فضائح السعودية

تركي آل الشيخ والجانب المظلم لسيد الترفيه في السعودية

نشرت مجلة “ذ اثلاتيك” الأميركية تحقيقا يستعرض مسيرة تركي آل الشيخ والجانب المظلم لسيد الترفيه في السعودية بما في ذلك قصة صعوده المريبة للمناصب العليا وعلاقاته الغرامية المشبوهة فضلا عن تبديده مبالغ مالية ضخمة في نزواته.

وجاء في التحقيق: إنها أمسية من أمسيات يناير في غرينيتش، التي كانت يومًا بوابة بريطانيا إلى العالم، لكنها تخضع لأسياد جدد الليلة.

اجتمع نجوم رياضة الملاكمة في جنوب شرق لندن وشوهد ضيوف من بينهم ملاكمون مثل بطلي العالم في الوزن الثقيل أولكسندر أوسيك ودانييل دوبوا، وبطل الوزن فوق المتوسط كانيلو ألفاريز، يدخلون أبواب الكلية الملكية البحرية القديمة الفخمة، وياقات التوكسيدو تشد على أعناقهم المفتولة العضلات.

لقد جاؤوا إلى هنا، إلى حفل جوائز مجلة “ذا رينغ”، بدعوة من رجل يعد الشخصية الأقوى في عالم الملاكمة، وهو الرجل الوحيد القادر على استدعاء هولاء النجوم بمجرد إشارة من إصبعه .. انه تركي آل الشيخ.

خلال مأدبة العشاء، جلس الرجل البالغ من العمر 43 عامًا في مركز المائدة العلوية على شكل حرف U، إلى جانب فرانك وارن، أحد كبار المروّجين في الرياضة، وعلى بُعد مقعد واحد من ألفاريز، الذي يُعد ربما النجم الأبرز تجاريًا في عالم الملاكمة.

واحضر المُعلّق الأسطوري مايكل بافر خصيصًا من الولايات المتحدة. بعض المروّجين البارزين تخلّفوا عن بطولات ساهموا هم أنفسهم في تنظيمها — شوقًا لأن يكونوا في هذه القاعة.

ويقف المسؤول السعودي في مركز الصورة الأيقونية لتلك الأمسية، ناظرًا إلى الكاميرا من خلف نظارته الشمسية الشهيرة وخلفه، أربعون من أقوى الشخصيات في عالم الملاكمة، يتخذون وضعية التصوير تحت سقف المبنى المزخرف، المعروف بـ”كنيسة السيستين البريطانية”.

قد يُفسّر ما جرى على أنه محاولة من تركي آل الشيخ لفرض نفسه في قلب المؤسسة البريطانية، لكن هذا ليس جديدًا على الرجل الذي عمل على ان يعزف النشيد الوطني السعودي في ملعب ويمبلي، الملعب الوطني لكرة القدم في إنجلترا، في سبتمبر الماضي.

استحوذت السعودية على رياضة الملاكمة بدعم من دفتر شيكات ضخم تابع لهيئة الترفيه العامة التي يرأسها.

واجهت الملاكمة منذ فترة طويلة صعوبة في تنظيم نزالات بين نجومها الكبار، لكن آل الشيخ لعب دور الوسيط في تنظيم نزالات بدت يومًا شبه مستحيلة.

حتى إنه اشترى جزءًا كبيرًا من أعلام رياضة الملاكمة — حيث استحوذ في نوفمبر 2024 على مجلة “ذا رينغ” التي يعود تاريخها إلى قرن من الزمن، ثم اشترى حسابًا على منصة X تابعًا لصحفي آخر يتابعه أكثر من 300 ألف شخص، وأعاد تسميته ليصبح الحساب الرسمي لمجلة The Ring.

يقول تيرينس كروفورد، أحد أفضل الملاكمين في العالم من حيث الوزن مقابل الوزن، لشبكة ESPN العام الماضي: “الأمر ليس متعلقًا بالمال.. تركي ينجح لأنه يعامل الملاكمين كأصدقاء وشركاء، لا كأعداء يُستغلون. إنه هنا لإصلاح أعظم رياضة في العالم. وسيقوم بذلك”.

ورغم المناصب الرسمية التي يشغلها، وصلاته الوثيقة بولي العهد محمد بن سلمان (MBS)، فإن القليل معروف عن الرجل الذي يقف في قلب عالم الملاكمة.

خلال الأشهر الستة الماضية، أجرت صحيفة The Athletic مقابلات مع أكثر من 40 شخصًا في أوساط الملاكمة، والديوان الملكي السعودي، ودوائر الأعمال الدولية والغالبية العظمى تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم — بعضهم خوفًا على أمنهم، والبعض الآخر حتى يتمكنوا من مناقشة قضايا حساسة بصراحة أو لحماية علاقاتهم التجارية — وقد رسموا صورة لرجل يتصرف كأنه مروج لامع على المسرح العالمي، لكنه في الوقت ذاته جزء محوري من نظام يحكم بقبضة من حديد في الداخل.

