أثبت كل من ولي العهد محمد بن سلمان ورئيس النظام السوري بشار الأسد أنهما وجهان لعملة واحدة من الإجرام والحكم الاستبدادي والقمعي بحق شعبيهما.
وأعاد محمد بن سلمان مؤخرا تأهيل الأسد بإعادته إلى جامعة الدول العربية خلال قمة جدة الأخيرة وذلك بذريعة احتواء الصراعات وتصفير الخصومات الإقليمية.
وشهد التعامل مع الملف السوري برمته تحولا جذريا في عهد بن سلمان الذي لم يترك مناسبة هو ووالده ورجالهم إلا وأظهروا دعمهم اللامحدود للأسد سواء تصريحا أو تلميحا.
وجاء ذلك في سياق العداء السعودي المستحكم لثورات الربيع العربي، ومنها ثورة سوريا التي انطلقت في مارس/أذار 2011، بالإضافة إلى دعم الأنظمة الديكتاتورية في قمع شعوبها بحسب صحيفة “صوت الناس” المعارضة.
وأخذت سياسات السلطة السعودية وتصريحات المسؤولين منحى مختلف، اتجه إلى تبريد الموقف، وبات حديثهم لا يتعدى المطالبة بتفعيل ما يصفوه بـ”المسار السياسي للحل في سوريا”.
حتى وصل الحال للتطبيع الكامل مع الأسد ونظامه، والإعداد لإعادة فتح سفارة المملكة في دمشق، واستئناف عمل بعثتها الدبلوماسية بعد 11 سنة من القطيعة.
ويؤكد الرصد الدقيق للأحداث وتتبع مسارها في عهد بن سلمان، أن المملكة قدمت لنظام الأسد كافة أنواع الدعم السياسي والاقتصادي واللوجستي، من فتح للمعابر وتسيير للرحلات الجوية ورفع علم نظامه وعرض لمسلسلاته، وعقد لقاءات وتبادل زيارات، وأجواء مريحة بين الطرفين، والتي كانت جميعها بمثابة خطوات لإيصاله إلى مقعده بالجامعة العربية.
في أكتوبر/تشرين الأول 2017، نقلت صحيفة القدس العربي عن مصادر مقربة من السفارة الروسية في دمشق أن الملك سلمان خلال زيارته لموسكو أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الرياض لا ترى مشكلة في بقاء الأسد رئيسا لسوريا لمرحلة انتقالية، وأن المملكة مستعدة لدعم مسار سياسي يبقيه رئيسا لسوريا.
وأفادت الصحيفة في تقرير نشر بأن استعداد المملكة مشروط بمساعدة روسيا في تخفيف العلاقة العميقة بين طهران ودمشق بما يقلص النفوذ الإيراني في كل من سوريا ولبنان، مؤكدة أن بوتين أبدى نوعا من الحياد بشأن العلاقة بين دمشق وطهران، وأن موسكو لن تقحم نفسها لفسخ علاقة من هذا النوع.
وبعد أقل من 5 شهور من وصول بن سلمان لولاية العهد في يونيو/حزيران 2017، تجنب وزير الخارجية السعودية عادل الجبير، الذي كان دائم الحديث قبل ذلك التاريخ عن ضرورة رحيل الأسد وأن لا حل في سوريا إلا برحيله، الإشارة إلى هذه المسألة خلال الاجتماع الثاني مع المعارضة السورية في الرياض؛ في خطوة عدها مراقبون تخليا عن إسقاط الأسد.
وخلال الاجتماع الذي عقد في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، والذي كان يهدف إلى توحيد مواقف فصائل المعارضة، والتوصل إلى رؤية واحدة، وتشكيل وفد موحد للتفاوض مع ممثلي الحكومة، في مؤتمر “جنيف 8″، اكتفى الجبير بالتأكيد على أنه لا حل للأزمة في سوريا “دون توافق سوري وإجماع يحقق تطلعات الشعب، وينهي ما عاناه.
وبعد أقل من 10 أشهر من تنصيب بن سلمان وليا للعهد، قال صراحة في حوار له مع مجلة تايم الأميركية الذي نشر في مارس/آذار 2018، إن الأسد باق في السلطة وأنه يتمنى ألا يصبح دمية بيد إيران وأن من مصلحته ألا يدع الإيرانيين يفعلون ما يحلو لهم، وأن على واشنطن أن تبقي قواتها في سوريا للتصدي للنفوذ الإيراني.
