من خلال استضافتها القمة العربية في جدة قبل يومين، كرست السلطات السعودية سياسية تكريس تغييب إرادة الشعوب ومكافأة الطغاة باحتضانها رئيس النظام السوري بشار الأسد.
واستفزت القمة العربية في دورتها الـ32 كافة الشعوب العربية المناهضة للديكتاتورية والاستبداد وعلى رأسها الشعب السوري، بعدما بسطت السجاد الأحمر لرئيس النظام السوري بشار الأسد، ومنحته الفرصة ليتكلم من على منبرها بعد أكثر من عقد من تعليق عضويته.
وبحسب صحيفة “صوت الناس” المعارضة فإن قمة جدة برمتها منذ بدايتها وحتى خاتمتها، وما شهدته من حفاوة بالأسد بداية من الدولة المستضيفة للقمة مرورا بكافة الحاضرين، وكلمته التي لم يبد فيها تراجعا عن سياساته قيد أنملة أو اعتذارا عن جرائمه بحق شعبه منذ عام 2011 والتي كانت سببا في تعليق عضويته بالجامعة العربية طوال 12 عاما، أثارت موجة غضب واستياء واسع على كافة الأصعدة.
وأدان حزب التجمع الوطني السعودي، مشاركة الأسد في القمة العربية، وعدها انتكاسة جديدة على المستوى المحلي والإقليمي، مذكرا بموقف الحكومة السعودية طوال العقد الماضي ومنذ مطلع الثورات العربية المناهض لنظام الأسد الذي أسرف في سفك الدماء وهجّر ثلث الشعب السوري.
وأكد الحزب أن التطبيع مع الأسد بمثابة إعادة إحياءه بعد عزلة عاشها بسبب فظاعة جرائمه ضد الشعب السوري، ومساهمة من النظام السعودي بشكل سلبي في دعم نظام الأسد وقمع الشعب السوري وأحلامه بالحرية والعيش الكريم بعد أن تم بالاتفاق في جامعة الدول العربية قبل ١٢ سنة على تجميد عضويته.
وتعقيبا على ما أسفرت عنه قمة جدة، قال الأمين العام السابق لحزب التجمع يحيى عسيري: دعونا إلى تجنب الصراعات وتجنيب المنطقة صراعات الطغاة فوق رؤوس الشعوب، فدعوا لـ”حضيضٍ” للطغاة لتوحيد الجهود ضد الشعوب، وتحديد العدو المشترك (الحرية)، وتوجيه الصراع يدًا واحدة ضد شعوبنا ومنطقتنا، مضيفا: “القتلة في القمة العربية يد واحدة للتصهين والقتل”.
واكتفى الأمين العام للحزب عبدالله العودة، بالإشارة إلى أن قمة جدة جمعت المنشار والكيماوي /البراميل المتفجرة؛ والمنشار لقب أطلق على بن سلمان عقب تورطه في اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في تركيا في أكتوبر/تشرين الأول 2018-، بينما الكيماوي والبراميل المتفجرة يطلق على الأسد بعد قصف شعبه بهم.
وذّكر عضو الحزب عبدالله الجريوي، بخطاب سفير المملكة في الأمم المتحدة، عبدالله المعلمي، في الأمم المتحدة، في ديسمبر/كانون الأول 2021، الذي أطلقه تحت عنوان “لا تصدقوهم” أكد فيه رفض الرياض فكرة أن تحذو حذو دول عربية اتخذت خطوات لتطبيع علاقاتها مع دمشق، وطالب العالم بعدم التصديق أن الحرب في سوريا انتهت”.
وعرض مقطعين فيديو الأول لكلمة المعلمي، والآخر لاستقبال ممثلي النظام السعودي للأسد بمطار الملك عبدالعزيز الدولي، وتساءل: “الحين وش نسوي نصدقهم ولا ما نصدقهم؟”، ساخرا من طفولية الدبلوماسية السعودية وتذبذبها في اتخاذ القرارات في عدة قضايا منها العلاقات مع تركيا وقطر والحوثي.
وأكد عضو الحزب الدكتور أبو الجوائز المطاميري، أن بن سلمان يشابه بشار في الاستيلاء على ثروات البلد وسحق المواطن بالإجراءات القمعية وتغيير الهوية.
وأعلنت إدارة الشؤون السياسية التابعة لحكومة الإنقاذ السورية، رفضها إعادة الأسد للجامعة العربية ومشاركته والوفد المصاحب له في قمة جدة، مستنكرة كل محاولات تعويم النظام السياسي، وغسل جرائمه أو التنازل عن دم الشهداء وملف الأسرى، والمفقودين، وحقوق المهجرين واللاجئين.