وقد ابلغ أشخاص عدة صحيفة The Athletic بما يلي:

+ عدد المعتقلين بسبب تغريدات ناقدة لآل الشيخ بلغ حدًا جعل أحد أجنحة سجن الرياض يُعرف بين السجناء باسم “جناح توتو”، نسبة إلى لقبه.

+ لدى آل الشيخ علاقة وثيقة بـ MBS، تعود إلى أوائل الألفينات عندما كانا يلعبان ألعاب فيديو مثل League of Legends وAssassin’s Creed خلال سنوات المراهقة المتأخرة لولي العهد.

+ كان آل الشيخ شخصية محورية ميدانية خلال صعود MBS إلى السلطة.

+ كوّن سمعة في أوساط النخبة السعودية بسبب نوبات غضب محرجة يُقال إنه يفتعلها.

+ يُرتقب أن يكون له دور محوري في التخطيط لكأس العالم لكرة القدم 2034، وهو منافس لرئيس نادي نيوكاسل ياسر الرميان، وعُرضت عليه حصة في نادي ميلان الإيطالي.

+ أحد مرافقي آل الشيخ خلال التحضير لنزال عالمي على لقب الوزن الثقيل كان رجلًا مطلوبًا من قبل الـ FBI كمشتبه فيه في قضايا تجسس.

+ المطربة المصرية آمال ماهر اختفت عن الأنظار لمدة عامين بعد أن ورد أنها قدمت بلاغًا للشرطة تتهم فيه آل الشيخ بالاعتداء عليها، ولم تُوجَّه أي تهم رسمية إليه.

ولم يرد آل الشيخ على اتصالات صحيفة The Athletic.

يقول أحد الملاكمين السابقين الذي أصبح مدربًا: “جذبت الملاكمة هذه النوعية من الشخصيات منذ مدة طويلة، لكنك لن تسمع بذلك من داخل الوسط، فالجميع مشغولون بالمغانم”.

خلف مشيات دخول الحلبة، والأحزمة الذهبية، والنظارات الشمسية الداكنة، يقبع تركي آل الشيخ الذي لا يعرفه الكثيرون.

يقولون إن الذهاب إلى سجن الحائر بمثابة الذهاب “خلف الشمس”، ويقول سجين سابق: “سمعت هذا المثل منذ كنت صغيرًا. بمجرد أن تدخل هناك — كأنك اختفيت”.

يقع السجن في الصحراء على بعد 25 ميلاً جنوب الرياض، ولم يُكشف الكثير عن تفاصيله، لكن يُعتقد أنه يضم حوالي خمسة آلاف سجين.

وسط أعضاء من القاعدة، وأمراء مخلوعين، ومجرمين عاديين، هناك جناح معين في السجن اكتسب سمعة خاصة.

يقول سجين سابق احتُجز بسبب انتقاده للحكومة على وسائل التواصل: “كان هناك مجموعة نسميهم ضحايا تركي وحينما تسأل: ‘وش قضيتك؟’ فيرد: ‘أنا من ضحايا تركي، انتقدت تركي آل الشيخ’. تركي لقبه توتو — فصرنا نسمي الجناح: جناح توتو” ثم يضيف “أعرف شخصا رد على تغريدة لتركي يشتكي من خسارة فريقه وهو شيء له علاقة بالسياسة — مجرد مشجع، وقال إنه انسجن بسبب تلك التغريدة فقط”.

وتختلف المصادر بشأن مدى معرفة آل الشيخ شخصيًا بهذه الاعتقالات أو تورطه فيها، ويقول البعض إن هناك عددًا كبيرًا من العاملين تحته، وكلهم يسعون لإرضائه، فيما يؤكد آخرون، بمن فيهم معتقلون سابقون وأشخاص عملوا عن قرب معهم، أن آل الشيخ شارك بنفسه في بعض تلك الاعتقالات.

عمل عبدالله العودة، المدير البارز لمكافحة الاستبداد في مركز الديمقراطية للشرق الأوسط (MEDC) – وهي منظمة غير ربحية تُعنى بالدفاع عن الحقوق ومقرها الولايات المتحدة – خلال العقد الماضي على التحقق من ادعاءات أشخاص سُجنوا بسبب انتقادهم لتركي آل الشيخ.

يقول العودة لصحيفة The Athletic: “لقد تحققنا شخصيًا من التهم أو الأحكام القضائية لأكثر من 10 حالات لأشخاص تم احتجازهم في السعودية بسبب انتقادهم لتركي آل الشيخ”، موضحًا أن ادعاءاتهم تم التحقق منها بمقارنتها مع سجلات المحكمة الرسمية.

ويضيف: “معظم الضحايا لم ينتقدوا الحكومة حتى، بل انتقدوا قرارات اتخذها آل الشيخ في مجالي الترفيه أو الرياضة خلال فترة عمله في الهيئتين”.

وتواصلت صحيفة The Athletic عبر وسيط مع رجل قال إنه تلقى اتصالًا من رقم مجهول، حيث قدّم المتصل نفسه على أنه من جهاز أمن الدولة، وأمره بمقابلته في مكان عام وبعد وصوله، تم اقتياده إلى سيارة دفع رباعي سوداء من قبل رجال ملثمين، ثم عُصبت عيناه، وكُبلت يداه، ونُقل إلى الرياض.

