يتورط ولي العهد محمد بن سلمان في تبديد المليارات من ثروات وأموال الشعب السعودي في إطار شغفه الشخصي بالسينما العالمية ومحاولته الوصول إلى منافسة هوليوود عبر إطلاق استوديوهات بمبالغ ضخمة في العلا.
وأبرزت صحيفة التليغراف البريطانية أنه على مدى العقود الماضية، حاولت عدة دول التحرر من هيمنة هوليوود على السينما وبناء صناعات سينمائية محلية. الهند تمتلك بوليوود، ونيجيريا لديها نوليوود الأقل شهرة، كما أن الصين وروسيا واليابان تمتلك صناعات مزدهرة تستهدف في الغالب جماهيرها المحلية، مع تحقيق بعض الأعمال انتشاراً دولياً نادراً.
لكن من المثير للدهشة أن الشرق الأوسط، تقليدياً، استُخدم كوجهة تصوير للأفلام الغربية ذات الميزانية الضخمة، أكثر من كونه يمتلك استوديوهات مخصصة وصناعة سينمائية مزدهرة. فمع الثروة النفطية الهائلة التي تتمتع بها بعض الدول، لماذا لم تسعَ إلى بناء صناعة سينما محلية؟
في حالة السعودية، إحدى أغنى الدول العربية، بدأت مؤشرات تقدم واضحة. يُقال إن محمد بن سلمان من عشاق الأفلام، وقد أعرب عن رغبته في أن تنتج السعودية أفلاماً ناجحة ومربحة تتحدى هوليوود في عقر دارها.
لتحقيق هذا الهدف، تعمل “الهيئة السعودية للأفلام” على تقديم حوافز ضخمة لصناع الأفلام، حيث تقدم خصماً بنسبة 40٪ على النفقات التي تلتزم بالمنطقة، مقارنة بالمعيار الصناعي البالغ 30٪.
وإذ نجح توم كروز في وضع برج خليفة بدبي على الخريطة عندما تسلقه في فيلم Mission Impossible: Ghost Protocol، فإن للسعودية طموحات أكبر بكثير لصناعتها السينمائية الناشئة. تم بناء مجمع استوديوهات باهظ الثمن خارج مدينة العلا، وتم تصميمه ليس فقط ليتحدى استوديوهات هوليوود بل لتفوقها.
وكما قال عامل بناء لصحيفة فايننشال تايمز: “هذا أفضل من المعيار العالمي. إذا أنفقت 160 مليون دولار على فيلم، لا يمكنك المخاطرة بأن لا يعمل الاستوديو”.
ومع تراجع إقبال الجمهور على دور السينما في الغرب، يبحث صناع الأفلام في العالم عن طرق لجذب مصادر تمويل غير مستغلة.
ومثلما كان يُعتقد سابقاً أن الأموال الصينية ستشكل مستقبل السينما الأمريكية، فإن هوليوود الآن تتابع باهتمام شديد ما يحدث في الشرق الأوسط.
ورغم كل الحماس والضجيج، هناك مخاطر وعقبات. فالصحراء قد تكون مكاناً رائعاً لتصوير الأفلام، لكنها تأتي بتحدياتها؛ مثل نقص البنية التحتية، ودرجات الحرارة المرتفعة، وشكوك الاستوديوهات الأجنبية في الانخراط بشكل وثيق مع نظام مرتبط بأنشطة مثيرة للجدل.
مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018، والذي خلصت الولايات المتحدة إلى حدوثه بموافقة ولي العهد، لم يُنسَ ولم يُغفر. لذلك، إذا كان الاستثمار الأجنبي في صناعة الأفلام في البلاد محدوداً، فإن ضرورة إنتاج أفلام محلية كبيرة الميزانية تزداد أهمية.
ورغم أن السعودية استثمرت في عدة إنتاجات غير عربية مثل فيلم عودة جوني ديب Jeanne du Barry، فإن طموحاتها المحلية أكبر بكثير.
النجم الشهير للأفلام ذات الميزانية المتوسطة، جيرارد بتلر، صور فيلم الحركة Kandahar في السعودية قبل عامين، وكان هذا أول فيلم ناطق باللغة الإنجليزية يتم تصويره في مدينتي العلا وجدة، وقد شارك في تمويله مجموعة إم بي سي الإعلامية السعودية.
ورغم أن الفيلم لم يحقق نجاحاً كبيراً سواء نقدياً أو تجارياً – حيث وصفه النقاد بأنه “فيلم عنيف ومفتقر للروح”، إلا أنه أسس سابقة قد تتبعها أفلام أخرى.
على الورق، فإن رواد السينما في السعودية ليسوا مختلفين كثيراً عن رواد السينما في العالم.