وأشارت في بيان لها عقب القمة، إلى أن الثورة السورية تتعرض لتحد خطير يتمثل في محاولات إقليمية حثيثة -برعاية إيرانية- لغسل سجل جرائم النظام السوري الموثقة في كل سجلات المؤسسات الحقوقية والإنسانية بالصوت والصورة، والعمل على إعادة إبرازه في الساحة السياسية.
وأكدت إدارة الشؤون السياسية التابعة لحكومة الإنقاذ، أن الأسد ومنظومته لا تمثل سورية شعبا -ودولة- وأن كل محاولات تسويق النظام وإعادته لمشهد السياسة العربية لن تغير من حقيقة وحشيته لدى الشعب السوري، قائلة: “أننا لن نتنازل عن خيار مقاومته حتى محاسبته هو وجميع أفراد منظومته الإجرامية”.
وانتقد كتاب وصحفيون وإعلاميون وناشطون وشيوخ ومحللون سياسيون، ما حملته القمة العربية في طياتها من أحداث وما تبعها من قرارات، وبرز الاستنكار الواسع للحفاوة التي استقبل بها بن سلمان الأسد، واحتضانه له على أبواب مقر انعقاد القمة بمركز الملك عبدالله الدولي للمؤتمرات في جدة، والاستنكار الواسع للتطبيع مع الأسد وفرضه عربيا ودوليا.
واستهجنوا انضمام بشار الأسد إلى فريق منتقدي تركيا والإخوان المسلمين، بذريعة التحذير من المخاطر المحيطة بالعالم العربي، وقوله: “إن المخاطر لا تبدأ عند جرائم الاحتلال الصهيوني المنبوذ عربيًا بحق الشعب الفلسطيني، ولا تنتهي عند خطر الفكر العثماني التوسعي المطعم بنكهة إخوانية منحرفة”، مؤكدين أن هجومه إبراء لذمتهم.
ووجه الأمين العام المساعد لرابطة علماء المغرب العربي أحمد الحسني الشنقيطي، رسالة إلى قمة جدة، أكد فيها أن استضافة السفاح بشار الأسد من الحرام المعلوم حرمته من الدين بالضرورة، ولا عذرَ لحاكم في ذلك القرار، ولا عذر لعالم في عدم الإنكار.
وعرض عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وصفي أبو زيد، صورة يظهر فيها الأسد مصافحا رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي وعلى جانبهما رئيس النظام التونسي قيس سعيد، قائلا: “يبدو في الصورة ثلاثة من السفاحين والطغاة فيما يسمى اجتماع القمة العربية 32”.
وأوضح أن إثنين ممن يظهرون في الصورة فازا بلقب سفاح وهما “السيسي وبشار”، مشيرا إلى أن سعيد ينظر إليهما نظرة بؤس لعله يندم على مسيرته إن لم يكن مثلهما في القتل وسفك الدماء، لكنه يتعوض ذلك بالاعتقال وتجفيف منابع الحرية في تونس الخضراء.
وأعرب رئيس تحرير صحيفة المصريون جمال سلطان، عن استيائه من قول الأسد في كلمته بالقمة إن الأهم هو ترك الأمور الداخلية في الدول لشعوبها، قائلا: ” هذا المجرم لم يترك ميليشيا طائفية في العالم لم يأت ويستعين بها على قتل شعبه وتشريده وحماية كرسيه، من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان، فضلا عن الجيش الروسي والحرس الإيراني، هذا يتعاطى حشيشا مغشوشا بالتأكيد”.
وخاطب المحامي والسياسي السوري رديف مصطفى، الملوك والرؤساء والأمراء العرب باستثناء الأسد الذي وصفه بالمجرم، قائلا: “نحن نعلم بأن هناك أربعة عواصم عربية تحتلها إيران فهل تخبرونا بعاصمة عربية واحدة عربية تحتلها تركيا حتى تسمحوا لشخص يتباهى بعمالته لإيران وروسيا بأن ينظر عليكم عن الأتراك، والعثمانيين والإخوان وخطرهم؟”.
ورأى الكاتب والصحفي الأردني ياسر أبو هلالة، أن لا خدمة للإخوان ولا العثمانيين مثل أن يهاجمهم الأسد الذي وصفه بـ”الوضيع ابن الوضيع وسليل عائلة الإجرام”، قائلا: “لك أن تتخيًل ما فعله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في بلده، وبشار في بلده خلال عقدين من حكمهما.
وعلق الكاتب المصري أحمد عبدالعزيز، على انتقاد الأسد للأتراك والإخوان، بالقول: “والله إذا كان التوسع العثماني المطعم بنكهة إخوانية منحرفة سيمحوك ونظامك الطائفي من الوجود، فأهلا بالتوسع العثماني، ومرحبا بالانحراف الإخواني”، مضيفا: “ألا لعنة الله عليك وعلى من والاك، وعلى من دعاك إلى هذه القمة”.