يواجه الناشط الحقوقي البارز عبدالله الحامد خطر الموت داخل سجون نظام آل سعود في ظل تعمد إهماله طبيا وتعرضه لسنوات طويلة من التعذيب وسوء المعاملة.
وأطلق مغردون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة تضامن واسعة مع الحامد في ظل تأكيد مصادر حقوقية تدهور صحته بشكل خطير جراء تعرضه لجلطة دماغية أدخلته في غيبوبة منذ نحو أسبوع.
وأبرزت المصادر أن الحامد يرقد حاليا في العناية المركزة بين الحياة والموت، وهذه الحال وصل إليها بعد سنوات من الإهمال الصحي المتعمد، والتي كان آخرها المماطلة في إجراء عملية قسطرة قلبية يحتاجها منذ شهور.
ومن بين التُهم الجائرة التي تم توجيهها إلى الحامد تهمة “التشكيك بنزاهة القضاء”، علما أنه وآخرين جربوا الاعتقال سابقاً فعرفوا حقيقة عدم استقلالية القضاء والنيابة فتكلموا بذلك أكثر من مرة، فلم يعجب السلطات، فتم تلفيق هذه التهمة لهم.
وسبق وتعرض د.موسى القرني لجلطة دماغية أورثته حالة مرضية سيئة تسببت بدخوله مستشفى الأمراض العقلية حيث يقبع حالياً، ما يثير المخاوف على مصير الحامد إن بقي في غيبوبة وتطور الأمر لتوقف مفاجئ في عمل أعضاء الجسم ثم موت سريري.
ومنذ يومين أطلقت أوساط حقوقية حملة على تويتر للمطالبة بالإفراج عن الحامد الذي يعاني من تدهور خطير في حالته الصحية داخل سجون نظام آل سعود.
وحملت الحملة وسم #عبدالله_الحامد_بخطر للمطالبة بحرية مؤسس جمعية حسم الحقوقية بعد أنباء عن نقله للمستشفى، حيث تقرر منذ فترة احتياجه لعملية في القلب، لكنها لم تُجرَ له إلى الآن بسبب الإهمال الصحي المتعمد ضده.
وأكد المغردون أن نظام آل سعود برهن في السنوات الأخيرة على ازدرائه الصارخ لحقوق الإنسان أو “لحياة الإنسان”، مبرزين أن جريمة الحامد الذي يعاني من الإهمال الصحي المتعمد هي مطالبته بالإصلاحات بطرق سلمية وقانونية.
ويحكم نظام آل سعود بالاستبداد والقمع متخذا من انتهاكات حقوق الإنسان نهجا يطال كل معارضيه وكل من يحاول المطالبة بالإصلاح والقضاء على الفساد ورموزه.
يبرز بهذا الصدد نموذج “الجمعية السعودية للحقوق السياسية والمدنية” -المعروفة اختصارا باسم “حسم” التي شكلت علامة فارقة في تاريخ الحراك السلمي في المملكة.
سعى هذا الحراك إلى تغيير الأوضاع القائمة التي ما زالت أبعد ما تكون عن احترام حقوق الإنسان وضرورة المشاركة الشعبية.
ولعل ما عانى من أجله المدافعون عن حقوق الإنسان وذوو الضمائر الحية في المملكة يرى ضوءاً قريباً في نهاية النفق، كاتبين بذلك سيادة القانون، وضاربين عرض الحائط بتاريخ الاستبداد وأعوانه.
مؤخرا حصلت جمعية حسم على أهم جائزة حقوقية تقدمها مؤسسة غوزينبينينغ الهولندية، في 13 مارس/آذار المنصرم، وذلك لدورها الحقوقي الذي لعبته داخل المملكة منذ تأسيسها عام 2009؛ إذ كانت كارثة سيول مدينة جدة هي بداية انطلاق الجمعية في ممارسة العمل العام.
في ذلك الوقت؛ نشرت الجمعية أول بياناتها ضد الفساد السياسي الذي تسبب في تلك الكارثة، كما دعت -في خطاب مفتوح- الملك حينها عبد الله بن عبد العزيز إلى تشكيل برلمان منتخب وبصلاحيات مفتوحة، لمحاسبة المسؤولين المتهمين بالفساد.
تبنت الجمعية -بعد ذلك- العديد من المواقف، وأصدرت كثيراً من البيانات من أبرزها البيان الذي طالبت فيه الملك بمحاكمة وزير الداخلية آنذاك الأمير نايف بن عبد العزيز، واتهمت سياسة وزارته بأنها تشجع على التطرف والعنف. وكانت تلك جرأة غير معهودة على الأمير نايف، لما يمثله وزير الداخلية من نفوذ في حالة المملكة، يتجاوز المنصب السياسي الذي جعله الرجل الثالث في سلم العائلة المالكة بعد الملك وولي العهد.
وبطبيعة الحال؛ فإن البيان الذي طالب بمحاكمة وزير الداخلية لفت نظر السلطة أكثر من بيان “كارثة جدة”، وجعلها تدرك “القوة” التي تمثلها “حسم”؛ فلم يعد الأمر بمثابة ردة فعل على كارثة سببها الإهمال الحكومي، أو أن الجمعية تجسيد لردة الفعل الشعبية الغاضبة مما حدث، وإنما هي صوت إصلاحي حقيقي يطالب بحقوق وحريات للشعب، وهذا الصوت له من الجذور والأمثلة ما يسبق تاريخ تأسيس الجمعية نفسها.
