كشف توثيق حقوقي أن 40% من إعدامات السلطات السعودية على خلفيات سياسية من نصيب مدينة واحدة هي مدينة القطيف التي توصف بأنها “مرآة القمع” في المملكة.
ومنذ العام 2016، تنفّذ السلطات السعوديّة أحكام قتل صادرة عن المحكمة الجزائية المتخصّصة رسميًّا بقضايا الإرهاب، لكنّها شملت، بعشوائيّة لا تستند إلى معايير، قضايا متعلّقة بالتعبير عن الرأي والمشاركة في مظاهرات وتجرّمها على أنّها إرهاب.
وقالت المنظّمة الأوروبيّة السعودية لحقوق الإنسان في بيان إنها تتبعت 229 إعدام نفّذته السعوديّة منذ بداية يناير 2016 حتى نهاية فبراير 2024، بأحكام صادرة عن المحكمة المتخصصة وفي الإعدامات الجماعية، وأجرت دراسة إحصائيّة بناء على المعلومات المتوفّرة.
وأظهر تحليل المعلومات أن 93 إعداماً أي ما نسبته 40% من مجمل الإعدامات، طال أفرادًا من القطيف، على خلفيّة الأحداث التي شهدتها المحافظة.
وبحسب الهيئة العامة للإحصاء، بلغ عدد سكّان السعوديّة حتّى نهاية 2023، 32 مليونًا و175 ألفا، 552 ألفًا من سكّان القطيف، أي ما نسبته 1.7% تقريبًا.
وتدفع محافظة القطيف في السعودية إذًا منذ 13 عامًا، ضريبة التحرّكات المشروعة التي نودي فيها بحقوق مدنيّة وسياسيّة واجتماعيّة، وذلك في سياق تحرّكات متنوّعة في عموم البلاد، تزامنت مع الربيع العربي.
وتفاوتت الانتهاكات التي تعرّض لها العديد من سكان المحافظة بين الاعتقالات التعسفيّة والتعذيب وسوء المعاملة والتضييق، وصولا إلى القتل خارج نطاق القضاء، وبموجب أحكام إعدام.
ففي فبراير 2011، وفي ظل الاحتجاجات التي شهدتها معظم دول المنطقة، شهدت بعض مدن السعودية تجمعات ومظاهرات مطالبة بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والإفراج عن المعتقلين من دون محاكمات.
ومع تطوّر الأوضاع في البحرين وتدخّل السعوديّة لقمع المظاهرات المطالبة بالديمقراطيّة، اتّسعت المظاهرات في القطيف لتشمل مطالبات بخروج قوّات درع الجزيرة من البحرين.
قابلت الحكومة السعودية المظاهرات بالتضييق، وبالقمع لاحقًا، واستخدمت السلاح لتفريق المتظاهرين، ما أدّى إلى قتل عدد منهم.
وفي الأشهر الأخيرة من 2011 قتلت قوّات الأمن السعودية أوّل المتظاهرين، وهم علي الفلفل وناصر المحيشي، ومع نهاية العام كانت قد قتلت 5 متظاهرين، 4 منهم بالرصاص وواحد دهسًا.
وفي ديسمبر 2011، بدأت السعودية بملاحقة المتظاهرين والمواطنين، وشنّت حملات من الاعتقالات والمداهمات باستخدام الأسلحة والسيارات المصفّحة، وأسفر تصاعد حدّة العنف عن مواجهات.
وفي يناير 2012، أعلنت وزارة الداخليّة السعوديّة عن قائمة مطلوبين من 23 شخص، 15 منهم على الأقل على علاقة بالمظاهرات السلميّة التي شهدتها القطيف،
وفي العام 2016 أعلنت عن مطلوبين آخرين. خلال هذه الفترة، اعتقل المئات تعسفيًّا، وتعرّضوا لسوء المعاملة والتعذيب الذي أدّى في بعض الأحيان إلى الوفاة في السجن.
وبلدة العواميّة أحد أبرز البلدات التي شهدت انطلاق المظاهرات. في عام 2017 تجاهلت السعوديّة مخاوف الأمم المتحدة، وبدأت بهجوم عسكري على حيّ المسوّرة في البلدة، بحجّة الإعمار والبحث عن مطلوبين، أدّى ذلك إلى قتل وإصابة العشرات، وتهجير الآلاف قسرًا.
خلال هذه الأعوام قتلت السعودية 75 شخصًا خارج نطاق القضاء على خلفية الأحداث، إلى جانب 14 فقدوا حياتهم في السجون، بينهم من تأكد قتلهم تحت التعذيب وبعضهم في ظروف مريبة مع غياب إمكانيّة التحقّق من ملابسات وفاتهم.
وقد أفقدت هذه الممارسات الثقة بالأجهزة الرسميّة بشكل تامّ، بما في ذلك القوّات الأمنيّة والقضائيّة والسجون، وقد تحدّثت المعلومات المسرّبة من داخل المعتقلات عن تعذيب دموي، في ظل إخفاء قسري للعديد من المعتقلين امتدّ لأشهر، وحرمانٍ من الحقوق الأساسيّة، كالدفاع عن النفس بشكل كافٍ.
إلى جانب ذلك، استخدمت السعوديّة القضاء بشكل سافر لمواجهة الحراك الشعبي الذي شهدته المدينة، واستعانت بالمحكمة الجزائيّة المتخصصّة التي يفترض أن تواجه الإرهاب لاستهداف المتظاهرين والنشطاء.