صفقة شراء نادي نيوكاسل الإنجليزي.. هزيمة مدوية للتبييض الرياضي لبن سلمان
أعلن صندوق الاستثمار السعودي، الأسبوع الماضي، انسحابه رسمياً من صفقة شراء نادي نيوكاسل العريق الذي يلعب في الدوري الإنكليزي الممتاز ما شكل هزيمة مدوية لخطط التبييض الرياضي لولي العهد محمد بن سلمان.
وتحدث الصندوق السعودي في بيان مقتضب، عن سببين للانسحاب، المدى الزمني الطويل الذي استغرقته عملية الشراء وما شهدته من مماطلة، حسب تعبير البيان، وجائحة كورونا وما تركته من آثار على كل مناحي الحياة بشكل عام، والمنافسات الرياضية بشكل خاص، وعدم اليقين في ما يتعلق بالموسم المقبل، والمعايير الجديدة التي سوف تقام فيها المباريات والتدريبات والأنشطة الأخرى.
والسبب الأول هو الأساسي والمركزي، علماً أن بيان الصندوق لم يتطرّق إلى العوامل الجوهرية لفشل الصفقة و هزيمة بن سلمان. إذ تحدث فقط عن مماطلة في إنجازها.
والسبب الثاني فرعي وهامشي، كون الصندوق مضى في عملية الشراء شهورا في ذروة انتشار الجائحة، والتأكيدات العلمية أنها لن تنتهى قريباً، ولم يتحدث لحظة عن الاستثمار غير المجدي تجارياً، علماً أن الربح المالي لم يمثل الهدف الأساسي من الصفقة.
والمعلوم أن طلب الصندوق السيادي السعودي أثار شراء النادي الإنكليزي العريق قبل شهور جدلاً كبيراً، وتدخلت عدة جهات لرفض العملية، طارحة أسبابا وجيهة جداً، متعلقة بسياسات السعودية ورجلها القوي وحاكمها الفعلي، ولي العهد، محمد بن سلمان، الذي يتحكّم بالصندوق الاستثماري، كما بكل المؤسسات الأخرى في البلد.
جاء الاعتراض الأقوى على صفقة شراء صندوق الإستثمار السعودي نادي نيوكاسل من شبكة بي أن سبورت الرياضية القطرية التي تملك حقوق بث مباريات الدوري الإنكليزي في المنطقة العربية
جاء الاعتراض الأقوى على الصفقة من شبكة بي أن سبورت الرياضية القطرية التي تملك حقوق بث مباريات الدوري الإنكليزي في المنطقة العربية، وتعرّضت قنواتها وفعالياتها، بما فيها الدوري نفسه، للقرصنة، سنوات وبشكل شبه رسمي في السعودية من شركة تدعى “بي أوت كيو” مع بيع علني لأجهزة الاستقبال وتسديد الرسوم والبث عبر القمر الصناعي العربي عرب سات الذي تملك السعودية سلطة واسعة عليه.
ثم جاء حكم منظمة التجارة العالمية لصالح الشركة القطرية، مؤكداً على القرصنة الرسمية، ومطالباً السلطات السعودية بوقفها، بينما ردّت الرياض بقرار يحظر بث الشبكة القطرية تماماً في السعودية، ما أكد أن لا تغيير في الذهنية الاستبدادية المتغطرسة الحاكمة، الساعية إلى الاستحواذ على “نيوكاسل يونايتد” والمدعية الرغبة بالمنافسة في الدوري الأعرق في العالم بشرف ونزاهة وشفافية، وفي إطار الروح الرياضية.
وكانت منظمات حقوق الإنسان، وكذا أصدقاء الصحافي السعودي المغتال جمال خاشقجي، تحركوا أيضاً ضد الصفقة، وطالبوا بمنعها، إثر تورّط بن سلمان والحكومة السعودية رسمياً في جريمة قتل جمال البشعة في القنصلية السعودية في إسطنبول، علماً أن المحاكمة التركية، المهنية والشفافة، للمتهمين، أعطت دعما قويا لحملة معارضة الصفقة، كون لائحة الاتهام الصلبة والموثقة، والتي صادقت عليها المحكمة مسبقاً، تحدّثت عن تورّط مستشارين ومساعدين شخصيين لبن سلمان، إضافة إلى موظفين حكوميين رسميين في تنفيذ الجريمة والتستر عليها.