وفي ظل أجواء الحرية التي اكتسحت العالم العربي بعد ربيع الثورات العربية عام 2011؛ استطاعت الجمعية كسب جولة إضافية ضد الحكومة، مغتنمة فرصة هذه الأجواء وارتخاء قبضة السلطة نسبيا عن القمع، فأصبحت للجمعية محاضرات مسجلة موجهة ليس فقط إلى أنصارها في الداخل السعودي، وإنما إلى عموم الجمهور العربي.
وقد حاولت من خلال هذه المحاضرات تعزيز ثقافة الوعي السياسي والحقوقي، الأمر الذي ساهم -بشكل واضح- في انتشار اسم الجمعية، وتبني شرائح مختلفة من المجتمع لمواقفها، لا سيما المثقفين والأكاديميين الذين جاء مؤسسو “حسم” من أوساطهم؛ وإن كان بعض منتقديها عابوا عليها خطابها النخبوي، واعتبروه سبباً في تأخر وصولهم إلى فئات مجتمعية ليس من الممكن إحداث تغيير حقيقي على أرض الواقع بدونها.
يمكن القول إن نشأة “حسم” كانت امتداداً -وإن بصورة غير مباشرة- لما أُنجِز في 1993، أي قبل تأسيس الجمعية بنحو 16 عاماً، وأنا هنا أعني “لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية” التي نشطت بعد حرب الخليج الثانية، وسعت إلى “رفع الظلم والدفاع عن حقوق الإنسان” من منظور الشريعة، مما أدخلها في صدام مع السلطات السعودية، خاصة بعد أن دعت “لجنة الدفاع” الناس إلى التحرك والحديث عن مظالمهم.
وكان من ردود الفعل -التي أعقبت معرفة الناس بأمر اللجنة- أن أوصى المفتي العام للسعودية آنذاك الشيخ عبد العزيز بن باز الناس بألا يقرؤوا منشوراتها. ومن بين الكتب التي اشتهرت وقتها، وجاءت موافقة لأهداف اللجنة: كتاب “حقوق الإنسان بين نور الإسلام وفقهاء غبش الطغيان” للدكتور عبد الله الحامد، الذي حُكم عليه -عام 2013- بالسجن 11 عاماً والمنع من السفر خمس سنوات أخرى.
كان من ضمن مؤسسي “لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية”، والداعمين لها والموقعين على أول بيان صدر عنها، بعضُ أبرز الأسماء التي أسست “حسم”، وساهمت في نشرها على الصعيدين المحلي والدولي. ومما يلفت الانتباه في “حسم” أن انتشارها خارج السعودية جاء نتيجة احتضانها لناشطين من توجهات أيديولوجية مختلفة، فكانت في نظر كثيرين تمثل التنوع المجتمعي في السعودية، وهذا ما مثّل أكبر إزعاج للسلطة السعودية.
ولهذا لم يكن من المنطقي -في حالة نظام آل سعود مع الجمعيات الحقوقية- أن يستمر النشاط الداعم للحريات والحقوق سواء كان فردياً أو جماعياً، في وقت خاف فيه النظام من ارتدادات السخط الشعبي الذي ولّدته كارثة سيول جدة وموجة الربيع العربي.
ففي 21 مارس/آذار 2011؛ اعتقلت سلطات آل سعود محمد البجادي، وهو أحد الأعضاء المؤسسين للجمعية. وبعد اعتقاله بأكثر من عام؛ حُكم عليه بالسجن أربع سنوات إثر ادانته بتهم عدة، من بينها المشاركة في تأسيس جمعية غير مرخصة.
ثم تلا ذلك العديد من الاعتقالات التي استهدفت جميع مؤسسي الجمعية (الذين من أشهرهم عبد الله الحامد ومحمد القحطاني وسليمان الرشودي وعبد الكريم الخضير)، وتم توجيه مجموعة من الاتهامات بحقهم؛ من ضمنها التأسيس لجمعية غير مرخصة.
وفي 9 مارس/آذار 2013 (بعد اعتقال البجادي بنحو عامين)؛ صدر الحكم القضائي بحل الجمعية ومصادرة جميع ممتلكاتها، وشمل ذلك مواقعها على شبكة الإنترنت. كما واجه مؤسسو الجمعية وبعض الداعمين لها أحكاماً بالسجن تتراوح ما بين 5 و15 عاماً.
حسمت جمعية “حسم” -منذ بداياتها- فعلاً الرؤية الإصلاحية في السعودية، بتركيزها على الإصلاح من الداخل الذي كان ركناً من أدبيات الجمعية، بحيث يقود النشاط السلمي إلى ملكية دستورية تسمح بإنشاء برلمان شعبي، لكنّ حملة الاعتقالات التي كمّمت الأفواه، وسدّت منافذ التعبير، وأشاعت أجواء الخوف لم تساعدها على إكمال ما بدأته.
رغم ذلك فإن ما عانى من أجله المدافعون عن حقوق الإنسان وذوو الضمائر الحية في المملكة يرى ضوءاً قريباً في نهاية النفق، كاتبين بذلك سيادة القانون، وضاربين عرض الحائط بتاريخ الاستبداد وأعوانه.