تحقيق صادم: 100 ألف عامل مفقود في مشرع نيوم
كشف تحقيق لصحيفة “ذا صن” البريطانية عن 100 ألف عامل مفقود اختفوا أثناء العمل في مشرع نيوم السعودي الذي يكلف تريليونات الدولارات.
وقال التحقيق إن هؤلاء العمّال إما تم ترحيلهم دون الوثائق المناسبة، أو تركهم دون دعم، أو -في أسوأ الحالات- ماتوا بسبب ظروف العمل السيئة ونقص الرعاية الطبية الكافية.
ونقل التحقيق عن خبراء إن مشروع نيوم السعودي الضخم الذي حظي بإشادة واسعة باعتباره رؤية جريئة للمستقبل، لكن خططه “غير الواقعية” ربما تنهار وسط بحر من الجدل.
وتتعهد المدينة الضخمة – التي ستكلف المملكة تريليونات الدولارات – بتحويل اقتصاد البلاد، وتقليص اعتمادها على النفط، ووضعها كقوة عالمية في مجال الابتكار.
ومن المتوقع أن يصبح هذا التطور الكبير رمزا لتطلعات المملكة العربية السعودية اليائسة في ظل رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان.
وباستثمارات ضخمة، كشفت الدولة عن 15 مشروعاً طموحاً للغاية، بتمويل مليارات النفط بمعدلات غير مسبوقة.
وتسعى المملكة، التي تتباهى بالتكنولوجيا التي لم يتم اختراعها بعد، إلى بناء أطول ناطحات سحاب في العالم ومدن مستقبلية وحتى قمر مزيف. ولكن يبدو أن ضوء نيوم بدأ يخفت.
ولم يقتصر الأمر على تقليص حجم مشروعها الرائد بشكل كبير، بل طغت على مشروع نيوم سلسلة من الجدل الذي أثار تساؤلات خطيرة حول جدواه وأسسه الأخلاقية.
ومع اقتراب الوقت من نهاية العقد، يبدو أن السعودية قد لا تصبح القوة المستقبلية في الشرق الأوسط في أي وقت قريب.
وقال الدكتور فريدريك شنايدر، المستشار المستقل في التحولات الاقتصادية بعد النفط في منطقة الخليج، لصحيفة “ذا صن” إن رؤية 2030 ونيوم يُنظر إليهما على أنهما طموحان للغاية ومن المستحيل تقريبًا تحقيقهما منذ البداية.
وأضاف “عندما تم الإعلان عن رؤية 2030 لأول مرة كان هناك الكثير من الحديث عن أنها طموحة للغاية، لكن هذا ليس طموحًا فحسب، بل يكاد يكون مستحيلًا”.
وأشار شنايدر إلى أن العديد من هذه المشاريع الكبرى، بما في ذلك نيوم و”ذا لاين”، تواجه تحديات كبيرة، وخاصة فيما يتعلق بالتمويل والتنفيذ الفعلي.
وحتى بالنسبة للمملكة فإن التكاليف باهظة، حيث من المتوقع أن يكلف المشروع المملكة المتحدة 2 تريليون جنيه إسترليني.
وقال: “على سبيل المثال، تم تخصيص ميزانية قدرها 500 مليار دولار لخط السكة الحديد. وتشير التقديرات إلى أن التكلفة قد تزيد أربعة أضعاف إذا كنا واقعيين. وبالتالي فإن التكلفة سوف تبلغ تريليوني دولار لخط السكة الحديد وحده”.
وباعتباره أحد أغلى مشاريع التطوير في التاريخ، يمثل مشروع نيوم مخاطرة مالية هائلة بالنسبة للمملكة العربية السعودية.
ويتفاقم هذا العبء المالي بسبب صعوبة جذب الاستثمارات الأجنبية، حيث يخشى المستثمرون المحتملون من العائدات غير المؤكدة.
وتتفاقم المخاطر الاقتصادية بسبب حالة عدم اليقين العالمية والاتجاهات الاقتصادية المتغيرة التي قد تقوض استدامة نيوم على المدى الطويل.
وإذا فشل المشروع في تحقيق أهدافه النبيلة، فإنه يخاطر بالتحول إلى فيل أبيض باهظ التكلفة ــ مدينة أشباح مستقبلية في الصحراء.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تم فيه تقليص المشروع الرائد الرئيسي في نيوم بشكل كبير.
