يبدو أن هوس نظام آل سعود بعقد صفقات الأسلحة لا يعرف الحدود أو التوقف، إذ خلال العام الماضي سجلت مراكز بحث أوروبية حلول المملكة في صدارة الانفاق على التسلح وهو نسق لم تحد عنه المملكة منذ عقود.
كان انعكاس هذا الهوس ينقضي على المستوى الدفاعي والتصدي للأخطار المحدقة، لكن السنوات القليلة الاخيرة كشفت خلاف ذلك.
في أحدث تجليات سباق تسلح آل سعود، كشفت الحكومة اليونانية عن اعتزامها ارسال صواريخ دفاعية من طراز باتريوت الى السعودية.
وصرح المتحدث باسم الحكومة اليونانية أن الخطوة تأتي ضمن مبادرة أمريكية فرنسية بريطانية مشتركة، وأن بلاده ستنشر الصواريخ المذكورة على نفقة الرياض لحماية منشآت وبنى تحتية ذات صلة بقطاع الطاقة.
ولم يندمل بعد الجرح السعودي العميق الذي خلفه استهداف منشآت أرامكو منتصف سبتمبر الماضي، فيما لم تفلح الرياض في حينها ولا من قبل في حشد حلفائها عسكرياً كما كانت تؤمن ضد إيران التي تتهمها بالمسؤولية عن الهجمات.
ولم تكن هجمات أرامكو الأولى ولا الاخيرة من نوعها وإن كانت الأقسى ولا تتوقف صواريخ الحوثيين أو طائراتهم المسيرة عن اختراق العمق السعودي مستهدفاً مطارات وقواعد عسكرية ومنشآت نفطية.
لا يعرف سر الاخفاق السعودي في وضع حداً لتلك الهجمات أو التصدي لها عند وقوعها، ويقارن مراقبون بين تفاقم تلك العمليات وفداحة أثارها وبينما ما يفترض أن تكون عليه القوة الدفاعية السعودية.
مولع هو نظام آل سعود على ما يبدو بالتعويل على الخارج في حماية المملكة رغم ما تراكمه من عتاد، ولهذا المسلك جذور قديمة اميط اللثام مؤخرا عن بعضها ضمن ما أكدته وثائق وشهادات من استدعاء قوات فرنسية وأمريكية لفك حصار الحرم المكي قبل 4 عقود في حادثة جهيمان.
لكن اللافت في التطور الأخير دخول اليونان على الخط الدفاعي السعودي، إذ صحيح أن الصواريخ أمريكية لكن أثينا قالت إن 130 من جنودها سيواكبون نشر المنظومة الجديدة في المملكة.
وكان رئيس الوزراء اليوناني زار الرياض يوم الاثنين قبيل الإعلان عن الخطوة التي لقيت انتقادات من المعارضة اليونانية في الداخل باعتبارها مغامرة حقيقية وحضور عسكري يوناني خارج منطقة المتوسط للمرة الأولى منذ عقود.
لماذا اتجه نظام آل سعود صوب أثينا؟ يبدو أن ذلك له علاقة بتدخلات الوضع الاقليمي وأزماته الراهنة الي حملت البعض على ترجيح أن يكون للأمر صلة بتوتر مزمن بين اليونان وتركيا وأن تكون الرياض راعت تلك الخلفية التي بحكم ما بينها هي الأخرى وبين تركيا من فتور.
لكن يبدو أن اليونان ليست وحدها على قائمة نظام آل سعود، فقد كشفت مجلة اسرائيل ديفينس أن الرياض أبدت رغبة في شراء أسلحة من شركة رافيال الإسرائيلية المتخصصة بالصناعة الصواريخ والاسلحة المتقدمة، مفسرة بذلك رغبة سعودية في تنويع مصادر الاسلحة لديها.
ولو صح هذا فستتشابك في قراءته خيوط رغبة آل سعود المتواصلة في اقتناء الأسلحة مع خيوط التطبيع التي تسارع به دولاً عربية لم تخطر في بال إسرائيل نفسها ذات يوم، ولكن بعضها الآن يتذرع بضرورات الأمن القومي والأخر بتنويع مصادر التسليح دون أن يرى كثيرون أكوام الأسلحة تلك أثرا كبيرا على الأرض.