ويقول الرجل إن العصابة أُزيلت عن عينيه عند وصوله، ليجد نفسه في غرفة فاخرة، ثم دخل تركي آل الشيخ.

وفقًا للرواية، سأل آل الشيخ الرجل عن سبب انتقاده له على وسائل التواصل الاجتماعي. وكان الرجل قد اتهم آل الشيخ، بصفته رئيسًا لوزارة الرياضة السعودية حينها، بالتحيز، ولم يكن لديه سوى عدد قليل من المتابعين.

يدّعي الرجل أن آل الشيخ صفعه على وجهه ثلاث مرات، وأمره بحذف المنشور أو مواجهة السجن.

توسّل الرجل للعفو ووافق الشيخ، ثم أُطلق سراحه في منتصف أحد الطرق السريعة، وقيل له أن يجد طريقه للعودة بنفسه.

يقول العودة: “آل الشيخ يتصرف بهذه الطريقة لأنه يمتلك السلطة”، مشيرًا إلى أن والده، العالم الإسلامي سلمان العودة، محتجز في السعودية منذ عام 2017 بسبب انتقاده للحكومة، ويتابع: “لا يوجد حكم قانوني — النظام ملكي استبدادي مطلق بلا رقابة من القضاء أو المشرّعين”.

ويضيف العودة أن هناك حالتين علموا بهما، حيث يُقال إن آل الشيخ عرض آلاف الريالات السعودية، أو قدّم بالفعل مدفوعات مالية، لإسكات ضحاياه ومنعهم من الحديث عما جرى معهم، أو من مشاركة قصصهم مع أي أحد أو أي جهة.

ففي سبتمبر 2019، اعتُقل العالِم الإسلامي عمر المقبل بعد أن قال إن سياسات هيئة الترفيه برئاسة آل الشيخ تهدد الثقافة السعودية، ووفقًا لمنظمات غير حكومية، لا يزال معتقلًا رغم انتهاء مدة محكوميته في مارس الماضي.

وفي أكتوبر من العام نفسه، حُكم على زعيم قبلي يُدعى فيصل بن سلطان بن حميد بالسجن خمسة أشهر بعد أن نشر تغريدة انتقد فيها آل الشيخ.

يقول أحد المطلعين على شؤون الديوان الملكي: “قد يبدو أن تركي آل الشيخ في موقع آمن، لكنه يعلم جيدًا مدى سرعة انقلاب شخص مثل محمد بن سلمان عليه”.

ويتابع: “لذلك هناك شعور دائم بالحاجة إلى القضاء على أي انتقاد شخصي حتى لا يتضخم الأمر ويجعل محمد بن سلمان يظن أنهم غير كفؤين أو يسببوا له مشاكل”.

كان أحمد محمد عمر من مشجعي نادي الأهلي المصري، وهو نادٍ استثمر فيه آل الشيخ سابقًا. وعندما انتقل إلى السعودية للعمل في عام 2021، تم احتجازه بسبب تغريدات نشرها قبل 18 شهرًا، انتقد فيها قرارات اتخذها آل الشيخ.

وبحسب مركز MEDC، وبالتحقق من منظمات حقوقية أخرى، حُكم على عمر بالسجن 19 عامًا. وتقول عائلته إنهم استنفدوا جميع السبل القانونية.

يضيف عبدالله العودة: “الظروف في السجون السعودية سيئة عمومًا، والذين يُحتجزون لفترات قصيرة عادة ما يتعرضون للأذى الجسدي بشكل أكبر. يتراوح العنف من الضرب على يد الحراس، إلى الصفع على الوجه، إلى حالات قصوى يتم فيها تعليق السجين من كعبيه رأسًا على عقب، وكل هذه الحالات وثقها مركزنا في سياق معتقلين بسبب انتقادهم لتركي آل الشيخ”.

لم يكن من المتوقع أن يصل آل الشيخ إلى هذا القدر من النفوذ في ظل نشأته في ضواحي الرياض.

وُلد ال الشيخ في عام 1981 لأسرة من الطبقة المتوسطة حيث كان والده موظفًا حكوميًا في وزارة الشباب، ووالدته مديرة مدرسة.

عاش مع أسرته في منزل جده، وظل فيه حتى أواخر العشرينيات من عمره، ووصف عائلته في بودكاست كويتي في يناير 2024 بأنها “أسرة عادية”.

لكن الشيء غير العادي كان اسمه — “آل الشيخ” — والذي يشير إلى انتمائه إلى واحدة من أقوى العائلات في السعودية، لا تسبقها في المكانة سوى الأسرة الحاكمة، آل سعود.

سيطرت عائلة آل الشيخ على المؤسسة الدينية تاريخيًا، وادعى أفرادها، بمن فيهم تركي، أنهم من نسل مؤسسي المذهب الوهابي، الذي يمثل التيار الديني السائد في المملكة.

ينتمي تركي إلى فرع صغير من العائلة، لذا كانت نشأته عادية نسبيًا لكن اسمه امتلك وقعا وتأثيرا كبيرين في السنوات التالية.