في العام الماضي، كان فيلما Oppenheimer وMission: Impossible من بين أكثر الأفلام نجاحاً في شباك التذاكر السعودي (فيما لم يُعرض فيلم Barbie لأسباب ثقافية)، والفيلم المحلي سطار، وهو كوميديا عن المصارعة، حقق نجاحاً ضخماً متفوقاً على أفلام عالمية مثل The Batman وJoker، ليصبح ثامن أعلى فيلم تحقيقاً للإيرادات في السينما السعودية، محققاً 10.8 مليون دولار.
لكن الطموح الأساسي، سواء لصناع الأفلام أو المستثمرين، هو إنتاج فيلم ممول محلياً يمكن أن ينافس هوليوود من حيث الإنتاج والتقدير الجماهيري والعائدات. فهذه المجمعات الاستوديوهات المكلفة لن تموّل نفسها بنفسها.
يبدو أن مجموعة إم بي سي رأت أن فرصتها الكبيرة لتحقيق فيلم جماهيري واسع هي من خلال Desert Warrior، فيلم ملحمي من إخراج روبرت وايت مخرج فيلم Rise of the Planet of the Apes ويشارك فيه نجم فيلم Captain America الجديد أنتوني ماكي، والممثلة البريطانية عائشة هارت في دور البطولة النسائية.
وبالطبع، يلعب السير بن كينغسلي دور الإمبراطور الشرير كسرى الذي يرغب في جعل الأميرة التي تجسدها هارت إحدى محظياته. ترفض الأميرة، وتتحالف مع شخصية ماكي الجندي المغامر (المسمى “باندت” لإعطاء الجمهور فكرة واضحة عن شخصيته)، ليحاولا توحيد القبائل لمواجهة الطاغية الشرير في معركة ملحمية.
تم الإعلان عن هذا الفيلم في عام 2021 وأصبح أضخم إنتاج سعودي على الإطلاق. ومع ميزانية هائلة بدأت بـ140 مليون دولار وارتفعت بسبب إعادة التصوير والتعديلات، كان من الضروري أن يحقق Desert Warrior نجاحاً كبيراً. وقد اتخذ المستثمرون السعوديون دوراً نشطاً في متابعة عملية الإنتاج.
رغم أن السيناريو كتبه غاري روس (مؤلف The Hunger Games) وديفيد سيلف (مؤلف Road to Perdition)، كان يُفترض أن يكون الفيلم ناجحاً بلا شك، ولكن سرعان ما ظهر أن هناك توترات بين الأسلوب الهوليوودي التقليدي في معالجة الموضوعات وتطلعات المستثمرين المحليين.
وقد ذكرت تقارير موثوقة أن مشهداً يظهر فيه لمس شخصية امرأة لشخصية هارت بطريقة ودية ولكن حميمية قليلاً على رقبتها كان من الأمور التي أثارت تحفظات الداعمين الماليين للفيلم.
وبالرغم من الأموال الطائلة التي تم إنفاقها على هذه الاستوديوهات الجديدة، إلا أن الصحراء لا تزال بيئة صعبة للتصوير. وكما قال المنتج جيريمي بولت، “كان الفيلم تحدياً كبيراً لصناعته، الأصعب في مسيرتي”.
وقال “كنا نصور في مواقع صحراوية جميلة ولكن قاسية. لم يكن هناك شيء: لا بنية تحتية، ولا طاقم عمل، ولا معدات. اضطررنا لجلب كل شيء، وغالباً من دول أخرى. الجهد الذي بذله المخرج، وطاقم العمل، وفريق الإنتاج كان جباراً”. ربما كان من الأفضل له توفير الوقت بالإشارة إلى أن حلم إنتاج أفلام ملحمية محلية لا يزال بعيداً عن التحقيق.
وبحسب ما ورد، فقد انسحب وايت من عملية ما بعد الإنتاج بسبب التدخلات المكثفة للممولين، وتم إقناعه بالعودة لإنهائه. كان من المفترض أن تكون النسخة الأصلية التي قدمها ملحمة ذكية مدتها ساعتان ونصف، إلا أن هذه النسخة تحولت إلى فيلم حركة تقليدي مدته أقل من ساعتين من قبل المحررة كيلي ديكسون.
كما تردد أن المنتجين يدرسون إمكانية استدعاء مورغان فريمان لتقديم سرد صوتي بأسلوب “صوت الله” لتغطية أي فجوات في القصة، وذلك بسبب شعبية الممثل لدى بن سلمان.
وقد لاحظ مراقبون أنه رغم الحاجة إلى أن يكون الفيلم ناجحاً في شباك التذاكر لتشجيع الاستثمارات المستقبلية في هذا المجال، فإن ولي العهد يبدو أقل اهتماماً بالعائدات المالية وأكثر حرصاً على عدم تجاوز أي حدود ثقافية أو فنية.