المملكة واقتصادها، من خلال زعزعة الثقة بها وفي استقرارها الأمني والسياسي والاقتصادي.
كما يهدد ذلك تبعات سلبية كبيرة على الاستثمار في المملكة وعلى طرح أسهم أرامكو للبيع، وهذا سيزيد مصاعب اقتصاد المملكة المتعثر أساسا.