بعد إنهائه الدراسة، أرسله والده إلى كلية الملك فهد الأمنية ليتأهل لمسار مهني في المجال العسكري، ويتذكره أحد المدرسين كطالب غير مميز، يفضّل إضحاك زملائه على الالتزام الجاد بالدراسة.

عُيّن آل الشيخ في جهاز أمن الدولة بعد تخرجه برتبة ملازم في عام 2001، وتولى وظيفة إدارية في قسم المشتريات، حيث كان يشرف على الجداول الإلكترونية وطلبات التوريد.

أما التحول المحوري في مسيرته، فجاء بعد سنوات قليلة حيث أعيد تعيين آل الشيخ في مكتب سلمان بن عبدالعزيز، أمير الرياض آنذاك، الرجل الذي سيصبح لاحقًا ملك المملكة العربية السعودية حيث يتمتع أفراد الأسرة المالكة في السعودية بمرافقي أمن وخدم ومساعدين.

في تلك الفترة، لم يكن متوقعا أن يتولى سلمان العرش، وفي بلاطه، تقرّب آل الشيخ سريعًا من الابن السابع لسلمان، الذي كان يصغره بأربع سنوات فقط.

يقول مطلعون على شؤون الديوان، أن الشابين كانا يلعبان ألعاب الفيديو مثل League of Legends وAssassin’s Creed، ويقضيان ساعات طوال الليل في مشاهدة عروض المصارعة WWE.

كان الشاب يُعرف فقط باسم “محمد” انذاك أما اليوم، فمكانته كأقوى شخصية في الشرق الأوسط جعلته يُعرف بلقبه المختصر فقط — “MBS”.

كان تركي شخصية مؤثرة بالنسبة لولي العهد المستقبلي، ويقول بعض المطلعين إن آل الشيخ كان يُخرج محمد بن سلمان سرًا من القصر حينما يُمنع من والده من الخروج، ليصحبه في جولات داخل الرياض، وقد وُصفت علاقتهما المبكرة من قبل العديد من المصادر بأنها “صداقة عميقة تتجاوز الحدود”.

يقول أحد المطلعين على شؤون الديوان الملكي السعودي: “تركي لديه مهارات اجتماعية غريبة لكنها محببة ومرحة”، ويضيف: “وكان هو رجل الحفلات — ينظّم السهرات، ويؤمن الفنانين، وكل ما يلزم لإقامتها”.

لكن تركي آل الشيخ ظل يفتقر إلى المال فقد وصف في منشورات تم حذفها لاحقًا من حسابه على منصة “إكس”، كيف أنه لم يكن يستطيع شراء أكثر من شطيرة واحدة من متجره المفضل، وكيف اضطر لبيع مجوهرات من أجل دفع مهر زواجه.

ورغم ذلك، حافظ على علاقات وثيقة مع دوائر النفوذ، فتزوج من ابنة مدير مكتب الملك سلمان، وقد حضر محمد بن سلمان حفل الزفاف، إلى جانب عدد من أبرز الشخصيات الدينية في السعودية.

تدريجيًا، وبينما تنقّل بين مناصب حكومية مختلفة تبعًا لاهتمامات سلمان، بدأت مهارات آل الشيخ الاجتماعية ترسّخ مكانته في أوساط النخبة السعودية، فعادةً، عندما يرتبط أحد الأشخاص بأمير، فإن صعوده وهبوطه في البلاط يعتمد على موقع ذلك الأمير.

يقول أحد المطلعين على شؤون القصر: “هو ذكي جدًا من حيث فهمه لسياسات الديوان الملكي، ويمتلك أذكى جهاز تحسس للحرارة؛ حيث يعرف بالضبط متى يكون محمد بن سلمان غاضبًا فيبتعد، ويعرف تمامًا متى تكون الفرصة سانحة للتقرّب”.

لم يبدأ آل الشيخ في لمس القوة الحقيقية إلا بعد وفاة الأخ الأكبر لسلمان، الملك عبد الله، في عام 2015.

تحرّك محمد بن سلمان بسرعة لضمان أن ينتقل العرش إلى والده سلمان بدلًا من أي من أبناء عبد الله، فقام بإبعاد حلفاء الفروع المنافسة من المناصب الحكومية حتى قبل الإعلان الرسمي عن وفاة الملك، وكان بحاجة إلى شخصيات موثوقة تساعده في تثبيت أقدامه في السلطة.

وكان التحدي الأكبر على العرش آنذاك يتمثل في محمد بن نايف، ابن شقيق سلمان، والمعروف اختصارًا بـ”MBN” الذي قام سلمان بتسميته وليًا للعهد مؤقتًا لتهدئة الصراعات داخل العائلة.

في عام 2017، وبعد عامين من تولي سلمان الحكم، تم إدخال محمد بن نايف إلى إحدى غرف قصر الصفا في مكة، وكان هناك تركي آل الشيخ، برفقة آخرين من الموالين لمحمد بن سلمان، يطالبونه بالتنازل عن ولاية العهد.

تُظهر لقطات بثها التلفزيون الرسمي السعودي محمد بن نايف في اليوم التالي، وهو يبدو مذهولًا، يصافح محمد بن سلمان في مشهد نقل السلطة، ويظهر آل الشيخ في المشهد وهو يضع عباءة سوداء (بشت) على أكتاف محمد بن نايف.