ولم يكن من الصعوبة بمكان إثبات أن الصفقة سعت أساساً إلى تبييض رياضي لبن سلمان في إنكلترا وأوروبا والعالم، في سياقٍ شاملٍ عبر استضافة منافسات رياضية عالمية كبرى في السعودية، ثم شراء نادي نيوكاسل العريق بعد تعثر شراء صفقة “مانشستر يونايتد”، العريق أيضاً، والهدف دائماً إظهار بن سلمان في صورة الزعيم الشاب الحداثي الذي يعمل على انفتاح بلاده على العالم في كل المجالات، بما فيها الرياضية.
كانت الاحتمالات متساوية بين تمرير الصفقة أو رفضها، خصوصا مع تأييد الحكومة الإنكليزية، وحتى رابطة الدوري الإنكليزي الممتاز، لها، وطبعاً مع تأييد واسع لها في مدينة نيوكاسل التي سعت الصفقة إلى إعادة ناديها العريق إلى صفوف الكبار، مع استعداد بن سلمان وصندوقه لدفع 350 مليون يورو في عملية الشراء، إضافة إلى وعود جدّية باستقدام مدرب عالمي كبير ولاعبين كبار أيضاً سيدفعون الضرائب مع إنفاق ملايين أخرى طبعاً في السوق في نيوكاسل، وإنكلترا بشكل عام.
إضافة إلى المعطيات السابقة التي عرقلت الصفقة. ثمّة معطى مهم جداً أجبر الصندوق على التخلي عنها، كونها حققت عكس ما أريد منها، وىدلاً من تبييض صفحة بن سلمان وإظهاره بمظهر رجل الدولة الحداثي العصري والمنفتح والمتسامح وهو ما خاب في مساعيه وتكبد هزيمة أخرى.
،أدّت الصفقة إلى التركيز أكثر على سجل بن سلمان السيئ وانتهاكاته الفظة والمنهجية لحقوق الإنسان، وتورّطه ومساعديه المقرّبين في جريمة قتل خاشقجي البشعة، ثم قرصنة حقوق البث، وعلى نطاق واسع ومنظم، للدوري الإنكليزي، وهي معطياتٌ راسخة وصلبة، أكدت قسوة القيادة السعودية وبشاعتها، وحتى التصرّف بذهنية العصابة، سواء في القرصنة غير المسبوقة، أو جريمة إسطنبول البشعة، كما سجن وتعذيب رجال ونساء من أصحاب الرأي ووجهات النظر المعارضة لبن سلمان وسياساته.
أما الحديث عن عدم اليقين في ظل جائحة كورونا فهو سبب هامشي، والربح لم يكن حاضراً أصلاً في الصفقة سوى شكلاً. وقد أنفق بن سلمان نفسه مليارا ونصف المليار دولار تقريباً على شراء قصر ويخت ولوحة فنية، بينما أنفق ذراعه الرياضي ومستشاره وصديقه المقرّب، تركي الشيخ، ملياري جنيه مصري (أكثر من 100 مليون دولار) في مصر لشراء نادي الأسيوطي، وتحويل الزمالك العريق إلى الأسيوطي، فقط للانتقام من النادي الأهلي الذى رفض تدخله في شؤونه وإدارته، ثم اضطر تركي للمغادرة، في النهاية، تاركاً وراءه ذلك كله مع بطاقة حمراء أهلاوية تاريخية أيضاً.
عموماً، كان الفشل السعودي مدوّياً، وجاءت هزيمة نيوكاسل سياسية إعلامية ورياضية، وأثبتت العملية كلها وجود هواة من دون قدرات لافتة بشأن محمد بن سلمان. والأهم أنها أثبتت استحالة تبييض صفحته، وإيجاد صورة ناصعة مزوّرة له مغايرة لشخصيته الحقيقية الاستبدادية الفظة العنيفة، والمتجاوزة بشكل منهجي للقوانين والمواثيق الدولية داخل السعودية وخارجها.