لاحق الفشل الذريع وساطة السعودية في أزمة السودان في ظل استئناف القتال بين طرفي الصراع الداخلي واتهامات للرياض بالانحياز لميليشيات التمرد في البلاد.
ومساء الخميس، تم التوقيع على “إعلان التزام” في جدة من قبل الفصائل المتحاربة في السودان، بعد ما يقرب من أسبوع من المحادثات التي توسطت فيها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة المضيفة.
وأورد موقع Middle East Eye البريطاني أن إعلان جدة لم يكن وقفا لإطلاق النار. وللتأكيد على هذه الحقيقة عاد الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى حربهما سريعا، حيث استهدفت غارات جوية وقذائف مدفعية العاصمة الخرطوم.
ولم تصمد حتى الآن أي من اتفاقيات وقف إطلاق النار الإنسانية الستة التي أعلنت عنها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية خلال الصراع.
ولم يصدر أي من الجانبين السوداني بيانا يعترف بالصفقة التي وقعها نيابة عن الجيش العميد الركن محجوب بشرى أحمد رحمة وعن الميليشيا شبه العسكرية العميد عمر حمدان أحمد حماد شقيق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي.
ولم يتصافح الرجلان بعد التوقيع على الوثيقة، لكنهما التقطتا صورًا مع المسؤولين السعوديين بينما كان المفاوضون الأمريكيون يحومون في الخلفية.
وقال متحدث باسم المجلس النرويجي للاجئين (NRC) “يؤكد الإعلان بشكل أساسي أن كلا الجانبين سيواصلان القتال ، لكنهما يعدان الآن فقط أنهما سيقاتلان بما يتماشى مع قوانين الحرب، لذلك نحن نستقر في صراع طويل وطويل الأمد.”
على الرغم من أن وسائل الإعلام السعودية روجت لها كثيرًا لإعلان جدة، فقد وصفت الرياض الصفقة بأنها “خطوة أولى”. وقال مسؤولون أمريكيون إن المفاوضات من أجل وقف إطلاق النار ستتبع.
وقالت مصادر دبلوماسية إن الجانبين بقيا بعيدين جدًا عن اتفاق أكثر جدوى فيما قوبل الإعلان بسخرية العديد من السودانيين. باعتباره “لا معنى له على الإطلاق”.
في هذه الأثناء اعتبر مراقبون أن إعلان جدة الذي وقعه طرفا النزاع في السودان، الجيش وقوات الدعم السريع، في السعودية حمل ثغرات كبيرة من شأنها أن تشكل دعما خفيا لميليشيات التمرد.
وبحسب موقع “خليجي 24” رأى المراقبون أن الثغرات في إعلان جدة تمثلت في استبعاد ممثل الخارجية أو الحكومة في التوقيع على الإعلان كطرف ممثل عن الدولة والشرعية.
في المقابل لوحظ أن وحضور ممثل الجيش مقابل ممثل قوات الدعم السريع تعد خطوة تنتقص من السيادة وتساوي بين طرفين أحدهما سلطة شرعية والآخر انقلابي متمرد.
وجاء في إعلان جدة “الامتناع” عن التدخل والرقابة على العمليات الإغاثية وهذا مفهوم أن تُمنع منه الميليشيا المتمردة ولكن ليس مقبولا أن تتخلى السلطة وجيشها عن حق الرقابة على هذه العمليات وفي مثل هذه الظروف التي قد تستغلها جهات معادية في إدخال سلاح نوعي للمتمردين.
كما جاء في إعلان جدة “الامتناع عن أي هجوم من المتوقع أن يتسبب في أضرار مدنية” وهذا البند ظهر كأنه صمم خصيصا لتحييد الطيران لأن ميليشيات الدعم السريع تتحصن في المناطق المدنية ولا مشكلة لديها في حرب الشوارع بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة ونقطة ضعفها في تعامل الطيران مع مصادر النيران.
وعليه اعتبر المراقبون أن إعلان جدة لن يغير شيئاً يذكر في الواقع السودان، وبإمكان كل طرف أن يكمل مهمته حتى ينال مراده أو يهلك دونه، فلا توجد فيه أي أسس عملية لوقف القتال أو الخروج بتسوية ما، وللميدان الكلمة وفصل الخطاب.
وتضمن إعلان جدة اتفاق مبادئ أولي للالتزام بالامتناع عن أي هجوم عسكري قد يسبب أضرارا للمدنيين”، والتأكيد على “حماية المدنيين”، واحترام القانون الإنساني والدولي لحقوق الإنسان، حيث أكد مسؤولون أميركيون أنه ليس اتفاقا على وقف إطلاق النار.
وبموجب الاتفاق يسمح الطرفان للمدنيين بمغادرة مناطق الصراع وحماية الاحتياجات اللازمة لبقائهم على قيد الحياة، وحماية كافة المرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية.
والتزم الجانبان بالامتناع عن تجنيد الأطفال والاحتجاز التعسفي للمدنيين وكل أشكال التعذيب، مشددين على التزامهم بـ”سيادة السودان والحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه”.
ويشير الإعلان إلى أنه لن “يؤثر على أي وضع قانوني أو أمني أو سياسي للأطراف الموقعة عليه”، وهو لا يرتبط بـ”الانخراط في أي عملية سياسية”.
وأسفرت المعارك منذ نشوبها منتصف أبريل عن سقوط أكثر من 750 قتيلا وخمسة آلاف جريح، بحسب منظمات غير حكومية والسلطات، في ظل فشل هدنة وراء أخرى أعلنها الطرفان المتناحران على السلطة. ويلقي كل طرف باللوم على الآخر في خرق وقف إطلاق النار.