كانت هذه الإيماءة تهدف إلى إظهار الاحترام بعد ما جرى خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية.

وقال محمد بن نايف لاحقًا لمستشار له في رسالة نصية، وفق شخص مطّلع على المحادثة كما ذكرت صحيفة “الغارديان”: “عندما بايعت، كان هناك سلاح موجّه إلى ظهري”.

واصل آل الشيخ إثبات أهميته، وقد أصبحت أشهر حركة داخلية لمحمد بن سلمان تعرف باسم “حملة الريتز كارلتون”، حيث تم احتجاز أكثر من 300 من رجال الأعمال البارزين وأفراد من الأسرة المالكة من الرتب الدنيا، في فندق بالرياض، وهناك، تم تجريدهم من أصولهم المالية تحت غطاء “حملة مكافحة الفساد”.

وبحسب مصادر مطلعة عدة على ما حدث، كان لآل الشيخ دور في ذلك، وقد أشارت مؤسسات إعلامية كبرى مثل “نيويورك تايمز” إلى حضوره في هذه الحملة.

يقول شخص تم إطلاعه على ما جرى من قبل بعض المحتجزين: “الأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب في الريتز كارلتون، تعرفوا عليه، وكانوا يسمعونه هو وشخصًا آخر في الخلفية وهم يدخنون الشيشة في بعض الجلسات، وكانوا يسمعون صوت الفقاعات، والموسيقى الخلفية التي تُعزف، أثناء سير الجلسات”.

مع استقرار موقع محمد بن سلمان، بدأ دور تركي آل الشيخ يتغير، فانتقل من رئاسة الهيئة العامة للرياضة إلى الهيئة العامة للترفيه في عام 2018، بعد إقالة الرئيس السابق للهيئة على خلفية تعاقده مع عروض ترفيهية على طراز “سيرك دو سوليه” اعتُبرت جريئة بشكل مفرط.

يقول أحد المعارضين عن هيئة الترفيه: “إنها سياسة الخبز والسيرك فالحكام مطالبون بوضع الطعام على المائدة وتوفير الترفيه للشعب لإخفاء حقيقة أنهم أصبحوا أكثر استبدادًا من ذي قبل، ولإسكات أي شكل من أشكال المعارضة”.

بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018 على يد عملاء مرتبطين بالدولة السعودية، كتب آل الشيخ أغنية أعلن فيها براءة سعود القحطاني، مستشار محمد بن سلمان، الذي حمّلته تحقيقات أجرتها وكالة الاستخبارات المركزية البريطانية (MI6) والسلطات التركية المسؤولية.

وكان خاشقجي قد قال في أحاديث خاصة قبل مقتله، نُشرت لاحقًا في مجلة “نيوزويك”، إن آل الشيخ والقحطاني هما المستشاران السياسيان الوحيدان لمحمد بن سلمان. ونقلت “نيوزويك” عنه قوله: “هما يتصرفان كبلطجية، والناس يخافون منهما. من يتحداهما، قد ينتهي به الأمر في السجن”.

وتحدث آل الشيخ عن كتابته لأشعاره وأغانيه بنفسه واعلن في أبريل، عن أنه سينتج فيلمًا مستوحى من بطولات UFC بعنوان Brawler بالتعاون مع رئيس المنظمة دانا وايت.

وكتب فيلم رعب بعنوان The Cello في عام 2023، من بطولة جيريمي آيرونز وإخراج دارين لين بوسمان، مخرج أربعة من أفلام سلسلة Saw، ووفقًا لقاعدة بيانات الأفلام IMDb، بلغت ميزانية The Cello نحو 17 مليون دولار، لكنه حقق 5,310 دولارات فقط في صالات السينما.

استثمر آل الشيخ بكثافة وبشكل مثير للجدل في كرة القدم المصرية بين عامي 2017 و2019 — حيث اشترى ناديًا وغيّر اسمه إلى “بيراميدز” ونقله إلى القاهرة — قبل أن يشتري نادي ألميريا الإسباني من الدرجة الثانية مقابل 20 مليون يورو (17.2 مليون جنيه إسترليني).

وفي ظهوره على بودكاست كويتي لاحقًا، قال إنه أجرى محادثات مع نادٍ إنجليزي من الدوري الممتاز لشرائه، وإن وكيل اللاعبين الشهير الراحل مينو رايولا عرض عليه فرصة الاستثمار في نادي ميلان.

نظم آل الشيخ في إطار مهامه في هيئة الترفيه، سلسلة من الحفلات الموسيقية والمهرجانات في الصحراء، بهدف تحديث صورة المملكة وجذب شريحة الشباب المتزايدة بسرعة.

ويقول أحد الخبراء في الشأن السعودي: “أعتقد أنه يمتلك واحدة من أعقد الوظائف في السعودية بلا منازع، فهو في الخطوط الأمامية مباشرة ضد السلطات الدينية التي كانت تهيمن سابقًا على الحياة الاجتماعية. واسم عائلته ورقة سياسية بالغة الأهمية — فالشخص الذي جلب راقصات إلى الرياض هو من آل الشيخ”.