هذا النفوذ الإيراني الذي سبق وتحدث عنه بن سلمان، أضاعت السعودية فرصة ذهبية لتحجيمه وردع طهران على تدخلاتها في الدول العربية وتقييد مشروعها التوسعي وسحقها بالمنطقة، بتخليها عن دعم الثورة السورية المناهضة للأسد وحلفاؤه الأساسيين المتمثلين في إيران وروسيا، وسمحت لهما باستباحة سوريا، ودفعت ثمن ذلك لاحقا بقصف حدودها.
وانتهى الحديث السعودي عن النفوذ الإيراني، بمصالحة سعودية إيرانية بوساطة صينية أعلنت في 10 مارس/آذار 2023، قضت باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، وإعادة فتح سفارتيهما وممثليتهما، وذلك بعد أكثر من ثمان سنوات من التوترات بين البلدين وقطع العلاقات الدبلوماسية.
وكان بن سلمان قد مهد أيضا لهذه المصالحة بقوله خلال مقابلة تلفزيونية، في أبريل/نيسان 2021، إن بلاده ترغب في إقامة علاقات “طيبة ومميزة” مع جارتها إيران، وأنه يريد إيران مزدهرة.
وأضاف “لا نريد أن يكون وضع إيران صعبا، بالعكس، نريد لإيران أن تنمو وأن يكون لدينا مصالح فيها ولديها مصالح في السعودية لدفع المنطقة والعالم للنمو”.
وسبق أن استعرض الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي تم اغتياله داخل قنصلية بلاده في إسطنبول بأوامر من بن سلمان في أكتوبر/تشرين الأول 2018، في لقاء حصري مع تلفزيون سوريا سجله في وقت سابق من اغتياله، أهم الأخطاء التي ارتكبتها بلاده في سوريا، مؤكدا أن السعودية تتمنى بقاء بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا لكن من دون إيران.
وقال خاشقجي إن السعودية لم تعد تملك أوراقا في سوريا، وهي الآن ليست لاعباً أساسياً في الحالة السورية، وأنها لم تتحمس للتغيير في سوريا، الذي كان سيجلب الحرية والديمقراطية، وذلك بسبب توجسها الدائم من صعود الإسلام السياسي، مشيرا إلى التشابه بين الموقف السعودي والمصري تجاه ثورات الربيع العربي، وهو “الإيمان ببقاء الأنظمة القديمة، وإعادة تأهيلها”.
وكان لاغتيال خاشجقي انعكاساته على التعامل السعودي مع الحرب في سوريا التي بلغت حينذاك عامها الثامن، إذ دخلت أميركا على خط الأزمة كون الصحفي السعودي أحد المقيمين بها ويكتب مقالا أسبوعيا في أحد صحفها، وزادت حالة الترقب للموقف الأميركي في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من القضية المتعلقة بالمقام الأول بدعم حقوق الإنسان.
وظهر في أعقاب اغتيال خاشقجي مؤشرات عدة على اتجاه الرياض لتطبيع علاقاتها مع رئيس النظام السوري، وأرجع خبراء حينها تلك الخطوات، في أنها مساع للحصول على الرضا الأميركي، والاسترضاء لترامب، وتخطي حالة برود العلاقات بين بن سلمان وترامب، ودفع واشنطن لغض الطرف عن القضية التي حظيت باهتمام دولي، وحقوقي، وإنساني، واسع.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، كشف ترامب، في تغريدة على حسابه تويتر، بعد أيام من إعلان انسحاب بلاده من سوريا، عن موافقة السعودية على تمويل إعادة إعمار سوريا، نيابة عن أميركا، وقدم لها الشكر على ذلك، قائلا: “من الجيد أن تساعد دول فاحشة الثراء جيرانها بدل أن تقوم بذلك دولة عظمى على بعد خمسة آلاف ميل”؛ وهو ما لم تنفيه المملكة.
وسبق إعلان ترامب زيارة هي الثانية من نوعها والأعلى من حيث مستواها، رئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك، القاهرة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2018، ولقائه رئيس جهاز المخابرات العامة عباس كامل، وذلك بعد أسبوع من زيارة مفاجئة أجراها الرئيس السوداني السابق عمر البشير لدمشق.
