تدهور شديد في حقوق الإنسان في المملكة بعد عامين على قتل خاشقجي
تشهد المملكة المزيد من التدهور في حقوق الإنسان والحريات العامة بعد عامين على جريمة قتل الصحفي البارز جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة في اسطنبول التركية قبل عمين.
وتحدثت وكالات استخبارات غربية كثيرة، بينها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، عن أن ولي العهد محمد بن سلمان يتحمل المسؤولية كاملة عن اغتيال خاشقجي.
لكن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لم يأخذ ذلك على محمل الجد، لاعتبارات تتعلق بعلاقته مع ولي العهد وحاجته إلى إنعاش الاقتصاد الأمريكي باستثمارات وصفقات سعودية.
واغتيل خاشقجي في قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، بعد دخوله مبنى القنصلية لإجراء معاملات شخصية.
وفي محاكمات، وصفتها منظمات دولية بأنها “عدالة مثيرة للسخرية”، حاكمت السعودية 11 شخصا في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وأصدرت أحكاما على خمسة منهم بالإعدام، وعلى ثلاثة آخرين بالسجن لسنوات عديدة، بينما برأت ثلاثة آخرين.
ورفضت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات القتل خارج القضاء، أغنيس كالامار، قرارات المحكمة باعتبارها “نقيض للعدالة”، حيث إن خاشقجي كان “ضحية إعدام متعمد مع سبق الإصرار”، وكانت الدولة السعودية مسؤولة عنه.
لكن المحكمة السعودية اعتبرت أن القتل لم يكن مع “سبق الإصرار”، فيما دعا صلاح خاشقجي، نجل الصحافي المقتول إلى الإعلان باسم أسرته عن العفو عن حقها الشخصي، لتعود المحكمة وتصدر أحكاما جديدة، في 7 سبتمبر/ أيلول الماضي، بتخفيف أحكام الإعدام على خمسة متهمين إلى السجن 20 عاما، مع سجن ثلاثة آخرين بين 7 و10 سنوات.
ولم يتم توجيه أية تهم إلى سعود القحطاني، وهو مستشار في الديوان الملكي، كما تمت تبرئة نائب رئيس الاستخبارات السعودية، أحمد العسيري، وهما مقربان من ولي العهد، ويعتقد بضلوعهما مباشرة في اغتيال خاشقجي.
ودان الاتحاد الدولي للصحافيين تلك الأحكام، واعتبرها إجهاضا للجهود الدولية الساعية إلى إنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم والانتهاكات ضد الصحافيين.
وتواجه العدالة السعودية انتقادات من منظمات دولية وجمعيات معنية بحقوق الإنسان حول العالم، لتجنبها إدانة كبار المسؤولين عن اغتيال خاشقجي والمسؤولين الذين أصدروا أمر اغتياله.
كما تواجه حرية الرأي والتعبير والحقوق المدنية في المملكة انتقادات أوسع، بسبب حملات تضييق واعتقالات لقادة فكر ودعاة ومصلحين وصحافيين وعاملين في مجال حقوق الإنسان ومطالبين بالتغيير والمشاركة بالحكم.
وتفيد تقارير منظمة “مراسلون بلا حدود” بأن نحو 30 صحافيا ومدونا، مصنفين كسجناء رأي، معتقلون في السجون السعودية، وترفض السلطات المعنية الإفراج عنهم رغم مخاوف تفشي وباء “كورونا” داخل المعتقلات، وهو ما تدركه الحكومة السعودية، التي أمرت في 26 مارس/ آذار الماضي، بالإفراج عن 250 محتجزا أجنبيا بتهم تتعلق بمخالفات قوانين الإقامة.
لكن هذا القرار وغيره لم يشمل الصحافيين وسجناء الرأي الذين يتعرضون لخطر الإصابة بـ”كورونا”، وفق تقارير تحدثت عن اكتظاظ السجون السعودية واستحالة التباعد الاجتماعي، إضافة إلى أن العديد منهم في حالة صحية متردية، نتيجة التعذيب وسوء المعاملة وحاجتهم إلى رعاية طبية عاجلة.
وفي 19 يوليو/ تموز الماضي توفي الصحافي السعودي، صالح الشيحي بسبب المرض، بعد شهرين من الإفراج عنه من سجن سعودي أمضى فيه أكثر من عامين، بعد أن حكم عليه في فبراير/ شباط 2018، بالسجن خمس سنوات.