وكان من المقرر أن يستوعب المشروع 1.5 مليون نسمة بحلول عام 2030 – لكنه الآن سيستوعب 300 ألف نسمة ولن يصل حتى إلى ميلين.
والمشروع الضخم الذي تم الترويج له باعتباره وسيلة لنقل اقتصاد المملكة بعيدًا عن اعتماده على النفط ربما لا يسير كما هو متوقع، وفقًا لتقارير جديدة اطلعت عليها صحيفة التلغراف.
وعلى الرغم من الخطط التي وضعت لبناء المدينة المرآة لتمتد على مسافة 106 أميال وتستوعب 1.5 مليون نسمة بحلول نهاية العقد، فمن المرجح الآن أن تمتد على مسافة 1.6 ميل فقط وتستوعب 300 ألف نسمة فقط بحلول عام 2030.
وهذا يمثل واحد في المائة من أبعاده الأولية.
ويقول الخبراء إن هذا التخفيض “غير المفاجئ” يعكس الصعوبات التي تواجهها الحكومة السعودية في كسب المستثمرين الأجانب، فضلاً عن ضعف البلاد في مواجهة أسعار النفط.
وقال شنايدر “لقد فوجئت بأن الأمر استغرق وقتًا طويلاً للإعلان عن هذه التخفيضات”.
وأضاف الخبير أن منطقة الخليج، بما في ذلك السعودية، لديها تاريخ في الإعلان عن مشاريع كبرى إما تفشل في تحقيق أهدافها أو يتم تقليصها بشكل كبير.
وأشار شنايدر إلى المبادرات السابقة مثل مدينة الملك عبد الله الاقتصادية ومشاريع مختلفة في دول الخليج الأخرى التي لم تحقق أهدافها الطموحة – والتي غالبا ما تنتهي بالفشل أو تقليص نطاقها بشكل كبير.
وقد أدى الفشل المتكرر في الوفاء بمثل هذه الوعود الكبرى، إلى جانب الحوادث السابقة مثل اعتقالات ريتز كارلتون في عام 2017، إلى تآكل ثقة المستثمرين.
وقال شنايدر إن هذا يمثل مشكلة خاصة بالنسبة لمشروع نيوم، حيث المخاطر عالية والعوائد غير مؤكدة.
وأضاف أن المملكة قد يكون من الأفضل لها أن تركز على التنمية الأكثر واقعية واستدامة داخل المدن القائمة، مثل الرياض، التي تتقدم بشكل جيد بالفعل.
وأضاف أن متابعة هذه المشاريع “الضخمة” تعكس رغبة ولي العهد في ترك إرث دائم، ولكنها قد تثبت في نهاية المطاف أنها مكلفة اقتصاديا وسياسيا.
وأوضح شنايدر: “بدلاً من اتباع هذا الحلم البعيد، لماذا لا نبني على المدن القائمة والمزايا القائمة؟
وتابع “إنهم [السعوديون] سيحاولون عدم دفع أي شيء لخفض التكاليف مع الاستمرار في ذلك علناً، ولكن ربما يتعين عليهم خفض خسائرهم الآن، وهنا، والتوجه نحو التطورات الأكثر تقليدية”.
“مبني على الدم”
تحت الواجهة البراقة لمشروع نيوم، تكمن قصة التهديدات والإخلاء القسري وإراقة الدماء التي ألقت بظلالها القاتمة على هذا المشروع السعودي التافه.
وواجهت العديد من التطورات انتقادات شديدة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، حيث تم طرد القبائل من وطنها أو سجنها أو إعدامها.
يواجه ما لا يقل عن 20 ألف فرد من قبيلة الحويطات خطر الإخلاء، دون وجود أي معلومات عن المكان الذي سيعيشون فيه في المستقبل.
لمدة قرون، عاش هذا المجتمع الأصلي في المنطقة المخصصة لبناء نيوم. ولكن ما تلا ذلك كان حملة صارمة على أولئك الذين قاوموا مغادرة منازلهم.
وكانت الحادثة الأكثر مأساوية هي مقتل عبد الرحيم الحويطي، وهو زعيم قبلي بارز عارض عمليات التهجير القسري.
