مدينة صناعية عائمة.. وهم جديد يروجه محمد بن سلمان للتغطية على فشله الذريع
اعتبرت وكالة Bloomberg الأمريكية أن خطة ولي العهد محمد بن سلمان لبناء مدينة صناعية خالية من انبعاثات الكربون عائمة على البحر الأحمر، مجرد وهم جديد يروجه للتغطية على فشله الذريع.
وقالت الوكالة إن المشروع الجديد يثير الجدل والشكوك حول جدواه، لأنه لم يذكر كم ستكلف المدينة، أو كيف سيتم تصميمها لتطفو؟، كما أن مدينة نيوم نفسها تعاني من تأخر شديد في الإنجاز”.
وقال مسؤولون سعوديون إن ولي العهد يعتزم بناء مدينة صناعية خالية من انبعاثات الكربون “عائمة” على البحر الأحمر كجزء من مشروعه الضخم “نيوم”.
لم يذكر نيوم كم ستكلف المدينة، أو كيف سيتم تصميم المجمع لتعويمه.
وذكرت الشركة التي تطور نيوم في بيان صحفي أن المشروع الذى اطلق عليه اسم ” اوكساجون ” سيضم ميناء ومركزا لوجستيا . وستكون “مدينة معرفية شاملة” تركز على الروبوتات والذكاء الاصطناعي، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية.
أعلن في عام 2017، نيوم هو جوهرة التاج لبرنامج الأمير محمد بن سلمان لإصلاح اقتصاد أكبر مصدر للنفط في العالم.
وتلخص خطته لتحويل المنطقة النائية على ساحل البحر الأحمر الشمالي الغربي للمملكة إلى مركز للتكنولوجيا يحركه الروبوت العناصر الرئيسية لما يسمى “رؤية 2030” للتنويع بعيدا عن النفط الخام وتخفيف القيود الاجتماعية وتعزيز الاستثمار.
بيد أن المشروع اثار جدلا، بما في ذلك الشكوك حول جدواه بعد أن كافحت بعض الجهود السابقة لبناء مناطق اقتصادية ومالية حرة للإقلاع.
وتحولت عملية إعادة توطين السكان المحليين إلى أعمال عنف واعتقالات.
عندما أعلن محمد بن سلمان عن نيوم، تم تأطيره في الأصل كاستثمار بقيمة 500 مليار دولار. كانت الشركات الأجنبية بطيئة في الالتزام، ولكن بعضها وقع صفقات بما في ذلك اوراكل كورب، منتجات الهواء وهواوي للطاقة الرقمية.
وفي كانون الثاني/يناير الماضي، وضع نيوم خططا مفصلة لبناء مدينة خطية خالية من السيارات طولها 170 كلم تسمى “الخط” كمحور لها، لكن تعقيد هذا المشروع يعني ان الامر قد يستغرق سنوات للنزول من الارض.
وينظر على نطاق واسع أن تصاعد مشاريع محمد بن سلمان الوهمية تنحصر فقط في تحسين السمعة الشخصية الملطخة وجذب الأنظار إليه للتغطية على سجله من الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان.
ويبدو أن لمحمد بن سلمان، فائضاً كبيراً من الأفكار حول كيف ينفق أموال المملكة. فبعد مبادرته “السعودية 2030” التي تشمل إقامة مدينة المستقبل “نيوم” بتكلفة تبلغ 500 مليار دولار، خرج بمبادرة جديدة باسم “الشرق الأوسط الأخضر”، التي تقتضي أن يستثمر فيها مبلغ 700 مليار دولار.
مثل مشروع بناء مدينة المستقبل، حصلت “الشرق الأوسط الأخضر” أيضاً على موقع في الإنترنت الذي تم فيه تفصيل الأهداف وطريقة تنفيذها.
ضمن أمور أخرى، يخطط بن سلمان إلى تقليص انبعاث غازات الانحباس الحراري حتى العام 2060، وغرس 10 مليارات شجرة، تم غرس 10 ملايين شجرة منها، ووقف تمدد الصحراء عن طريق توسيع المناطق الخضراء بمساحة 541 كم مربع، وإقامة محطات كهرباء تعمل على الطاقة البديلة، التي ستوفر كهرباء خضراء لحوالي 600 ألف عائلة وشق 9900 كم من خطوط سكة الحديد لتقليص الازدحام في الشوارع وتوسيع المحميات الطبيعية بآلاف الكيلومترات المربعة وتشغيل حوالي 10 آلاف عامل في الهيئة الخاصة للحفاظ على البيئة.
إن ضخامة المشاريع مؤثرة، وإذا لم تحدث انعطافة دراماتيكية فسيكون الأمير (36 سنة) عند انتهاء هذه المشاريع ملكاً في عمر 75 سنة. وهو شاب نسبياً مقارنة مع والده والملوك الذين سبقوه.
