يبدو أن إدارة بايدن وقعت تخليها عن رجل الرياض القوي ولي العهد محمد بن سلمان بعد كشف تقرير استخباراتي أمريكي أن هذا الأخير “أجاز اعتقال أو قتل” الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
فغداة نشر واشنطن للتقرير الاستخباري الذي يتهمه بأنه “أجاز اعتقال أو قتل” الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
بدا ولي العهد السعودي وكأنه الخاسر الأكبر على الساحة الدبلوماسية في الشرق الأوسط بعد انتخاب جو بايدن رئيسا جديدا للولايات المتحدة الأمريكية. بحسب الوكالة الفرنسية.
الرئيس الأمريكي الجديد يريد إعادة “ضبط” العلاقات التي تربط واشنطن بالرياض وإحداث قطيعة مع الدبلوماسية التي كان يتبعها دونالد ترامب في المنطقة.
لا سيما أن بايدن لم يخف طيلة حملته الانتخابية عداوته إزاء الأمير السعودي الشاب.
الخاسر الأكبر
إضافة إلى تأكيد واشنطن بأنها تحتفظ بحق معاقبة بن سلمان في المستقبل في حال لزم الأمر، فإن التصريحات الأمريكية المنتقدة له أثرت سلبا على صورته بشكل خاص وعلى صورة بلاده عامة.
بل وأكثر من ذلك، شكلت التصريحات الأمريكية ضربة موجعة لهذا الأمير الشاب الذي كان يريد أن يسوق لدى الغرب صورة رجل منفتح على العالم مستعد وعازم على تنفيذ إصلاحات تغير المملكة المحافظة.
واستغل بن سلمان الزيارات العديدة التي قام بها إلى الخارج، خاصة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا، لكي ينسي العالم سلسلة الاعتقالات في المملكة
والتي طالت العديد من أفراد الأسرة الملكية والشخصيات ذات النفوذ في السعودية والمدافعين عن حقوق الإنسان والمثقفين والمنتقدين لسياسته.
وندد الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي كان يعيش في المنفى بالولايات المتحدة الأمريكية منذ 2017 بنهج الأمير الشاب.
وخصص العديد من الأعمدة الصحفية حول هذا الموضوع نشرت على موقع “واشنطن بوست” الشهير.
وأثار اغتيال هذا الصحفي في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018 زوبعة عالمية، أثرت سلبا على صورة بن سلمان.
تضييق حرية التعبير، منع التجمعات السلمية في المملكة، ممارسة التمييز إزاء النساء والأقلية الشيعية، إصدار أحكام تعسفية بالإعدام وممارسة التعذيب.
إذا كان الطابع القمعي هو الذي يميز منذ زمن بعيد النظام السعودي الذي يطبق بشكل صارم قوانين الشريعة الإسلامية ويتعامل بقساوة مع الاحتجاجات الداخلية، فالوضع تأزم أكثر منذ وصول بن سلمان إلى السلطة.
حليف محرج
وقال كريم سدير وهو مختص ومستشار في شؤون الخليج عن الحصيلة الدبلوماسية لولي العهد السعودي، سواء تعلق الأمر بالحرب في اليمن الذي تحول إلى فيتنام جديدة على أبواب المملكة
أو بالحصار الاقتصادي الذي فرض على قطر أو التعامل بالقوة مع الملف اللبناني عبر قضية رئيس الوزراء سعد الحريري … لم يتمكن أي من مبادراته السعوديين من تعزيز موقعهم في المنطقة أمام إيران.
ففي اليمن مثلا، خاض محمد بن سلمان حربا ضروسا منذ مارس/آذار 2015 في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران مع التحالف الدولي، ما تسبب في “أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
كما ربط بن سلمان دبلوماسيته بإدارة ترامب الذي زار السعودية مباشرة بعد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، وكلاهما تركز أنظارهما على التهديد الإيراني.
واقترب بن سلمان من جاريد كوشنير، صهر ترامب الذي كلف بمتابعة قضايا الشرق الأوسط.
هذا التقارب بين الرجلين سهل لولي العهد السعودي إمكانية الوصول إلى دائرة القرار في واشنطن وإلى دونالد ترامب شخصيا فسانده بقوة أثناء فضيحة مقتل الصحفي خاشقجي.
ورغم أن سلمان ظهر كحليف محرج للولايات المتحدة، إلا أن ترامب دافع عنه شخصيا مقابل ضمان السعودية لـ”صفقة القرن” في الشرق الأوسط
وهي الصفقة التي فتحت الباب واسعا أمام تطبيع بعض الدول العربية (الإمارات العربية المتحدة، المغرب، البحرين…) لعلاقاتها مع إسرائيل.
لكن في الجهة المقابلة، لم ينفك الإعلام الأمريكي والمعسكر الديمقراطي عن توجيه انتقادات لاذعة لولي العهد السعودي.
إلى درجة أنه أرغم في نهاية المطاف على تحمل مسؤولية مقتل خاشقجي.
أقوال خاشقجي
في أكتوبر/تشرين الأول 2019، نشرت مجلة “نيوزويك” الأمريكية مقابلة غير مؤرخة مع الصحفي خاشقجي.
وصف فيها محمد بن سلمان بـ”الحاكم القبلي والرجعي” وبرجل ذات سلطة “استبدادية” وبالمناهض لأي تطور للنظام السعودي نحو الديمقراطية.
ولغاية الآن لم تكشف الرياض عن مكان تواجد جثة هذا الصحافي الذي اختفى في 2 أكتوبر/تشرين الثاني 2018 بعد دخوله مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول.
وصول بايدن إلى السلطة أدى إلى تراجع نفوذ بن سلمان، الرئيس الأمريكي اتخذ قرارات لا تخدم كثيرا مصالح ولي العهد السعودي.
وختمت الوكالة الفرنسية: لا بد أن محمد بن سلمان فقد الشعور بالحصانة التي كان يملكها عندما كان دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة.
ويبقى السؤال: ما هو مستقبل “محمد بن سلمان” في السعودية وهل هي طريقة عمل الإدارة الأمريكية للإطاحة به؟.