لقد أصبح مقتله على أيدي قوات الأمن السعودية في عام 2020 رمزًا صارخًا للمدى الذي كانت المملكة على استعداد للذهاب إليه لدفع المشروع إلى الأمام.
وأكد أحد النشطاء أن “نيوم مبنية على دماء سعودية”.
كما هدمت السلطات في مدينة جدة الساحلية العديد من المنازل لتنفيذ خطط التنمية السعودية، مما أدى إلى إخلاء آلاف السكان المحليين بشكل غير قانوني.
وفي مايو/أيار، كشف ضابط استخبارات سابق كيف سمحت السلطات السعودية باستخدام القوة المميتة لإخلاء الأراضي لصالح جماعة “ذا لاين”.
وقال العقيد ربيع العنزي لبي بي سي إنه تلقى أمرا بطرد سكان قبيلة في الدولة الخليجية حتى يمكن بناء مشروع نيوم الرائد.
وبعد ذلك، تم إطلاق النار على أحدهم وقتله بسبب احتجاجه على الإخلاء.
وقال إن الأمر الصادر في أبريل/نيسان 2020 نص على أن الحويطات تتكون من “العديد من المتمردين” و”كل من يستمر في مقاومة [الإخلاء] يجب قتله، لذلك سمح باستخدام القوة المميتة ضد كل من بقي في منزله”.
“عمال مفقودون”
هناك ادعاءات خطيرة تفيد بأن عددا كبيرا من العمال المهاجرين العاملين في بناء مشروع نيوم في المملكة العربية السعودية ربما اختفوا أو ما زالوا مجهولي المصير.
وتشكل هذه القضية جزءًا من قلق أوسع نطاقًا بشأن حقوق العمال ومعاملة العمال المهاجرين في منطقة الخليج، وخاصة في مشاريع البناء واسعة النطاق مثل نيوم.
تعتمد المملكة مثل العديد من دول الخليج الأخرى، بشكل كبير على العمالة المهاجرة في مشاريع البناء الطموحة.
ويتم توظيف هؤلاء العمال، الذين يأتون غالبا من جنوب آسيا وأفريقيا وغيرها من المناطق النامية، في العادة بموجب نظام الكفالة ــ وهو نظام رعاية يتعرض لانتقادات واسعة النطاق بسبب خلق ظروف أشبه بالعبودية الحديثة.
وفي ظل هذا النظام، يصبح العمال مرتبطين بأصحاب عملهم، الذين يتمتعون بسيطرة كبيرة على تحركاتهم، وقدرتهم على تغيير وظائفهم، وحتى موعد عودتهم إلى بلدانهم الأصلية.
وظهرت تقارير تزعم اختفاء ما يصل إلى 100 ألف عامل مهاجر أثناء بناء مشروع نيوم.
ويعتقد أن هؤلاء العمال قد تحملوا ظروف عمل قاسية وساعات عمل طويلة ومعيشة غير ملائمة.
وتشير بعض الروايات إلى أن هؤلاء العمال إما تم ترحيلهم دون وثائق مناسبة، أو تم التخلي عنهم دون دعم، أو في أسوأ الحالات، ماتوا بسبب ظروف العمل السيئة والافتقار إلى الرعاية الطبية الكافية.
وكانت منظمات حقوق الإنسان صريحة في انتقادها للانتهاكات المحتملة المرتبطة بمشروع نيوم وغيره من المشاريع الكبرى في المملكة العربية السعودية، داعية إلى مزيد من الشفافية وتحسين حماية حقوق العمال.
ولكن بسبب الرقابة الصارمة التي تفرضها الحكومة السعودية على المعلومات وحركة الأشخاص داخل البلاد، تواجه هذه المنظمات حواجز كبيرة في تأكيد مدى الانتهاكات المبلغ عنها.
وأبرز شنايدر أن تهجير السكان المحليين وإساءة معاملة العمال المحتملين من شأنه أن يزيد من إلحاق الضرر بسمعة المملكة العربية السعودية ويثبط عزيمة المستثمرين.
وقال: “سوف يرى المستثمرون أنه من المحتمل أن يكون هناك مخاطرة كبيرة يتعين عليهم ربطها بهذا المشروع”.