السؤال الأكثر أهمية هو: هل ستكون المملكة قادرة حتى ذلك الحين على دفع المبالغ الضخمة، 1.5 تريليون دولار، من أجل استكمال هذه الاحتلام؟ لأنه المطلوب منها في هذه الأثناء مواجهة صعوبات مالية، بما في ذلك دين وطني يبلغ 230 مليار دولار، وعجز في الميزانية يبلغ 5 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي الخام. هذه ليست ديوناً أو عجزاً دراماتيكياً، لا سيما بعد أن ارتفعت أسعار النفط في الربع الأخير من هذه السنة، ما ساعد المملكة في تقليص عجزها بـ 38 في المئة.
لكن ثمة فرق بين إنشاء مدينة المستقبل التي تستهدف تجنيد المستثمرين واستيراد شركات أجنبية للدولة، وبين استثمارات ضخمة في المحميات الطبيعية وإقامة مراكز تعليم وتدريب للحفاظ على البيئة وغرس مليارات الأشجار، التي لا تسهم مباشرة في الاقتصاد.
ما الذي وجده ولي العهد كي يعلن الآن عن عقد مؤتمر قمة في المملكة، يشارك فيه رؤساء دول ومديرو شركات دولية وممثلون عن مؤسسات تمويل وخبراء من أرجاء العالم؟ الدافع العلني هو التوجه الدولي لوقف الاحتباس الحراري في الكرة الأرضية وتقليص انبعاث غازات الاحتباس الحراري وتطوير مصادر بديلة للطاقة.
ولكن هذا ليس توجهاً جديداً؛ فقد حصل على حقنة تشجيع من الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي حول الحفاظ على الكرة الأرضية إلى الفصل المهم في الإرث الذي يريد أن يخلفه.
ربما يحلم بن سلمان بسعودية خضراء ومزدهرة، وربما يقوم بنظم قصيدة بالعربية الكلاسيكية عن الهواء النقي الخالي من الملوثات، لكن يبدو أن المهم له أكثر هو إصلاح علاقته مع الرئيس الأمريكي، الذي ما زال يرفض التحدث معه بسبب قضية قتل الصحافي جمال خاشقجي.
هكذا، إذا كانت جودة البيئة ومعالجة تلوث الهواء وانبعاث الغازات السامة هي هواية الرئيس الأمريكي، فيجب على بن سلمان أن يلعب في الملعب نفسه، ويتميز فيه.
ما زالت العلاقة بين واشنطن والرياض متوترة وفاترة، رغم أن بايدن أدار ويدير محادثات مع الملك سلمان. في أيلول الماضي كان يمكن لوزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، أن يزور السعودية ويلتقي نظيره بن سلمان الذي يشغل منصب وزير الدفاع. ولكن تم إلغاء هذه الزيارة في اللحظة الأخيرة.
وبررت الولايات المتحدة الإلغاء بـ “تغيير في أجندة الوزير”، في حين نشرت السعودية في جميع وسائلها الإعلامية بأنها هي التي ألغت الزيارة.
بعد فترة قصيرة، أعلنت الولايات المتحدة عن إخراج صواريخ الباتريوت التي تم نصبها في المملكة في 2019 ونقلها إلى ساحة آسيا كدفاع ضد هجوم صيني محتمل، ما أغضب السعودية جداً.
رئيس المخابرات السابق، تركي الفيصل، الذي يشغل منصب متحدث غير رسمي عما يحدث في البلاط الملكي، قال في مقابلة مع “سي.ان.بي.سي” بأن “المملكة والشرق الأوسط يجب أن يكونا على ثقة بالتزام الولايات المتحدة تجاههم… مثلاً، ألا تخرج صواريخ الباتريوت، في الوقت الذي تتعرض فيه السعودية لهجوم من إيران”.
في صحيفة “عكاظ” السعودية والمقربة من البلاط، نُشر مقال انتقادي. وبحسب ما كتب فيه، يجب على السعودية البحث عن بدائل لعلاقاتها مع الولايات المتحدة.
أراد بايدن تبديد هذا التوتر عندما أرسل مستشار الأمن القومي جايك ساليبان، إلى الرياض في نهاية أيلول من أجل الالتقاء مع بن سلمان. ساليبان هو الشخصية الأمريكية الرفيعة الأولى التي التقت مع بن سلمان. أوضح المتحدثون باسم الإدارة الأمريكية بأن اللقاء استهدف مناقشة حقوق الإنسان والحرب في اليمن، وهي المواضيع الإشكالية التي ألقت بظلالها على العلاقة بين الدولتين. ولكن يبدو أن هناك موضوعاً حساساً آخر أضيف في اللقاء، وهو إقامة علاقات دبلوماسية وتطبيع مع إسرائيل.
نشر موقع “اكسيوس” مؤخرا بأن ساليبان طرح هذا الموضوع على بن سلمان، وقام الأخير بوضع عدة شروط للتطبيع، طالباً إعادة علاقات الإدارة الأمريكية مع المملكة إلى سابق عهدها، وأوضح بأن إقامة علاقة مع إسرائيل ستكون جزءاً من عملية أوسع تتعلق بحل القضية الفلسطينية. باللغة الدبلوماسية، تعتبر هذه الشروط “بدون محرك”. وباللغة العبرية “لا يوجد في هذه الأثناء ما يتحدث عنه”.