وهي الزيارات التي فسرت بأنها في سياق مساع السعودية لفتح قنوات اتصال مع نظام الأسد من خلال وكلائها في العالم العربي المتمثلين في القاهرة والخرطوم، ونقلت صحيفة “العربي الجديد” عن مصادر مصرية مقرّبة من دوائر الحكم، قولهم إن زيارة مملوك للقاهرة تضمّنت تبادل رسائل وصفتها بـ”إقليمية”، وأن اللقاء تضمن نقل رسائل سعودية إلى بشار الأسد.
وفي يناير/كانون الثاني 2019، كشفت صحيفة لبنانية عن زيارة سرية، قام بها مملوك، إلى الرياض، في ظل الترتيبات العربية لإعادة العلاقات مع النظام السوري، وإعادة عضويتها في جامعة الدول العربية، مؤكدة أن “عودة الحرارة إلى أسلاك العلاقات الدبلوماسية هي مسألة وقت ليس إلّا”؛ وهي الزيارة التي جاءت بعد أسبوع من تطبيع الإمارات والبحرين، مع الأسد.
وكشف الصحفي البريطاني المتخصص بشؤون الشرق الأوسط، ديفيد هيرست، عن أن “السعودية والإمارات ومصر أعدوا خطة بالتعاون مع إسرائيل لإعادة تأهيل النظام السوري، والترحيب بعودة الأسد إلى مقعده في جامعة الدول العربية المجمد منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، بهدف تهميش النفوذ الإقليمي لتركيا وإيران”.
ووفق تقرير لموقع آسيا تايمز، في أبريل/نيسان 2019، فإن المبعوث الرئاسي الروسي، ألكسندر لافنتييف، وصل دمشق قادما من الرياض، حاملا رسالة إيجابية، لم يكشف عن محتوياتها، من بن سلمان إلى الأسد، ناقلا عن محللين ومواقع إلكترونية مقربة من الحكومة في دمشق، إن “السعوديين على استعداد لإعادة التواصل سياسيا مع سوريا”.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، أفادت قناة “روسيا اليوم” بأن السفارة السعودية في دمشق، تشهد أعمال صيانة توحي بأن المقر يستعد لاستئناف نشاطه الدبلوماسي وإن كان موعد ذلك ما زال ضمن الغرف المغلقة، مشيرةً إلى أن هناك مؤشرات عدة تؤكد أن المرحلة القادمة ستشهد تحولاً في العلاقات بين دمشق والرياض، وهو ما لم يحدث حينها رغم التلويح به.
وفي أواخر 2019، دعت هيئة الصحفيين السعوديين، اتحاد الصحفيين السوريين الموالي لنظام الأسد للمشاركة في اجتماع لاتحاد الصحفيين العرب في الرياض، وكانت المرة الأولى التي تستقبل فيها المملكة محسوبين على النظام السوري علنيا، وعرضت الهيئة على الاتحاد السوري توقيع اتفاقية تعاون بينهما، الأمر الذي عّده الأخير مؤشر تغيير الموقف السعودي.
وفي يناير/كانون الثاني 2020، شارك المندوب السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري في حفل أقامه عبد الله المعلمي مندوب المملكة لدى المنظمة الدولية في مبناها الرئيسي بنيويورك على شرف وزير الدولة السعودي فهد عبد الله المبارك -بحسب صحيفة الوطن السورية التي ركزت على حرارة اللقاء بين المندوبين خلال الحفل.
الحفل الذي تجاهل كافة الجرائم التي ارتكبها النظام السوري والدمار الهائل الذي ألحقه بالبنى التحتية وقصفه لشعبه بكافة الأسلحة المحرمة دوليا والتسبب في نزوح وتشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها، رأه محللون سياسيون خطة في إطار المساعي الرامية إلى تطبيع العلاقات السعودية السورية تدريجيا لأسباب واعتبارات عدة لديها علاقة بمصالح البلدين.
وفي أعقاب ذلك اللقاء، طالت نبرة التهدئة السعودية تجاه النظام السوري، الإعلام السعودي، ونشرت صحيفة الجزيرة السعودية كاريكاتيرًا عن أن المفاوضات هي الحل الأمثل لإنهاء الأزمة السورية.