لكن آل الشيخ أيضًا جذب الانتباه بسبب سلسلة من الانفعالات العامة، كثير منها بدت وكأنها لأسباب تافهة.

ففي إحدى المناسبات خلال جائحة كوفيد-19، نظم مباراة خيرية في ألعاب الفيديو ضد سعود السويلم، الرئيس السابق لنادي النصر، وأثناء مشاركته بفريقه ألميريا في لعبة FIFA 20، استقبل هدفين في الدقائق الأولى، فقام برمي جهاز التحكم نحو التلفاز وكسره تمامًا.

وفي عام 2019، تم تصويره وهو يثور غضبًا على مصوّر اقترب منه أكثر من اللازم.

أما في كأس العالم 2018، فأصدر آل الشيخ مقطع فيديو بعد خسارة السعودية بخمسة أهداف دون مقابل أمام روسيا في المباراة الافتتاحية، وكرر فيه عبارته أن المنتخب “سوّد وجهه”.

وفي وقت سابق من نفس العام، أثار آل الشيخ أزمة دبلوماسية بعدما وصف وزيرًا كويتيًا بأنه “مرتزق”، لأنه شكر قطر على مساعدتها الكويت في رفع الحظر الذي فرضته الفيفا على المنتخب الكويتي.

يقول أحد المصادر المقربة من الساسة السعوديين: “هذه هي ميزة كبار مستشاري محمد بن سلمان.. إنهم يخلقون المشاكل، ثم يأتي الأب لإنقاذهم… هذه العصابة المحيطة بمحمد بن سلمان تمتلك كل النفوذ. لا أحد يريد الاقتراب من تركي آل الشيخ”.

وقد واجه آل الشيخ أيضًا جدلاً خارج السعودية، ومن أبرز الحوادث التي وقعت خلال وجوده في مصر، ما يتعلق بإحدى أشهر المغنيات المصريات، آمال ماهر.

فقد أفادت عدة صحف مصرية في مارس 2018، بأن آمال ماهر تقدمت ببلاغ إلى الشرطة، تدّعي فيه أن آل الشيخ ضربها على عينها، ما تسبب لها في كدمة واضحة.

وكانت ماهر قد نفت في الأسابيع السابقة، علنًا، شائعات واسعة النطاق عن ارتباطها بآل الشيخ، الذي كانت قد تعرفت عليه عبر علاقاته الوثيقة بصناعة الترفيه المصرية.

وبحسب مصادر شرطية نقلت عنها وسائل إعلام مصرية، تمت إحالة البلاغ إلى النيابة العامة، وأُخطرت السفارة السعودية في القاهرة بوجوب مثول آل الشيخ للتحقيق، وظهرت لقطات فيديو في اليوم التالي امال وشقيقها وهما يدخلان محكمة جنوب القاهرة في منطقة زينهم.

لكن خلال أربع ساعات فقط من نشر الخبر، تم حجب موقعي الصحيفتين اللتين انفردتا بالقصة، وعندما عادت المواقع للعمل، كانت التقارير الخاصة بآمال ماهر قد حُذفت.

وفي الأيام التالية، تعرض محل شقيق آمال ماهر للتخريب، ونشرت هي على حساباتها على مواقع التواصل — قبل أن تحذفها لاحقًا — رسائل غامضة قالت فيها إنها “لن تقبل الظلم على نفسها أبدًا”، دون توضيح. كما ادعت أن هي وعائلتها تلقوا “تهديدات وإهانات” عبر هواتفهم المحمولة.

اختفت آمال ماهر عن الأنظار لأكثر من عامين بعد مشاركتها في حفل عند أهرامات الجيزة في يونيو 2020، وخلال تلك الفترة، اختفت أغانيها من موقع يوتيوب، وأعلنت في يونيو 2021 اعتزالها الغناء لأسباب “شخصية وخارجة عن إرادتها”.

ونشرت النائبة المصرية أمل عبد الحميد بعد عام خطابًا موجهًا لرئيس الوزراء، قالت فيه: “من المؤسف والمريب والمخيف أيضًا، أن تتحول غيبة فنانة بحجم آمال ماهر إلى تساؤلات وجدل وشائعات وشكوك، والأكثر أسفًا هو الإصرار على الصمت والغموض، وخلق بيئة خصبة للشائعات”.

لم يُدلِ آل الشيخ بأي تعليق علني حول هذه الاتهامات، ولم تُرفع أي قضية ضده، كما لم ترد الشرطة المصرية على استفسارات وجهتها إليها صحيفة “ذا أثلتيك”.

وبدأت آمال ماهر تغني مجددًا في السعودية في السنوات الأخيرة، ونشرت بيانات تنفي فيها تعرضها للاعتداء من قبل آل الشيخ، وأرجعت غيابها الطويل إلى مضاعفات إصابتها بفيروس كورونا.

وقالت في مقطع فيديو على إنستغرام: “آسفة على الفترة اللي فاتت، ما كنت قادرة أكون معاكم… كنت مصابة بكورونا، والحمد لله تعافيت، وحبيت أطمنكم”.

