أصدر الدبلوماسي الأمريكي السابق ديفيد رونديل، كتابا جديدا يرصد واقع السعودية مستعرضا تاريخها منذ وفاة المؤسس عبد العزيز آل سعود في خمسينات القرن الماضي وثولا لـ”قفز” محمد بن سلمان على السلطة.
وحمل الكتاب الجديد اسم “رؤية أم سراب: المملكة العربية السعودية على مفترق الطرق”، تحدث خلاله المؤلف بإسهاب عن تاريخ الدولة السعودية الحالية، وكيف تمكن الملك عبد العزيز من بناء تحالفات لتثبيت حكمه و واقع السعودية الحالي.
والكتاب يحتوى خبرة الدبلوماسي خلال 15 عاما عمل بها كدبلوماسي في السفارة الأمريكية بالرياض، وبنى الكثير من آرائه على معلومات حصل عليها من مسؤولين سعوديين.
ويتميز الكتاب الجديد عن سابقيه من كتاب “إم بي إس: صعود محمد بن سلمان إلى السلطة”، و كتاب “الدم والنفط” الذي صدر حديثا، هو أنه لم يحمل اتهامات مباشرة لولي العهد، ما دفع جهات سعودية إلى الاحتفاء به، نظرا لاحتواء بعض جزئياته ثناء على العهد الجديد.
وعقد “المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية” (NCUSAR) جلسة حوارية لمناقشة الكتاب، بحضور المؤلف رونديل، والدبلوماسي السابق بالسفارة الأمريكية بواشنطن، جون دوك أنتوني.
وكان لافتا أن وسائل إعلام سعودية غطّت هذه الجلسة، وقالت إن الحضور أشادوا بثناء الكاتب على رؤية “2030”، وجهود ابن سلمان ضد الفساد، وضد توسع نفوذ إيران بالمنطقة.
ويقول المؤلف رونديل، في كتابه، إن وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد لم يكن أمرا عاديا، إذ قفز الأمير الشاب على العديد من أعمامه وأبناء عمومته، ممن يملكون خبرة ومؤهلات أكثر منه.
ويضيف أن صعود بن سلمان للسلطة رافقه قرارات صارمة من والده، بتقليص رواتب وامتيازات الأمراء، الذين يفوق تعدادهم عشرات الآلاف ما شكل انقلابا على واقع السعودية.
كما عمل الملك سلمان بعد وصول ابنه، المتحكم الفعلي بزمام الأمور، على تنحية العديد من الأمراء، واستبدل بهم أشخاصا خبراء في مختلف المجالات، وهم من خارج الأسرة الحاكمة.
ويتابع رونديل: إن جل الأمراء الذين بقوا في مناصبهم، أو عينهم الملك سلمان لاحقا، هم على علاقة متينة بمحمد بن سلمان.
وأوضح الكتاب أن حقبة ابن سلمان هي الأقل استقرارا في المملكة منذ عقود طويلة.
وأشار الكتاب إلى تصريحات أدلى بها ابن سلمان، في جلسة حوارية بمنتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” الذي استضافته الرياض في تشرين أول/ أكتوبر 2017، وشن فيها هجوما غير مسبوق على تيار “الصحوة”، متهما إياه باختطاف البلاد نحو 30 عاما.
يقول الكاتب إن هذه الإشارة كانت إعلانا رسميا من ولي العهد لشن حرب ضد التيار الديني بالمملكة، إذ قلّص صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وافتتح دورا للسينما، وقلل من القيود المفروضة على النساء.
ويستطرد: أنه وعند وصول نسبة الفتيات الخريجات من الجامعات في 2020 إلى 60 بالمئة من إجمالي الخريجين، لا تزال المرأة السعودية تعاني، وقال إلا أن مستوى حقوق الإنسان تراجع في السعودية.
وتطرّق الكتاب إلى مشروع مدينة “نيوم”، الذي بلغت تكلفته الأولية 500 مليار دولار، إذ قال رونديل إنه واجه انتقادات هادئة من طبقة التكنوقراط.
وقال إن النفط الذي غذّى الاقتصاد السعودي معظم تاريخه، ولا يزال، ومكّن المملكة من التحكم بسوقه، بات متقلبا لدرجة كبيرة، إذ تضاعفت أسعار النفط، وانخفضت إلى النصف، وتضاعفت مرة أخرى في أربع سنوات فقط من 2007 إلى 2011”.
وأثار الكتاب قبل وبعد نشره، ردود فعل من قبل شخصيات بارزة، فاعتبر معهد “ملخص السياسة الدولية”، أن الكتاب يحاول في كثير من المواضع الدفاع عن السعودية، وتبرئتها من تهم طالتها.
وأوضح في مراجعة للكتاب أجراها الصحفي المختص راسل وايتهاوس، أن الكتاب تجاهل سرد الاتهامات الموجهة للمملكة بالتورط في هجمات “11 سبتمبر”، التي ربط بعضها اسم رئيس الاستخبارات السابق تركي الفيصل بما جرى.
وذكر أن الكتاب أشار فقط إلى تقرير لجنة “11 سبتمبر” الذي تم تنقيحه بشدة، والذي انتقده الديمقراطيون والجمهوريون على حد سواء في الولايات المتحدة.
فيما قال السير ريتشارد ديرلوف، رئيس جهاز المخابرات البريطاني الأسبق، إن الكتاب يشير إلى تقبل المجتمع المحافظ بالسعودية إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية واجتماعية هامة، وإن محمد بن سلمان قام من أجل ذلك بالاستعانة بجيش من المستشارين والخبراء الأجانب.
وتساءل ديرلوف: “هل هذا سيكون رؤية جديدة للسعودية، أم مجرد سراب يتحول بنهاية المطاف إلى ثورة على النمط الإيراني؟”.