كما يربط مراقبون بين التوجه السعودي الجديد لليونان للحصول على خدمات عسكرية منها بحالة التقارب القوية التي تشهدها أثينا مع إسرائيل، خاصة حول آبار الغاز شرقي البحر الأبيض المتوسط.
ولا يستبعد المراقبون أن تكون إسرائيل هي من وجهت وطلبت من ولي العهد محمد بن سلمان، الاستعانة باليونان وشراء أسلحة دفاعية جوية منها بهدف إنعاش اقتصادها المتدهور أصلاً من سنوات طويلة.
كما تحاول الرياض استفزاز السلطات التركية من خلال إبرام عقود أسلحة معها، خاصة في ظل حالة التوتر التي تشهدها أنقرة وأثينا حول الغاز شرق المتوسط.
وأنفقت الرياض، وما زالت تنفق، عشرات أو ربما مئات مليارات الدولارات على شراء الأسلحة الدفاعية والردعية لتنقذ نفسها من الهجمات الصاروخية التي تطولها منذ عام 2015، إبان دخولها في حرب اليمن، بمشاركة الإمارات، ضد مليشيا جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
وكان فشل تلك الدفاعات بارزاً في الهجمات التي حصلت في منتصف سبتمبر 2019 ضد منشآت أرامكو النفطية، شرقي المملكة، من قبل إيران التي سارعت إلى نفي ذلك في ظل تبني جماعة الحوثي للعملية، إلا أن واشنطن نشرت دلائل على ضلوع طهران في استهداف المنشآت.
وأظهر قصف المنشآت بـ10 طائرات مسيّرة عجز السعودية عن وقف الخطر القادم من مليشيا وليس دولة، رغم صفقات الأسلحة التي أبرمتها وحصلت عليها بمليارات الدولارات.
وفي حزيران/يونيو 2019، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية إن هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيَّرة كشفت نقاط ضعف في الدفاعات الجوية لدى السعودية التي تعتمد نظام باتريوت الأمريكي، وتعد ثالث أكبر دولة في العالم من حيث الإنفاق العسكري.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول سعودي رفض الكشف عن اسمه قوله: إن “الأحداث الأخيرة أظهرت أن البلاد مكشوفة من حيث نظام الدفاع الصاروخي”.
وفي الأشهر الأخيرة كثف الحوثيون من إطلاق صواريخ عبر الحدود مع السعودية، وشنّوا هجمات بواسطة طائرات مسيرة مستهدفين قواعد عسكرية جوية ومطارات سعودية ومنشآت أخرى، مؤكدين أن ذلك يأتي رداً على غارات التحالف في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة باليمن.
وفي سبتمبر الماضي، أشارت دراسة لمركز خدمة أبحاث الكونغرس إلى أنه منذ زيارة ترامب للرياض، في مايو 2017، تم الاتفاق على كثير من صفقات بيع الأسلحة التي طلب على أثرها البيت الأبيض من الكونغرس الموافقة على عدد منها، وأهمها: “سبع بطاريات دفاع جوي من طراز ثاد قيمتها 13.5 مليار دولار، 104 قذائف يتم إسقاطها من الجو من نوع GBU-10 قيمتها الإجمالية 4.46 مليارات دولار، دعم متكرر وتقوية لبطاريات منظومة الدفاع الجوي من طراز باتريوت قيمتها 6.65 مليارات دولار”.
وتشمل الصفقات أيضاً، وفق الدراسة، “23 طائرة نقل عسكري من طراز C-130J، إضافة لبرامج صيانة ودعم، وثماني طائرات من طراز F-15 تبلغ قيمتها 6.36 مليارات دولار”.
كما دفعت المملكة نحو 500 مليون دولار للبدء بتغطية تكاليف القوات الأمريكية العاملة في مختلف أنحاء السعودية.
وتُغطي الأموال المدفوعة من جانب السعودية التكاليف الإجمالية لنشر القوات، إضافة إلى الطائرات المقاتلة وبطاريات صواريخ باتريوت الدفاعية لحماية المنشآت النفطية السعودية من هجمات الصواريخ والطائرات الإيرانية.