وفي يونيو/حزيران 2020، قال المعلمي في حديث مع قناة روسيا اليوم، إن سوريا لا بد أن تعود يوما إلى جامعة الدول العربية وهذا بحاجة لعدة خطوات، مضيفا أن العلاقات بين الرياض ودمشق ممكن أن تعود ببساطة في أي يوم وأي لحظة إذا انتهت الأزمة السورية وتم التوافق بين فصائل الشعب السوري على التوجهات المستقبلية في البلاد
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، سمح النظام السعودي للشاحنات السورية المحملة بالبضائع السورية، بدخول حدود المملكة، بعدما كانت البضائع السورية تدخل بواسطة شاحنات غير سورية؛ وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، وصلت رحلة جوية إلى مطار دمشق الدولي قادمة من الرياض، وكانت الأولى من نوعها بعد توقف حركة الطيران منذ 2016.
في 2021 حيدت السعودية حديثها تماما عن إسقاط النظام السوري، وبرز الإشارات الخليجية للمنافع المتبادلة معه، والتلويح بإعادة الإعمار وصفقات الطاقة، والرغبة في فتح آفاق للتجارة، وتقليل اعتماد سوريا الاستراتيجي على إيران، وتبنت الرياض الدعوة لعودة سوريا للجامعة العربية بعد تجميد عضويتها في 2011 نتيجة قمع النظام للثورة السورية.
وفي يناير/كانون الثاني 2021، سمحت وزارة الداخلية السعودية للمواطنين السعوديين بالسفر إلى سوريا، بشرط الحصول على موافقة أمنية، وذلك بالرغم من وضع سوريا ضمن قائمة تضم 12 دولة يحظر السفر إليها، وبرغم الإجراءات الاحترازية التي كانت معلنة في أعقاب تفشي فيروس كورونا في موجته الثانية.
وتراجعت السعودية عن دفعها لعزل النظام السوري عربياً الذي تبنته مطلع الثورة السورية، وأعلن وزير خارجيتها فيصل بن فرحان، في مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، بالرياض، في مارس/أذار 2021، دعم بلاده عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وتحقيق الأمن والاستقرار في سوريا، بدعوى استحقاقها العودة إلى محيطها العربي والإقليم.
وفي أبريل/نيسان 2021، قال بن فرحان، في مقابلة مع شبكة “CNN” الأميركية، إن السعودية تأمل أن “تتخذ حكومة الأسد الخطوات المناسبة لإيجاد حل سياسي، لأن هذا هو السبيل الوحيد للتقدم في سوريا”.
وبعد أقل من شهر، كشفت تقارير صحفية عربية في مايو/أيار 2021، عن قمة أمنية جمعت وفد سعودي برئاسة رئيس المخابرات السعودي الفريق خالد الحميدان، ورئيس مكتب الأمن القومي المشرف على الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري علي مملوك، في دمشق، تمهيدا لعودة العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين السعودية وسوريا.
وأوضحت أن اللقاء يأتي كخطوة أولى لاستعادة العلاقات في مختلف وشتى المجالات؛ وأفادت المصادر حينها بأن الوفد السعودي أبلغ المسؤولين السوريين ترحيب المملكة بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وحضورها مؤتمر القمة العربية بنسختها الحادية والثلاثين، في الجزائر 2022.
وفي الشهر ذاته، كشفت وزارة السياحة في حكومة الأسد، أن الوزير محمد رامي رضوان مارتيني، وصل إلى المملكة، في زيارة رسمية لأول مرة منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ نحو عشر سنوات، وعرضت صور للوزير أثناء استقباله من قبل سعوديين، بينما لم تعلن الرياض عن وصول مارتيني رسميا.
وفي أعقاب بوادر الانفتاح السعودي على سوريا، عادت الدراما السورية للظهور على الشاشات السعودية في الموسم الرمضاني 2022، وكسر مسلسل “مع وقف التنفيذ” الذي عرضت قناة إم بي سي، السعودية، قطيعة القنوات السعودية للأعمال السورية، الناجمة عن أسباب سياسية.
وتأكيدا على أن العلاقات الاقتصادية بين النظامين السعودي والسوري كانت متقدمة، كشفت البيانات الجمركية للمعبر الفاصل بين سوريا والأردن، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أن أغلب السيارات المحملة بالمنتجات السورية تتجه نحو السعودية، حيث بلغت في يوم واحد 25 سيارة محملة بمختلف المواد الزراعية من خضار وفواكه.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، رفع النظام السعودي علم النظام السوري الذي تسبب في مقتل نحو مليون سوري في حي السفارات بالرياض، بالتزامن مع احتضان المملكة للقمة العربية الصينية التي ضمت رؤساء وقادة 30 دولة ومنظمة دولية، وعلى وقع انعقاد مؤتمر الوزراء والمسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي، في دورته الثالثة والعشرين.