سيكون كأس العالم 2034 أكبر حدث رياضي في تاريخ السعودية، وسيضطلع آل الشيخ بدور محوري فيه، بصفته عضوًا في لجنة التخطيط للبطولة، لكن شغفه الحقيقي هو رياضة الملاكمة.

عانى آل الشيخ من مشكلات صحية خطيرة في السنوات الأخيرة، فمنذ عام 2015 تم تشخيصه بعدة أنواع من السرطان، أخطرها ورم في الدماغ قريب من الغدة النخامية، وقد أمضى جزءًا كبيرًا من عامي 2018 و2019 في نيويورك لتلقي العلاج.

وقال آل الشيخ في حوار إن أحد العمليات التي خضع لها نتج عنها خطأ طبي، ترك له جرحًا ينزف لمدة 50 يومًا، تلاه أشهر من الالتهاب، ووفقًا لآل الشيخ، فإن “حياته الثانية” لها هدفان: خدمة محمد بن سلمان — وخدمة الملاكمة.

وحبه للملاكمة حقيقي، فملاكمَاه المفضلان — لاري هولمز وروبرتو دوران — ليسا من الأسماء المتوقعة، خاصة أن ذروتي مسيرتيهما كانتا قد انقضتا قبل أن يبلغ آل الشيخ سن المراهقة.

وعندما أعلن المدرب البريطاني المعروف جو غالاغر في فبراير إصابته بسرطان الكبد والأمعاء من المرحلة الرابعة، كان آل الشيخ قد تواصل معه بالفعل، بعدما بلغه الخبر من داخل مجتمع الملاكمة، وعرض مساعدته بأي طريقة، بما في ذلك ربطه بأطباء مختصين تعرف عليهم أثناء علاجه.

ويقول إيدي هيرن، أحد أبرز الشخصيات في عالم الملاكمة، إنه تلقى اتصالًا من آل الشيخ استدعاه فيه من داخل البحر أثناء عطلته — في إشارة إلى نفوذ آل الشيخ الكبير.

دفع تركي آل الشيخ نحو بدء استثمارات السعودية في رياضة الملاكمة بعد عودته من رحلة علاجه من السرطان، مستندًا إلى الزخم الذي أحدثته المواجهة الشهيرة بين أنتوني جوشوا وآندي رويز جونيور في ديسمبر 2019، وسرعان ما بدأت الفعاليات تتكثف، بعد أن أصبحت رسميًا تحت مظلة “موسم الرياض”، البرنامج الأبرز للهيئة العامة للترفيه الذي يجمع بين الرياضة والثقافة ويفتح أبواب التمويل.

تم التوصل إلى صفقات نزال معقدة — شملت أسماء مثل تايسون فيوري، وديونتاي وايلدر، وأولكسندر أوسيك — في حين أن مواجهتي بطولة العالم بين الملاكمَين في الوزن الثقيل الخفيف أرتور بيتربييف ودميتري بيفول كانتا من أرقى النزالات في السنوات الأخيرة.

وتظهر مقاطع فيديو نشرها آل الشيخ على وسائل التواصل الاجتماعي في أكتوبر 2024، تحضيرات موسم الرياض المقبل، ولم يكن هناك ما يلفت النظر في وجود رجل نحيل بلحية مشذبة.

لكن أشخاصًا مطلعين على شؤون الديوان الملكي يقولون إن هذا الرجل يبدو أنه أحمد المطيري، المعروف أيضًا باسم أحمد الجبرين الذي اتهمه مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) في نوفمبر 2019، بالعمل “كوكيل غير مسجل لحكومة أجنبية”، وذلك عبر تجنيد موظفين في شركة تويتر لتسريب معلومات عن معارضين مشتبه بهم.

وزعم محققو الـFBI أن المطيري “أقنع موظفَين باستخدام صلاحياتهم الوظيفية للوصول غير المصرح به إلى معلومات غير علنية تتعلق بأشخاص يديرون حسابات معينة على تويتر”.

وأضافوا: “سعى ممثلو السعودية والعائلة المالكة السعودية للحصول على معلومات خاصة عن مستخدمي تويتر الذين انتقدوا النظام… وشملت هذه المعلومات عناوين البريد الإلكتروني، وأرقام الهواتف، وعناوين الـIP، وتواريخ الميلاد”.

وأصدرت تويتر بيانًا في ذلك الوقت، أكدت فيه التزامها بـ”حماية النقاش العام من تدخل الدول”.

وأكد مكتب التحقيقات الفيدرالي لـ”ذا أثلتيك” أن أحمد المطيري ما يزال مطلوبًا لدى السلطات الأميركية.

يُعد تركي آل الشيخ الشخصية الرياضية الأبرز المكلفة بقيادة مشاريع القوة الناعمة السعودية، محليًا ودوليًا، لكنه أيضًا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمراكز القوة الصلبة في محيط محمد بن سلمان، مما يضع المملكة في موضع منبوذ حقوقيًا.

وتجسّد الثقة الممنوحة له في كلا الدورين مدى أهميته بالنسبة لابن سلمان، لكنها في الوقت ذاته تجعله معرضًا أكثر للخطر.