ويُعتقد أن الشيحي أصيب بـ”كورونا”، لكن السلطات السعودية لم تعلن عن المرض رسميا، ولم تتحدث عائلته عن ظروف وفاته ولا المرض الذي تسبب بالوفاة.
و”الشيحي” كاتب معروف في جريدة “الوطن” السعودية، واعتقل في ديسمبر/ كانون الأول 2017، بعد دعوته إلى إجراء نقاشات حول الإصلاحات التي يجريها ولي العهد، وحديثه على قناة تلفزيونية سعودية عن الفساد داخل الديوان الملكي.
وأثار الإفراج المفاجئ عنه، قبل إتمام مدة محكوميته ومن ثم وفاته بعد شهرين، الكثير من الشكوك حول الأسباب التي دعت إلى الإفراج عنه دون غيره.
وتحتل السعودية المرتبة 172 بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود” عام 2019.
ويتحدث مراقبون عن أنه كان يوجد هامش من حرية التعبير وانتقاد بعض سياسات الدولة، في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز (2005- 2015)، لكن هذا الهامش لم يعد موجودا منذ أن تفرد محمد بن سلمان بالقرار، بعد تعيينه وليا للعهد، في 21 يونيو/ حزيران 2017.
ولم يعد هناك من يتجرأ على توجيه أي انتقاد لسياسات ولي العهد، سواء الدور السعودي في حرب اليمن، أو الدعوة إلى المصالحة مع دولة قطر، أو انتقاد تطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل، والذي يُعتقد أن الغالبية العظمى من الشعب السعودي ترفضه، لكن من دون التصريح بذلك.
ووظفت الهيئات والمؤسسات المرتبطة بولي العهد السعودي المزيد من القدرات لخلايا منظمة تنشط في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، للإشادة بسياسات ولي العهد وقمع منتقديه والإبلاغ عنهم للجهات المسؤولة.
وبعد اختراق هاتف جيف بيزوس، مالك صحيفة “واشنطن بوست”، التي كان يكتب فيها خاشقجي، تتحدث تقارير غربية عن اهتمام خاص لولي العهد بإنشاء مؤسسات تهتم بشراء أو تطوير برامج تجسس لمراقبة الصحافيين والإعلاميين والمعارضين لسياساته داخل وخارج المملكة.
وتخضع جميع وسائل الإعلام في السعودية لرقابة الحكومة. وتفرض القوانين قيودا على حرية الصحافة والتعبير عن الرأي، حيث تُلزم وسائل الإعلام والصحف الحصول على ترخيص مزاولة العمل، ضمن نطاق الالتزام بالسياسة الإعلامية التي تحددها وزارة الثقافة والإعلام.
وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، دشن ولي العهد السعودي حملة اعتقالات واسعة لعدد من الأمراء والوزراء وكبار رجال الإعلام والمسؤولين في الدولة، بتهم تتعلق بمكافحة الفساد المالي والإداري.
وأحكم محمد بن سلمان قبضته السلطوية على كافة مراكز القرار الأمني والسياسي، ما خلق أجواء من الخوف لدى معارضيه، بمن فيهم الأمراء في الأسرة الحاكمة الذين تعرض عدد منهم إلى التضييق والاعتقال والإقامة الإجبارية والاستيلاء على جزء من ثرواتهم.
ولا يزال المجتمع الدولي، والولايات المتحدة تحديدا، تنأى بنفسها عن ممارسة ما يكفي من الضغوط على ولي العهد، لتخفيف قبضته الأمنية والإفراج عن المعارضين السياسيين وقادة الرأي ونشطاء المجتمع المدني، لارتباط معظم الدول الفاعلة بمصالح اقتصادية مع الدولة السعودية.
وتدعو المقررة الخاصة للأمم المتحدة، أغنيس كالامار، التي حققت في اغتيال خاشقجي، حكومات دول مجموعة العشرين إلى مقاطعة قمة المجموعة المقررة “افتراضيا” في السعودية، يومي 21 و22 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، برئاسة محمد بن سلمان، على خلفية الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، لكن التوقعات تشير إلى الدول المعنية تستجيب للمشاركة في القمة.