يشكل مشروع “نيوم” باب إسرائيل العريض على المنطقة العربية في وقت يسوّق فيه ولى العهد محمد بن سلمان نفسه كداعم لدول الخليج إزاء خوف تشتغل عليه جهات عدّة إقليمية ودوليّة من مخاطر تشكّلها إيران على المنطقة!
ويعد مشروع “نيوم” أحد مشاريع بن سلمان التي ترتبط بأبعاد وظيفية يلعبها المشروع، خاصة فيما يتعلق بترتيب ملفات التعاون الاقتصادي والسياسي الإقليمي.
فشعارات مدينة أحلال بن سلمان تشابه دعاية المشروع ووعودات سابقة تزامنت مع مشروعات التسوية العربية الإسرائيلية (وما زالت) وتتخذها نظماً كقرابين لحفظ مكانتها ونفوذها إقليمياً ودولياً.
وقال الكاتب عصام شعبان، في مقاله “نيوي .. بوابة إسرائيل” إن المشروع لا يخلو من توظيف محلي مشحون بالوعود عن تساقط ثمار التنمية والطفرة الاقتصادية المقبلة.
باب التطبيع
انشغلت وسائل الإعلام في نوفمبر الماضي، بعقد اجتماع بين ولي العهد ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، وهو ما أنكرته الرياض على لسان وزير خارجيتها
وعلى عكس تصريحات مستشارين سعوديين أشاروا إلى صحة الخبر، وتضمن الاجتماع مناقشة ملفين أساسيين:
– أولاً التنسيق السعودي الإسرائيلي في مواجهة إيران، وذلك في سياق توتر علاقات واشنطن بطهران، وقبل اغتيال محسن فخري زادة وجّه الجيش الإسرائيلي قطاعاته للاستعداد لكل الاحتمالات.
– وثانياً مناقشة تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، سبق ذلك تصريح وزير خارجية المملكة فيصل بن فرحان تأييد بلاده التطبيع في حال التوصل إلى اتفاق سلام يضمن للفلسطينيين حقوقهم
سبق ذلك (أول سبتمبر) سماح المملكة ولأول مرة بمرور الطائرات الإسرائيلية في مجالها الجوي.
إضافة إلى شواهد عن ترتيب لعلاقات رسمية مع إسرائيل يدفع فيها بن سلمان والذي تراه دوائر غربية صانعاً حقيقياً لسياسات المملكة.
لكنّ تطبيع السعودية مع «إسرائيل» يظل التحدي الضخم، الذي لن يمر بسهولة، نظراً إلى رمزيتها الدينية ومواقفها من قضية القدس، وسعيها لربط السلام مع «إسرائيل تسوية عادلة للقضية الفلسطينية أساسها إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس على أراضي 1967».
وأكد الكاتب شعبان أنه في هذا الإطار يُسوّق بن سلمان مشروع نيوم الاقتصادي كوسيلة لإعادة صياغة العلاقات الإقليمية ودمج إسرائيل مرحلياً بالمنطقة
“أي أن للمشروع دوراً وظيفياً كغطاء اقتصادي لتحالفات إقليمية يمثل فيها التطبيع ركناً أساسياً!”
فضلاً عن طبيعة المشروع والذي يجمع مؤسسات اقتصادية دولية من مصلحتها تغيّر خريطة التحالفات القائمة، ودمج إسرائيل بالمنطقة.
وفي عودة إلى افتتاح مشروع نيوم نهاية أكتوبر 2017 نجد دعاية وافرة للمشروع من أطراف ومؤسسات دولية شاركت في قمة العشرين.
وذكر الكاتب شعبان أن بن سلمان يطرح نفسه من خلال «نيوم» كقائد منفتح على العالم، يتجاوز النمط الثقافي المغلق، والمحافظ، ويؤمن بالتحديث في مواجهة التخلف.
وعبر هذا التوجّه السياسي، تستكمل السعودية دورها في المنطقة، ومع تغيّر الزمن، تطمح إلى لعب دور الوسيط في إعادة صياغة العلاقات العربية والإقليمية.
وتابع: بمعنى أدقّ، فإن دور التابع للولي حسب التعبير الكلاسيكي لايفانز ريتشارد في تحليله لأنماط العلاقات السياسية انثروبولوجياً، سيظل قائماً طالما بقيت تركيبة السلطة في المملكة كما هي.
وستظل هذه العملية رهينة عوامل استقرار هيكل السلطة على المستوييْن المحلي والدولي.
أدوار جديدة
والانتقال من دعم السلفية إلى أدوار جديدة، لا يحمل تناقضاً على صعيد وظيفة الدور، كما يشرح ابن سلمان:
«كانت الشيوعية منتشرة في العالم، وشكّلت تهديداً للولايات المتحدة وأوروبا… وقد عملنا في ذلك الوقت بما أتيح لنا من وسائل وتحالفات، للتخلص من الشيوعية. مثلاً عملنا مع جماعة الإخوان، وقمنا بتمويلهم، كما حصلوا على تمويل من الولايات المتحدة».
سبق وصرّح بن سلمان خلال مقابلة مع «واشنطن بوست» أن لإسرائيل الحق في الأرض وبناء دولتها. ولم تعد سرّاً المقابلات غير المعلنة بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين، التي تركز على ملفات التعاون الإقليمي.
ولا تخفي تل أبيب استعدادها لمساعدة السعودية على مواجهة النفوذ الإيراني.
ومع مشروع «نيوم» توسع السعودية مساحات القبول الدولي والعربي لدورها إقليمياً، خصوصاً أن المشروع يربط بين مصر والأردن والسعودية، ويتوقع مطلقوه أن يساعد على انخراط «إسرائيل» في المنطقة. وهذه الأهداف معلنة.
وكان ملاحظاً حضور عدد من المستثمرين الإسرائيليين مؤتمر تدشين المشروع، وما تلا ذلك من محادثات بين كوشنر وابن سلمان.
كما وضع خطاب وزير خارجية العدو يسرائيل كاتس في الجمعية العامة للأمم المتحدة (سبتمبر 2019 ) أساسات التعاون العربي الإسرائيلي.
وشدد الكاتب عصام إبراهيم على أنه يمكن القول أن مشروع «نيوم» يطمح إلى تقوية تأثير السعودية إقليمياً، وإدخال «إسرائيل» إلى المنطقة من الباب العريض.
ووصف هذا المشروع من أهم بوابات التطبيع من باب قطاعات حسّاسة كالتكنولوجيا والسياحة.
إذ تقدّم «إسرائيل» نفسها كشريك متطور تكنولوجياً وعلمياً، يدعم المصالح الاقتصادية لكتل وشركات دولية. ومما لا شك فيه أن التطبيع وإقامة «علاقات سلام» سيكونان مفيديْن لجهة تنمية ودعم الاستثمارات في المنطقة.
وخلص إلى أن كل هذه العناصر تستخدمها القيادة الحالية في السعودية، في حفظ هيكل السلطة وتأمين انتقالها مستقبلاً بسلاسة.
كما يقدَّم المشروع بوصفه نتاج رؤية ولي العهد، ويُستخدم لتسويق صورته كـ«قائد شاب» منفتح وقادر على دفع عجلة التنمية، وكـ«زعيم إقليمي» صانع القرار في ملف ما يُسمّى «التسوية السياسية للقضية الفلسطينية»، وداعم أيضاً لما يُسمّى «التحالف السني».