وقد اختفى سعود القحطاني، الذي يُعد من أقرَب المقربين لمحمد بن سلمان شأنه شأن آل الشيخ، عن الأنظار بعد مقتل جمال خاشقجي، ولم يظهر مجددًا علنًا إلا خلال العام الماضي فقط، ولم يُشكك أحد بجدية في مكانة آل الشيخ بجانب ولي العهد حتى الان.

يقول شخص مطلع على شؤون الديوان الملكي: “أعتقد أن محمد بن سلمان يرى أن تركي رجل ذو رؤية في مجال الترفيه، فهو من يصنع صورة بلد تعرض أفلام مارفل وأفنجرز، ولديها مدن ملاهٍ بطابع دراغون بول زد.. هذه هي الصورة التي أرادها، والتي لعبها مع تركي منذ أن تعرفا على بعض وقد حققها تركي ببساطة”.

ومع ذلك، تقول مصادر مطلعة عدة على ديناميكيات السلطة إن آل الشيخ يتنافس حاليًا مع محافظ صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميان — الذي تم اختياره لقيادة مشروع نيوكاسل يونايتد في الدوري الإنجليزي — للفوز برضا محمد بن سلمان.

ووفقًا لعدة مصادر مطلعة على سير المفاوضات، فإن نقطة خلاف أخرى تتمثل في استثمار السعودية بقيمة مليار دولار في شركة DAZN الإعلامية، من خلال وحدة “SURJ” التابعة لصندوق الاستثمارات العامة والمختصة بالرياضة.. هذا الخيار كان مدفوعًا بقوة من آل الشيخ، بينما كان الرميان يفضل التركيز على صفقة محتملة مع شبكة “بي إن سبورتس” القطرية لكن اقتراح آل الشيخ هو الذي انتصر.

في الأشهر الأخيرة، بدأ غياب الدفء بين الطرفين يظهر علنًا ويقول مصدر يتمتع بعلاقات واسعة في أوساط النخبة السعودية: “كان هناك عشاء خلال موسم الرياض، وكان هناك طاولة كبيرة لكبار الشخصيات. دخل تركي القاعة، وتوجّه إلى المقعد الموجود على نفس الطاولة التي يجلس عليها ياسر.

وقف ياسر منتظرًا لتحيته، لكن تركي لم يلتفت إليه مطلقًا، ولم يتحدث معه على الإطلاق، وكان واضحًا للجميع في المكان أن ياسر ظل واقفًا لمدة 30 ثانية منتظرًا أن يُسمح له بالجلوس.. كان العشاء يدور كله حول من هو الزعيم وكأن الرسالة كانت: ’لا تعبث معي.. سأأخذ مكانك شيئًا فشيئًا”.

بالنسبة للبعض داخل الطبقة الحاكمة السعودية، لا يتوافق سلوك تركي آل الشيخ مع رؤية 2030 — المشروع الذي يهدف إلى تنويع اقتصاد المملكة وتحسين صورتها الدولية — ويشعر البعض بأن العائد على الاستثمار كان ضئيلًا، ويرون أن شخصية آل الشيخ — بنفوراته وجدليته — لا تعكس الصورة التي يرغب محمد بن سلمان في إيصالها للعالم.

ويقول أحد مستشاري الديوان الملكي: “بعض آل الشيخ مواطنون عاديون، والبعض الآخر قريب جدًا من مرتبة الأمراء. لقد كان لهم دور في المجتمع السعودي منذ فترة طويلة، لكنهم لم يلعبوا يومًا دور الأمير وافتقار تركي للاتزان يغضب الكثيرين”.

وقد أُنتشل تركي من مستوى إداري متوسط على يد محمد بن سلمان ويتفق جميع المصادر على أن صعوده الكامل يعود إلى دعم ولي العهد، دون أن تكون له قاعدة سياسية سابقة أو نفوذ شخصي.

ويتنبأ أحدهم: “يومًا ما، سيقترب كثيرًا من الشمس”.

لكن مساء السبت، سيكون تركي آل الشيخ في قلب عالم الرياضة مجددًا، إذ سيستضيف ملعب توتنهام هوتسبير في لندن نزالًا من موسم الرياض يجمع بين كريس يوبانك جونيور وكونور بين — أبناء خصمين من تسعينيات القرن الماضي — في ما يُعد أكبر نزال في الملاكمة البريطانية منذ سنوات.

لقد صعد آل الشيخ من المجهول إلى مكانة شبه ملكية، وها هو اليوم يقف في قلب مؤسستين تاريخيتين، تسعى قياداتهما الجديدة إلى اقتلاع الفساد، وضخ استثمارات ضخمة، وتأمين مكانتهما في النظام العالمي الجديد وان كانت أخلاقهم موضع شك واسع.

لقد أصبحت قصة السعودية في السنوات الأخيرة، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقصة الملاكمة فهل يكون آل الشيخ هو من يقود كليهما إلى الأمام؟

أيا كان ما سيفعله لاحقًا، ستكون له تبعات تمتد من ويمبلي إلى الرياض، ومن واشنطن إلى سجن الحائر وسواء أكان خلف الشمس، أم تحت ضوء الحلبة القاسي… فإن العالمين المختلفين ينتظرانه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى